| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                                                    السبت 7/1/ 2012



عن مفهوم الأكثرية . . و التوافق

د. مهند البراك         
 

منذ سقوط دكتاتورية صدام، ظهرت العديد من المفاهيم و المسميات للعملية السياسية و آلياتها، و يزداد تبادل تلك المصطلحات في وصف مايجري بكونه (ديمقراطياً) رغم الظروف الشائكة التي تمر بها البلاد و تناحر قواها المتنفذة، في وقت تنتظر فيه اوسع الجماهير اجراءات عملية تخفف من معاناتها الأمنية على الأقل . . و ليس اجراءات لغوية انشائية يحار في معانيها و المقصود منها، آخرها مصطلحات "حكم المشاركة" الى "حكومة الشراكة" ثم "حكومة اكثرية" . .

و من المعلوم ان مبدأ "الأكثرية و الأقلية"، هو مبدأ (1) ظهر و عُمل به منذ عهود تأريخية قديمة قبل ظهور الأديان، و تواصل العمل به منذاك بمسميات ناسبت و تناسب ثقافة و مُثُل تلك المراحل في اطار السعي لتحقيق عدالة اجتماعية . . خاصة بعد ان تحققت به انتصارات كبرى اثبتت جدواه و فائدته سواء للشعوب المحكومة او لدول الحضارات الصاعدة التي عزّزت العمل به من جهة، و وضعت له اسساً و قواعداً تصونه من الإستغلال و من التلاعب به وفق الأهواء . .

فاخذ المبدأ يُطرح على اساس البرامج المدعو لها، سواء كانت برامج مرحلية او برامج لوضع حلول لقضايا مصيرية و لقضايا ملتهبة كبرى لصالح الشعب . . بتحكيم تشريعات حكم او كتاب مقدس تأريخياً، او بتحكيم نظريات حكم، ثم تحكيم دستور يصاغ من قانونيين و سياسيين و رجال دين و عيون مجتمع، من المشهود لهم بالكفاءة و الحكمة و نظافة اليد و الإخلاص لقضايا الشعب و قضية الضعيف . . دستور يحصل على موافقة الشعب . لتظهر مفاهيم جديدة في سياق تطبيقه اثبتت و تثبت ان مبدأ "الأكثرية و الأقلية" هو مبدأ نسبي مرتبط بأداة تحكيم متفق عليها ـ اظهرت ايضاً مفهوم " الأقلية الصائبة" المستندة الى تلك الأداة ـ . . الدستور.

و الدستور الذي صيغ من أطراف العملية السياسية و اقرّوا الإحتكام اليه بإتفاقهم و ما اجمعوا و توافقوا عليه و قاموا به، فإن الخروج عنه بلا اجماع و لا مسوّغات قانونية معتمدة في التوافق هو خروج عن الإجماع التوافقي على الدستور، و نتائجه صراع مع الأطراف الأخرى . . و على ذلك يرى متخصصون بأن اطلاقية العودة لمبدأ " الأغلبية و الأقلية " آنف الذكر و تحديداً تعبير (حكومة الأكثرية) لاتكون صحيحة ان لم تستند الى ما يحكّم ذلك في الدستور، و الاّ فان اطلاقه قد لايعني الاّ تظاهرة سياسية لتمرير قضية ما . . او لما يحذّر آخرون من ان ذلك يؤدي الى انفراد بالحكم و عودة الى حكم الدكتاتورية بمسمى جديد، خاصة و ان الأسس الإجتماعية و الفكرية للدكتاتورية و تشويهاتها لاتزال قائمة و قوية . .

و مايزيد من مخاطر ذلك الصراع هو قيام العملية السياسية على اساس المكوّنات الديموغرافية (الهويات العرقية و المذهبية و الدينية)(2) و ليس على اساس الفكر و البرامج السياسية الإقتصادية الإجتماعية . . علماً بان الدكتاتورية لم تسقط على يد مكوّن بعينه ليكون له حق اعلى من غيره، رغم النضال الشاق لكل المكونات في اطار احزاب معارضة الدكتاتورية و تقديمها اغلى التضحيات من اجل حقوق جميع المكونات العراقية في الحياة و الحرية، الذي ادىّ الى تكاتفها في بداية العملية السياسية، و سبّب التعدد الحزبي و المصلحي في كل مكوّن بعدئذ (سواء كفكر و وجهة سياسية او مصالح بما فيها الضيّقة . .) .

الأمر الذي يجعل المكوّن الديموغرافي ـ العرقي، الإثني، الديني، المذهبي . . ـ ستاراً لمرور العديد من الصفقات بلا رقيب حقيقي و بلا اجهزة تدقيق دستورية فاعلة تحاسب على درجة التزام كلّ مكوّن من مكونات العملية السياسية و ماحققه من وعود لناخبيه . . و على ذلك فان المطالبة بالاكثرية على اساس القوى المكوناتية الديموغرافية التي اقامتها المحاصصة و شوّهت بها المواطنة المتساوية و عطّلت انواع الكفاءات الوطنية، هي ليست اكثر من ميل لدكتاتورية مكوناتية ديموغرافية من نوع جديد، رغم نضال جميع المكوّنات الشاق ضد دكتاتورية صدام . . و محاولة للإستقواء بغطاء المكوّن الأكبر بمحاولة جرّه لتأييدها . . و كأنما هو عودة الى زمان قبائل الجاهلية الأولى . .


6 / 1 / 2012


1. كمبدأ اجتماعي سياسي قانوني .
2. يرى استراتيجيون عسكريون، اثنيون، اجتماعيون و علماء نفس ان نظام المحاصصة الطائفية الذي اقامه الحاكم الأميركي بريمر في العراق اثر سقوط دكتاتورية صدام، كنظام (تعايش مذهبي) في حساب الصراعات و التوازنات الاقليمية . . اريد منه عملياً ابعاد العراق عن الصراعات الإقليمية باستنزاف طاقاته الفنية و العلمية و الثقافية و البشرية و العسكرية داخله، في صراعاته الطائفية الداخلية، و هو محاولة لجرّ القضية القومية الكوردية العادلة الى الصراع الطائفي .

 


 

 

free web counter