| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الأثنين 7/2/ 2011



دولة المؤسسات كطريق للدكتاتورية ايضاً !!

د. مهند البراك

فيما ناضلت و تناضل شعوبنا العربية و شعوب المنطقة بنسائها و رجالها وبكل اطيافها القومية و ومكوّناتها، من اجل الديمقراطية و الرفاه الإجتماعي و حقوق أوسع الأوساط الكادحة، وقدّمت لذلك مالايعد و لايحصى من التضحيات. ظهر مصطلح " دولة المؤسسات " كهدف سياسي و آليات ملموسة لتحقيق دولة تمثّل مصالح و تطلعات اوسع اوساط الشعب، تقوم على اساس التبادل السلمي للسلطة عن طريق الإنتخابات و البرلمان . . كبديل للدكتاتورية .
سقط نظامي رئيسي دولتين عربيتين كانتا تعتبران الى وقت قصير نسبياً بكونهما في طليعة "دول المؤسسات" العربية . . من خلال اعمال احتجاج و تجمعات سلمية لم تتجاوز اسابيع واجهت فيها الجماهير العزلاء بشجاعة، محاولات الترويع و الأعمال المسلّحة لأزلام و مجاميع الدكتاتور الحاكم . . بعد ان تحوّل الرئيس السابق في تونس، بن علي الى دكتاتور ينتخب دورياً و يفوز بـ 99.9 % بمختلف وسائل القمع و التغييب و التزييف، وبعد ان صار و زوجته ليلى بن علي وعائلتيهما و متنفذي حزبه اكبر اثرياء تونس الخضراء، بسرقاتهم الهائلة لقوت الشعب بأنواع الطرق و الحيل القانونية و غيرها . . فيما يعاني الشعب من تزايد الفقر و البطالة و تزايد سياسة كمّ الأفواه و الإعتقال الكيفي .
و بعد ان صارت مؤسسات الدولة البرلمانية ستاراً لأمرار تلك العمليات اللصوصية من جهة، و صارت الوسيلة الأساسية لقيام نظام دكتاتوري مخيف، بالقفز على مواد في الدستور و تعليق مواد أخرى بانتظار التعديل ! حتى فقدت الغاية الأساسية من قيام دولة المؤسسات و انتخاباتها التي اصبحت و كأنها وسيلة لتثبيت الدكتاتورية مدى الحياة على اساس (الإنتخابات) . .
ليمتد الشرر الى شباب و شعب مصر الذي عرف بمحاولاته المتكررة لمنع افراغ المؤسسات الدستورية من مضامينها الحقيقية و تحويلها الى مؤسسات للدكتاتورية مقدماً انواع القرابين و التضحيات . . واذا ما ناضلت الأحزاب و النقابات المصرية المعارضة نضالاً لم يعرف الكلل و تلّقت جرّاء ذلك انواع الضربات المؤلمة و الغلق و التغريم ثم الإغتيالات و الإعتقالات العشوائية، اضافة الى التخيير بين انواع الإمتيازات و التهديد لتقفل فمها . . تتواصل اجيال شبابية جديدة بنضالات ادهشت و تدهش العالم، لأنها لاتنتمي لأحزاب بعينها لوحدها ولالبنائها و اساليبها حصراً . . وانما تنتمي لمطاليبها العادلة من اجل الخبز و حرية التعبير و الكرامة، بثقافتها و معارفها و من الإنترنت و الفيسبوك (1) .
وفيما سقط نظامي رئيسين دكتاتوريين لدولتين عربيتين مؤسساتيّين (برلمانيتين) حتى الآن . . . لا تزال الأسئلة مفتوحة فيهما عن الآفاق و عن امكانية و كيفية تحقيق الإصلاحات اللاحقة، وعن طبيعة و مديات الإتفاقيات السرية بين الدكتاتورين المنهارين و بين شركات و كيانات متعددة الجنسية لها تأثيرها الكبير في حياة البلاد، والتي من جهتها مكنتهما و عائلاتهما عن طريق عمولات ـ الكومشن ـ و الإختلاس و الفساد الإداري . . من اكتناز مليارات العملات الصعبة من الأموال المنقولة و غير المنقولة (2)، و مقابل ماذا ؟
اما في عراقنا السائر على طريق بناء دولته الجديدة على اساس المؤسسات القائمة على انتخابات وفق دستور! فاضافة الى ضحايا الإرهاب و صراع الميليشيات الطائفية السنيّة و الشيعية، و التمييز الديني و الضغوط المتنوعة الضحايا التي وصلت حد القتل الجماعي على الهوية الدينية و الإنتماء الى القوميات الصغيرة، ـ كالمسيحيين و الصابئة ـ الناتج عن نهج المحاصصة الطائفية و عن التواصل المؤسف لعقلية الفكر الشمولي المستبد الموروث من الدكتاتورية البائدة، في بلد عاشها و اكتوى بها لأربعة عقود مضت . .
تعيش اوسع الأوساط و اكثرها فقراً، المعاناة المتنوعة بسبب البطالة و الفقر، مقابل الإثراء الخيالي لمتنفذين . . وتعاني الكثرة الكبيرة من مشاكل البطاقة التموينية و انقطاع الكهرباء و الماء، و وسائل الصرف الصحي وغيرها.

واضافة الى الخللات الجدية في قانون الإنتخابات ثم نتائجها و الصراع المستميت للأطراف المتنفذة، على مقاعد الحكم و عائداته المالية الهائلة، دون الإهتمام الجاد بمعالجة مشاكل اوسع الأوساط الشعبية . . فإن الوزارة الجديدة و خاصة حقائب الداخلية، الأمن والدفاع، لاتزال شاغرة و بيد رئيس الوزراء بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة، رغم ان البدء بتكوين الحكومة الجديدة على اساس نتائج انتخابات آذار العام الماضي مستمر و لم يكتمل تشكيلها حتى الآن . . اضافة الى سعي رئيس الوزراء الحثيث لجعل الهيئات المستقلة، اساس مشروعية دولة المؤسسات الديمقراطية : هيئة النزاهة، المفوضية العليا للإنتخابات، هيئة الإعلام والإتصالات ، اضافة الى محافظ البنك المركزي . . . سعيه لجعلها عائدة لسلطته.
في تكريس يصعب تبريره، ولا يؤدي الاّ الى قيام الحكم الفردي مجدداً، الذي يحمل مخاطر الدكتاتورية الشمولية الشوفينية على اساس الطائفية، التي تشكّل اضافة لمخاطرها المجَرّبة في البلاد، خطراً حقيقياً على النظام الفدرالي المقرًّر في الدستور . . حيث اضافة الى تزعم حزب الدعوة الحكم في الواقع العملي، فان نتائج عمله بانواع الوسائل ـ منها تزعمه للكتلة البرلمانية الشيعية عملياً ـ يجعل منه و كأنه القائد و الناطق الوحيد للأحزاب و القوى (الشيعية) وبالتالي و كأنه القائد الوحيد للمذهب الشيعي في تجسيد حيّ للإسلام السياسي الطائفي، وفق مصادر وكالات انباء متعددة. . . الأمر الذي تحذّر منه المرجعية الشيعية العليا لآية الله السيستاني و وكلائها و ناطقيها .
ولأن كل ذلك يأتي في سياق قرارات و اجراءات تقيّد الحريات الفردية و تدوس على حقوق المرأة . . كالتشديد على الحجاب في دوائر و مؤسسات الدولة و فصل تلاميذ المدارس عن التلميذات و اجبارهن بسنهن الصغيرة على غطاء الرأس، و الضغوط اللامعقولة في فصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات و خاصة في معاهد و مؤسسات الفنون، و التضييق و الغاء فروع فيها كالموسيقى و الغناء، وازالة التمائيل الجميلة في مؤسساتها الفنية بدعوى منافاتها للدين، و الضغوط و منع النوادي العائلية الإجتماعية، و منع الخمور المهدد بطغيان المخدرات، بدعوى الحفاظ على الأخلاق . . بقرارات مجالس الحكم المحلية .
الاّ ان ما اخذ يعزز تلك المخاطر، هو التصدي بالتهديد و القوة للمظاهرات المطالبة بالكهرباء في الناصرية و البصرة في الصيف الفائت و في الأن الحاضر، الذي استمر و وصل الى حد اطلاق الشرطة و الميليشيات الطائفية النار على مظاهرات الحمزة و الديوانية و ادىّ الى سقوط عدد من القتلى و الجرحى . . في خرق كبير للدستور الذي اكّد في مواده على ضمان الحريات الفردية و حقوق الإنسان . . الأمر الذي اخذ يتسبب بخروج مظاهرات احتجاجية متزايدة للآلاف في بغداد، منها مظاهرة المثقفين و الطلبة و الكسبة المنطلقة من شارع المتنبي الى مقر الحكومة في المنطقة الخضراء، اضافة الى تظاهرات الكريعات و الأعظمية .


6 . 2 . 2011


(1)
انها من نوع الحركات الشعبية التي تشكلت من وفود و جماعات شباب و شابات من دول متعددة فاجأت العالم حين اطلقت اولى الفعاليات الغاضبة لشبيبة العالم باعداد ناهزت المئة الف لإعاقة عقد مؤتمر التجارة العالمي في سياتل في الولايات المتحدة الأميركية عام 1999 و ادّت الى ان يعقد بحمايات عسكرية برية ـ مشاة وآليات و دروع ـ و جوية كبيرة . . و يصف خبراء تلك الحركات الشعبية بكونها نتاج شعبي حتمي لسياسات العولمة الرأسمالية و الحروب و الفساد، وتضم شرائح شبابية متعلمة واعضاء اتحادات عمالية و طلابية و نسائية ومهنية، نشطاء منظمات حقوق الإنسان، و جماعات دينية متنورة . . تحتج على السلطات الواسعة الممنوحة لمؤتمر التجارة العالمي لتغيير العالم على اساس " العولمة على حساب الديمقراطية ". يقول المحتجون فيها، إن اتفاقات المنظمة تلغي القوانين التي تحمي الصحة وحقوق الإنسان والبيئة في الدول الأعضاء فيها، ويثيرون استفسارات و قلقاً مشروعاً من أن الخلافات تعالج في الخفاء بعيداً عن النشر، حيث تقول جماعات مقاومي الحرب إن النفقات العسكرية لا تطبق عليها قواعد منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي يزيد من الأسلحة في الدول النامية، في الوقت الذي لاتساعد مقررات المنظمة الدول النامية على إنتاج الأدوية التي تكافح مرض الإيدز . .
(2) تقدّر ثروة الرئيس مبارك وفق : صحيفة الغارديان البريطانية، اذاعة أي بي سي ، منظمة الشفافية الدولية، مؤسسة دويتشة فيله الألمانية بحدود 40 ـ 70 مليار دولار، اضافة الى عقارات ثمينة وفيلات كبيرة و غير ذلك في اغلب العواصم الأوربية.


 


 


 

free web counter