| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الخميس 9/ 4 / 2009



عيدك . . للشعب ، افراح وآمال !
(3)

د. مهند البراك

بوصولنا بسيارة شيخ " شعلان " الى منطقة " الشيخ معروف " ـ الرحمانية . . ازداد ت زحمة الشوارع بالسيارات والمارّة ، الذين كانوا بسيرهم السريع و كأنهم يتراكضون باتجاهات كثيرة التنوّع . . كانت السيارة تسير ببطء كبير حتى وصولنا الى " ساحة المتحف " ، وفجأة . .
انقطع بث راديو السيارة معلنا الأنتقال الى اذاعة خارجية . .
محكمة !!
توقّف المارّة عن السير و توقّفت السيارات . . فيما تسائل البعض عمّن امر بالتوقف ؟
ـ عميّ الناس تريد تعرف !!
ـ يعني يبيّن . .
ـ اويلي . . يبيّن الأنتفاضة . . يعني
ـ . .
بل و نزل عدد من السائقين تاركين سياراتهم في الشوارع المكتضّة التي توقّف السير فيها . . نزلوا متراكضين الى الأرصفة القريبة ، الى حيث وجدت راديوات . . تجمهر الناس حولها يتسمّعون !
. . . .
. . . .
ـ بيّن للمحكمة انتو بأي حق لبستم ملابس ضبّاط و انتم عرفاء ؟ !!
ـ النائب العريف " حسن سريع " ! اجب !!
ـ بنفس الحق الذي استخدمه العقيد عبد السلام عارف و صار يحمل رتبة مشير !!
انقطع البث . .
. . . . وعاد
ـ لماذا حاولتم السيطرة بالقوة المسلحة على معسكر الرشيد ؟
" حسن سريع " وبكل وضوح و دقّة :
ـ هدفنا اطلاق سراح المئات من الضباط و العسكريين الشرفاء المسجونين في سجن رقم واحد، ليعودوا الى حياتهم و اماكنهم الطبيعية في الجيش العراقي الباسل .
انقطع البث . .
. . .
. . . ثم عاد
ـ شايفين رئيس دولة يحمل رتبة عريف ؟؟ يعني . . شتريدون تصيرون بمحاولتكم المسلحة هذه و اعتقالكم مسؤولين في الحكومة و في الحرس القومي ؟
ـ هدفنا . . تخليص شعبنا الذي ابتلى بحكم ظالم قاسي لا يستحقه، هدفنا اسقاط الحكم القائم و تسليم السلطة الى الحزب الشيوعي الذي يستطيع بسياسييه و شخصياته ان يقرر بالتعاون مع كل الأحزاب الوطنية شكل الحكم الجديد !!
صفّق اثنان من هناك . . و آخرين من مكان آخر !
انقطع البث . .
وعاد الراديو الى بث المارشات العسكرية
تفرّقت الناس بصمت . . فيما كانت الدموع تنساب من وجوه واجمة صامتة و اخرى غاضبة ، و كانت الهمسات تسمع ، رغم كل مظاهر التسلّح التي كانت تكبّل الشوارع هناك، و بين الدبابات و المدرّعات المرابطة في تقاطعات الشوارع عند ساحة المتحف، وعند السكّة القديمة و مفرق المطار المدني . . وعلى مداخل " المحطة العالمية " للسكك الحديدية . .
ـ لكْ . . و الله العظيم . . بطولة !
ـ زلم كدهه (1) .
ـ و الله لو تنطبق السماء على الأرض ما يكدرون ينهون الحزب الشـ . .
ـ ششـ ش . . صوتك . . صوتك !!
ـ بس لويش . . ليش ؟
ـ يكولون سلاحهم قليل . .
ـ لا . . يكولون كانوا ينتظرون ربعهم يتحركون بمعسكر الوشاش و لكن . .
ـ اخي . . يكلّك (2)، ربعهم موجودين بالأذاعة . .
ـ . . .
. . .
و بعد المرور بسيطرات و تدقيق هويات و سيطرات و تفتيشات ، سيطرات و انزال الجميع من السيارة لتفتيشهم و تفتيش السيارة . . وصلنا الى بيت الخال " ابو جواد " في مدينة الحلة ، في محلة القاسم . . كان العناق الحار و الفرح و الدموع اسياد الموقف . . واجتمع الأهل والأقارب و الكل لهفة لمعرفة اخبار انتفاضة معسكر الرشيد . . و اخبار الأقارب والمعارف و الناس في بغداد !! و الرفاق . . وبهمس ، بل وظهرت هناك نسخة من "طريق الشعب" المكثّرة بالكاربون . . تبيّن ان الوالد كان مخبيها بسيارة شيخ "شعلان " .
و بعد ذبح الحيوان ايفاءً بالنذر على السلامة ، و توزيع اللحم
وبانتظار طعام العشاء عند الغروب في مجلس لم ينقطع عن القادمين و الذاهبين . . سمع الحاضرون صوت الخال " ابو جواد " قائلاً بحزم :
ـ و ايش يريد ؟
ـ الأثول الجبان . . متونّس شايل رشاشة بورسعيد و واقف عند ثانوية البنات . .
ـ طاح ذاك الحظ !
. . .
و تصاعدت اصوات عدد من الحضور محاولين التخفيف على " ابو جواد " :
ـ على كيفك يا معوّد ، الوضع ما يتحمّل !!
ـ هو مو تركهم ؟؟
ـ اي غير ييجي يزوركم ، انتم مو مربيّنه ؟؟ (3)
" ابو جواد " :
ـ نعم ساعدناه ، لأنه كان صغير و يتيم ، ابوه تزوّج و تركه . . و " ام جواد " عطفت عليه لأنه من الطرَفْ (4) و المرحومة امه كانت انسانة طيبة . . بس مو يروح يكسر النا بوط (5) و يصير حرس قومي . . من يومها منعته من المجئ عندنا، و بعد التوضيحات و الكلام الذي لم ينفع معاه . . قلت له بوضوح :
ـ شوف اقول لك ، وين ماتروح تروح . . مو آخرتها جاي تخوّفنا بالسلاح !! السلاح مو كل شئ !! ويلك ! الأساس ان تصير رجّال آدمي ، الناس تحبّه و تحترمه . و لاتنسى تره السلاح مايسوّي اوادم ، الأوادم تسويّ السلاح !! هسه اكيد جاي يتشمشم . . منو جاي و شكو ما كو ؟ . . و الستّار الله !!
وقال له الوالد بصوت خفيض :
ـ تتكلم عن الولد كريّم ؟؟
ـ اي نعم ، و وسفه اسمه كريم !!
ـ والله اذا حبيّت تاخذ رأيي ؟ دعه يأتي . . لأنه يعرفنا و نعرفه ، بعدين ليش لأ ، احسن مما تكبر القضية و تصير قضية احقاد و عداوات و و . . و احنا ننتبه !
ـ يا اخي كل مرة ابدأ معاه من جديد بعد التوضيحات و النصائح ، لكنه يرد يرجع على سفاهاته . . و تابع بهمس : اتصور هو و عدد من الطيّاح (6) من ربعه قبل شهر وقّفوا " امّوري " من الشارع ، بعد خروجه من بيتنا بعد منتصف احدى الليالي لأنهم شكّوا به . . كانت ليلة خميس على جمعة ، واقتادوه الى مقر احدىّ المحلات للحرس القومي ، لأنهم لم يتعرّفوا عليه فعلاً، بسبب تغييره هيئته و تدبيره هوية مزوّرة . . و ربّك حميد كانت الأوضاع لابأس بيها هادئة !!
ـ امّوري ؟ !!
واستمر هامساً :
ـ . . واحد من اهل المحلّة من ربعه ، و كان يراقب له الوضع . . بسرعة خبّرنا ، و تالي و بسرعة بالواسطات و التلفونات . . تعرف ام امّوري ملاّية . . وعن طريق الملاّيات و بالفلوس باليد اطلقوا سراحه . . قبل ما يستطيعوا ان يستفسروا عنه بدقة من بغداد . . اتصوّر نقدر نلتقي و ايّاه اذا حبيت . .
ـ نشوف الأمور و الوقت ، لأن تعرف " ابو مجبل " ينتظر . .
واضاف " ابو جواد " بصوت عالي :
ـ . . و بعد ما رمى سلاح الحرس القومي عباله الناس نسيت . . صار لايستطيع يزور المحلة من الشتايم ومن بصقات الأمهات ، اللي صارت تخجّله . الأثول زين بعد عنده شعور بالخجل !
ـ يا " ابو جواد " من رأيي، موزين يتحاصر بهالشكل . . يعني عايش و متربيّ بينكم ، اكيد خلقه، طبعه شوية يعني . . ماخذ منكم . .
ـ ابداً ابداً و الله و بعد تجارب . . كالوا ذيل الجلب خلوّا بالكصبة عشرين يوم ما عدل .. يستحيل هذا الكلب يدخل !!
. . . .
. . . .
بعد تناول العشاء استأذن قريب شيخ " شعلان " الذي كان يقود سيارته . . بالذهاب لأستلام حاجات زراعية دفع الشيخ اثمانها و مطلوب نقلها من اطرف المدينة و قال انه سيأتي لأخذنا عصر اليوم التالي . اغتنمت النساء الفرصة لزيارة الخالات و السلام عليهن . . و استمر مجلس الرجال عامراً بالأقارب و الضيوف الذين كانوا بعد السلام و الترحيب و انواع الكلام . . يقدّمون دعواتهم لزيارتهم ، حتى بدأوا يغادرون البيت . .
بعد ان انفضّ المجلس و بقينا مع عائلة الخال " ابو جواد " ، قال الخال للوالد :
ـ والله " امّوري " دائما يسأل عنكم استاذ، و لو ماخذ على خاطره من ذيج السالفه في عام 1961 !!
ـ يعني بعده امّوري على رأيه . . رغم كل نقاشاتنا .
ـ طبعاً ابو محمد . . الأحداث و المآسي اكدت صحة موقفه . بعدين موصدفة ان امّوري صار من قادة الأتحاد العام لنقابات العمال، و الهيئات العمالية و العمال انتخبوه بانتخابات نزيهة اجمعت عليها الصحف و مختلف الجهات السياسية و الحكومية و الأجتماعية في حينها . . و لمواقف نقابات العمال الصلبة من قضايا الثورة التقدمية و استعداداتها للمواجهة ، مو صدفة ان القوى الرجعية و اجنحتها في حكومة عبد الكريم قاسم و دوائرها ارادت و بكل الوسائل ان تقضي على فكرة التنظيم النقابي، ولمّا فشلت ركّزت على تمزيق وحدة النقابات و نشر الشائعات و الدعايات و عملت على ترصّد و اغتيال نشطائها و قادتها ، و على تزييف انتخاباتها ، وبقيت الى الأخير تحاول افراغها من دورها . .
. . . .
. . . .
و تذكّرت ما حصل في عام 1961 . . .
ففي ذلك العام و اثر محاولات عصابات " الجبهة القومية " و " حزب البعث " اغتيال و تشريد المناضلين الشيوعيين و الديمقراطيين و عموم الوجوه و الشخصيات الوطنية و الديمقراطية المعروفة . . قامت احدى العصابات بمحاولة اغتيال والدي طعناً بالسكاكين . . حيث هوجم ظهر ذات يوم من قبل ملثمين في مدخل سوق الأعظمية القديم، و تركوه حين سقط مغشيّاً عليه و تصوّروا انه توفيّ . . و لم يعد الوالد للبيت !!
سمع " امّوري " بالحادثة بعد ساعات من وقوعها ، واتصل تلفونياً بوالدتي التي اجهشت بالبكاء لتطمينها، ثم زار بيتنا ليلة ذلك اليوم مع اصدقاء طلب منهم الأنتظار في سيارة خارج البيت كما قال . . و طمأن والدتي التي هي ابنة عمّه عشائريّاً قائلاً لها :
ـ سعاد ! ابو محمد بخير و سيعود اليكم . . ولا تقلقي يا بنت عمي، بيتكم بأمان !! سازوركم عندما يعود ابو محمد اليكم . . و اذا اي امر، خدمة ، كلمتين بس لجارتكم " ام حميد " بنت الجلبي .
. . . .
. . . .
وبعد فترة ، استطاع الوالد ان يعود الى البيت ثانية ، بعد تتالي احداث متنوعة و علاجات و مراجعات طبية ، و كان يخفف من وقع الحادث علينا و يكرر ، بانه حصل بسبب مجموعة اشقياء متخلفين لا علاقة لهم و لا يعرفون بالسياسة . . ؟؟ و كان زوّاره الذين زاروه متسترين بظلام الليالي يخففون عليه ، و كان اكثرهم يتفق مع رأيه .
في ليلة من تلك الليالي وفي ساعة متأخرة ، جاء " امّوري " صحبة اخيه " مزهر " و " ابو جواد" و دخلوا البيت بعد ان تركوا احد المرافقين ينتظر في سيارتهم الجيب المدنية، التي ركنوها قرب باب البيت . .
دخلوا وكان يبدو عليهم انهم كانوا جميعاً مسلّحين . .
وبعد السلام و التحيات و السؤال عن الصحة و الحال و بعد شرب الشاي ، وضع " امّوري " مظروفاً تحت وسادة الوالد قائلاً :
ـ هدية صغيرة من الأهل . .
و قال :
ـ اريد فقط تخبّرني من كان الفاعلين اذا شفتهم ؟ واذا لم ترهم ، فبمن تشكّ . . لأنك بالتأكيد شفت هيئاتهم و الوقت كان وقت ظهيرة ؟ هسه انجيبهم الك يعتذرون و اذا ما قبلوا . . والله و الله . . نجيبهم بالقوة و البادي اظلم !
ـ عزيزي " امّوري "، يحفظ لك " ابتسام ". . مثل ما اخبرتك هذول مجموعة شقاوات من التافهين و ناس سائبة ، لا علاقة لها بالسياسة و مثل هؤلاء موجودون في كل محلات بغداد . .
ـ لا يا ابو محمد . . هذه سياسة !! هذه سياسة يتبعوها بشكل منظّم ضد الحزب و ضد القوى الديمقراطية لشلّه و ارباكه و لمحاولة ضربه والقضاء عليه ، كما يخططون . . انهم يسعون باساليبهم هذه و عن طريق قتلة و اشقياء مأجورين و آخرين مدرّبين، لأسكات كل صوت وطني نزيه، بتهديده و محاولة قتله او باجباره على ترك معتقداته او تقويله اخرى . .
ـ " ابو ابتسام " اذا رديّنا عليهم بالعنف ستتعقّد المشكلة اكثر و لا تنحل ، بل سيتسبب ذلك بمشاكل اكبر للحزب و للمحسوبين عليه !
ـ صدّقني لا يسبب ذلك مشاكل للحزب ابداً . . بالعكس، بالعكس تماماً نحن في مجتمع يفهم التسامح
والعفو فقط عند المقدرة ، فالعفو عند المقدرة . . والاّ فلن يُفهم التسامح الاّ بكونه ضعفاً . . الأمر الذي سيزيدهم استكلاباً و سترى !
صدّقني !! احنا في المعامل و المؤسسات التي ردّينا فيها عليهم باسلوبهم وحسب الظرف و الوقت طبعاً
صار الوضع هادئ لأنهم صاروا يحسبون لنا حساب جديّ ، بل اخذوا يخافون من ممارسة مثل هذه الأعمال !
ـ " امّوري " تريد اتسويّ الحزب . . جماعات تتعارك و تكون مستعدّة للتعامل العنيف فقط ؟؟
ـ لم اقل هكذا ابداً ، الحزب السياسي يتبارى بالسياسة الصائبة التي تحتاجها و تريدها الناس و بنضاله من اجلها، واذا كان حزب كادحين فعليه ان ينظر لمصالح و حاجات و ظروف الكادحين ، وان يعلّم رفاقه ان معركتهم صعبة و ان المتربصين به كثيرون . . بس اللي يتعدىّ عليه و يغتال رفاقه، لازم عليه ان يردّ ، اذا لم ينصفه القانون ومن يقوم عليه من الحكومة . .
زين انا اريد اتفق معاك برأيك . . واسألك، هل تستطيع ان تشتكي عند الشرطة ؟ انا متأكّد انك لاتستطيع لأن الشرطة ذاتها ستعتقلك بتهمة الشيوعية . . مو صحيح لو لأ ؟
ـ يمكن صحيح . . لكني لا اريد ان اورّط الحزب بمشكلة بسببي !! الا ترى انهم باتباع تلك الأساليب يحاولون جرّ الحزب الى معركة، هم راسميها و مخططين لها . .
ـ عزيزي دع عنك الحزب الآن . . انت مواطن جرى اعتداء عليه و كاد يتسبب بقتله بدون سبب واضح، في ظروف لايتطبّق فيها القانون . حيث لايكفي ان يصدر القانون، الشئ الأساسي هو تطبيقه . . صحيح ذلك من وجهة نظر المثقفين يو لأ ؟
ـ صحيح . . بس اكمل لأني لم افهم ماذا تريد ان تصل !
ـ اقول حصل الأعتداء واهل المعتدى عليه يريدون يجاوبون على الأعتداء . . لأن اذا ما جاوبوا هيبتهم تروح . . وذلك الكلب راح يستكلب اكثر . . (7)
ـ لسنا في غابة !
ـ هم بسلوكهم هذا سوّوها غابة . . و الناس ما تتحمّل مثل هالوضع ، انهم لايتحملون ان يجري اعتداء عليهم بسبب انحيازهم للحزب ، بدون رد من الحزب ، والاّ تنذب برأس الحزب . . وتأخذ الناس تتحدث بان المذنب هو الحزب، لأنه ورّطهم ؟! . . شنو مثلاً ذنب " خليل ابو الهُوب " ... ؟! قائد نقابي و انسان شجاع تشهد له كل محلات بغداد . . مو راح بشربة مَايْ ! (8) قتلوه الجبناء بغدر . . وصار عدد من ربعنا الصِداميين (9) يقولون : خنّثنا الحزب ، بهاي ممنوع و ذيج غير مقبولة ، و ينراد صبر . . والماي يسري والأمور تترتب بليل !
ـ " ابو ابتسام " ! لايمكن لحزب سياسي يدعو للحرية والديمقراطية ان يتصرّف كشقي . . وانما مهمته الأساسية بتقديري ، انه يعمل على ربط الصراعات الأجتماعية الفردية والمحلية المحدودة بقضية اكبر . . . هي قضية كل البلد وقضية اوساطه الكادحة و حقوقهم و حقهم بالحياة الكريمة مثل غيرهم . اعتقد احنا نناقش القضية من زوايا مختلفة . . في المدينة نضال شكل و بالريف شكل ، وبين العمال و بين الطلاب شكل . . وبين اهل المحلة الواحدة شكل آخر . .
ـ جا شنهي ، هو مو حزب واحد لو كيف ؟
ـ شوف ابو ابتسام ! نعم حزب واحد ! الحزب يضع السياسة و الخطوط العريضة لتنفيذها و منظماته كل واحدة تطبّق تلك السياسة الواحدة بالملموس حسب ظروفها و موقعها و دورها في المجتمع !! و بصراحة اسولف لك . . احنا في بلد غني بثرواته الطبيعية و مكان لمطامع اعتى القوى الكبرى في العالم، ولأسباب تأريخية كثيرة و لانزال نعيشها يعاني مجتمعنا من تخلف حضاري . . التخلف يترك اثاره على كل اهل البلد ، وعلى تفكيرنا و سلوكنا . . والآن وبعد ثورة جبّارة ، يسعى ابنائه الى استحصال حقوقهم من الأجنبي الذي طيلة سطوته احكم تكبيل البلد باشكال متطورة من القيود . . اضافة الى القيود التي هو مكبّل بها اصلاً بسبب التخلف .
وهذه الصراعات التي يشهدها البلد هي بنت تلك الأسباب مجتمعة . واقول لك ، انا لم اتفاجأ بمحاولتهم ايذائي، بعد ان بدأوا بايذاء ابناء محلّتهم الأصليين من اهاليهم هم ، لأنهم يدعون مثلي للتحرر و الديمقراطية . . فبعد ان هددوا استاذ " كرامة المحسوب " اضطروه الى ترك عائلته وصار يسكن خارج المحلة ، ضربوا " حاجي نعمان الأعظمي " الشخصية الوطنية المحبوبة في وضح النهار، على كبر سنّه و امام داره واضطروه الى الأنتقال من المحلة و هو احد ابرز وجوهها، ضربوا ابنه " الدكتور عبد الصمد " وهددوا بحرق عيادته وهو الذي كان يعالج مرضى المحلة مجاناً، فانتقل . . اضطروا " شيخ رشيد " العلامة الديني المعروف، وابناء الضامن الذين حتى الأستاذ " عبد الرحمن الضامن " وهو منهم و غيرهم و غيرهم . . و اضطرّوهم الى ترك المحلّة ، علماً ان اهاليهم و اقاربهم الساكنين فيها لم يحرّكوا ساكن !
والآن و انا طريح الفراش ، لم يزرنا احد من اهالينا و اقاربنا الساكنين في المحلة، عدا النساء و هن يتحدّثن بالم عن خوفهن و خوف رجالهن على عوائلهم و اطفالهم . انا اشكرك من كل قلبي على عنايتك و على موقفك الجسور، ولكن الرّد بهذا الشكل على كل شهامتكم ، سيعقّد المشكلة اكثر . . عندما اتشافى سأترك الدار و اعود اليها عندما تهدأ الأمور، و كما قلت انت ، انها هجمة منظّمة ، و لكنها تزداد و تقلّ وفق الوضع السياسي، الذي لا بدّ وان ينحسم . . ثم لكل حادث حديث !
. . . .
التفت " امّوري " الى " ابو جواد " قائلاً :
ـ " ابو جواد " ، احنا لازم نخبّر "محسن " حتى يعود لأهله ، لأننا ما نحتاجه بعد، لا هو و لا اخوته و ولد عمّه . . . اتّصل به بالتلفون من بيت الجلبي على مكتب الدلال، حيث ينتظر . .
ثم التفت الى الوالد و هو يقول :
ـ قلنا لهم ينتظرون كاسناد النا في مكان قريب، لأن يجوز نحتاجهم !!
قال " ابو جواد " بعد سكوته الطويل :
ـ انا دائماً افكّر ، كيف استطاع مؤسس الحزب فهد ان يشكّل حزب واحد يضم كل العراقيين و بالأحرى فقراء العراقيين والداعين الى انصافهم و انصاف كل ضحايا القمع و القسوة . . بالدعوة الى التقدم و الديمقراطية و بالعلوم والمعرفة ، عمال و فلاحين ، طلاب و مثقفين ، رجال و نساء . . اهل الريف و اهل المدينة، اهل البراري و الجبال . . عرب ، كورد ، تركمان ، يزيدية و آثوريين و كلدان و صابئة ، سنة وشيعة ، اسلام و مسيحيين ، حزب تنظر له اوسع الناس بأمل و تنخرط وتكافح من خلاله وتتبع اخباره و مواقفه . . و كيف اختاره رفاقه كقائد اتفقوا على ان يقودهم ، و متى ؟ في الثلاثينات . . و هو مسيحي كلداني !!
. . . .
. . . .
. . . .
قال " ابو جواد " :
ـ عزيزي " ابو محمد " آني من رأيي اذا اردت ان تزور امّوري . . تروحون وايّا العائلة الى بيت عميّ " سعّودي " تسلّمون عليه كعادتكم ، و لكن بدوني لأسباب تفهمها، و انا من جهتي اوصّله خبر حتى يأتيكم اذا استطاع ؟ . . المحروس ابنك يعرف اين يقع بيت عميّ . .
و للتأكيد استدار اليّ سائلاً :
ـ تعرف البيت مو ؟؟
ـ نعم خالي . . اعرفه طبعاً . .
. . .
. . .
في ضحى اليوم التالي ، وفيما كنا مع " حسين " ابن الخال الكبير " سعّودي " . . على سطح دارهم للتفرّج على انواع الطيور التي كانوا يقتنوها، في ابراجها . ظهر رجل من خلف سياج سطح الجيران ، بعقال و كوفيّه ، ذو لحيّة كثة شيباء مصففة و قال بصوت واضح مسموع و مألوف :
ـ يا اهلا وسهلا يا ابو محمد !! ياميت مرحبا !!
ـ يا اهلاً يا ابو ابتسام ! عاش من شافك !!
ـ والله احسن مفاجأة استاذ !!
ثم بهمس من خلف السياج بعد ان صارا متقاربين :
ـ يكلّك " طريق الشعب " العدد الجديد جايبه واياك . . ؟!!


(يتبع)

8 / 4 / 2009


(1) اي ، رجال على قدر تلك المسؤولية .
(2) يكولون، يكلّك . . تعني باللهجة العراقية الشعبية ، يقولون و يقولون لك . .
(3) بمعنى ، اليس من الطبيعي ان يزوركم ؟
(4) الطَرَفْ ، يعني المحلّه .
(5) بمعنى ، يعمل عمله شنيعه . .
(6) الطيّاح هنا بمعنى . . الضائعين ، التائهين .
(7) راح يستكلب ، بمعنى سيستكلب .
(8) بشربة ماي ، تعني بشربة ماء . . يعني ببساطة . .
(9) الصِداميين من صِدام . . اي من المتهيئين للأصطدام بالعنف ان تطلب الأمر، في زمان كان للأشقياء مُثُلْ و دور في حماية محلات السكن و بنات و ابناء المحلة . . ثم في حماية المظاهرات والفعاليات الوطنية . . ويختلفون جذرياً عن الأشقياء المأجورين، سواءً للسلطة الحاكمة او لمن يدفع اكثر .
 


¤ عيدك . . للشعب ، افراح وآمال ! (2)
¤ عيدك . . للشعب ، افراح وآمال ! (1)

 


 

free web counter