| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                                                    الأربعاء 5/9/ 2012



حين يُصادَرْ القانون بإسم (القانون)

د. مهند البراك           

ناضلت و تناضل الشعوب من اجل قيام " دولة قانون " و دستور، بعيداً عن استخدام العنف كوسيلة للوصول الى الحكم  او كوسيلة للحكم، وعلى اساس قوانين و اعراف حقوق الانسان المعمول بها في العالم المتحضّر، و من اجل الحرية و العدل و السلام و تآخي الشعوب كبيرها و صغيرها.

و فيما فرح العراقيون رجالاً و نساءً بسقوط الطاغية صدام رغم انشداههم بكيفية سقوطه و  قلقهم البالغ عمّا سيكون عليه البديل، و رغم كل التعقيدات و انواع الارهاب المتعدد المصادر و الجماعات . . بدأت الحيرة و القلق في طريقهما الى الهبوط و هم يتابعون تشكّل هيئات حكم اتحادي دستوري و محكمة عليا تحاكم طغاة الأمس علنا وفق القانون . .

بل و رغم انواع الآلام و الضحايا هلّلت حتى النساء رغم الدوس على حقوقهن المدنية، و زغردت اخريات بـ " هذا اليوم الجنّه نريده "(*) و هن يذهبن في اطار ذهاب كل العراقيين و تحديّهم للاعمال الارهابية التي استهدفت منعهم من التصويت و تسببت بسقوط اعداد من الضحايا . . للتصويت على مسودة الدستور الداعي الى قيام دولة مؤسسات على اساس القانون .

الاّ ان الحياة في البلاد و بأسف اخذت تزداد صعوبة و بشكل غريب منذ ان بدأ العمل بالدستور قانون القوانين، على اساس المحاصصة . . فمن تزايد الجوع، المرض، غياب الأمن، الكهرباء و الماء الصالح . . الى تدخلات و اعتداءات الاشقاء و الجيران التي شملت كلّ شئ بل شملت حتى المياه التي تتغنى بها البلاد و التي عاشت و تعيش على امجادها و ضفافها حضارات قامت و افلت و اخرى تحطّمت . . و لكنها بقيت شعاع الحياة و التطور لعالم اليوم الذي يزداد بحثاً عن سرّ بلاد مابين النهرين منذ القدم . . كما تتناقل بيانات وكالات العلوم و الانباء العالمية الغربية و الشرقية و غيرها .

و يرى محللون في ذلك، ان الوضع القانوني القائم الآن، قد يكون اخطر مما كان عليه في زمن دكتاتورية مفضوحة حين كان (قائد ضرورة) يصرّح علنا بان القانون هو (ورقة يوقعها صدام) . . بسبب وجود دستور و برلمان على اساس انتخابات الآن . . تستشهد ببنودهما و مقرّراتهما الاطراف المتنفذة الحاكمة في اتفاقاتها التحاصصية و خلافاتها و صراعاتها، و بسبب عدم وجود كتل متنفذة تصفق علنا لـ (قائد ضرورة) حتى الان !! فيما تغض النظر و تسكت اخرى عنه، و تعارض ثالثة بحدود الخوف على ضياع امتيازات  . .

و يرى آخرون ان (قائد ضرورة) ـ او اكثر ـ في الحقيقة موجود (وفق قانون) و انه يحكم من خلال تغيير القانون و الخروج على الدستور بـ (قوانين طوارئ) و بسبب (حاجات ثورية ملحّة) رغم عدم اعلان حالة طوارئ، و رغم طبيعية ان تتغير القوانين بتغيّر المجتمع و الدولة و مسيرتهما و لكن على اسس الحداثة و وفق روح الدستور المصوّت عليه، كأيّة ظاهرة و مرفق من مرافق المجتمع و الدولة، من اجل تواصل الحفاظ على جوهر الحقوق الاساسية للمواطنين رجالاً و نساءً . .  و على تاخذ الدولة بيد الشعب لا بأن تدوس عليه باسم القانون من اجل بقاء و تجبّر فئات مستفيدة . .    

و من فيض الموجود، ماجرى من المحاسبة و الحكم على رئيس مفوضية الانتخابات، بسبب صرفه 100 دولار، ثبت انها صرفت كمكافأة و اعيدت الى الخزينة . . في زمن ضاعت و تضيع فيه مليارات فلكية من خزائن العراق . . في سابقة لاتذكّر الاّ بسابقة الحكم على المواطن الفرنسي"جان فالجان" بحكم ثقيل بسبب سرقته رغيف خبز في زمن الثورة الفرنسية و كيف تحورت الى قضية سرقة شمعدان من كنيسة، فيما كان النهب و السرقات الكبيرة للنبلاء الجدد (حماة السلطة الجديدة) جارية بلا رقيب او حسيب و على قدم و ساق آنذاك . . التي جعل منها الكاتب الانساني الكبير " فكتور هيغو" لولب موسوعته الخالدة " البؤساء " . .

فيما يرى في ذلك متابعون بكونها (جرّة اذن) و تهديد لمفوّضية الانتخابات، ( وفق القانون) بعد ان فشلت مساعي الحكومة القائمة حتى الآن، من اخراج المفوضية من الموقع المستقل لـ " الهيئات المستقلة "، التي يتواصل الدوس عليها و الحاقها بمكتب رئاسة الوزراء الحالية ( باسم القانون)، رغم تنافي ذلك مع البنود الاساسية للدستور المتعلقة بها . 

و من ذلك الفيض، قرار الحكومة المحلية لمحافظة بغداد بمنع السافرات و لابسي الملابس (المخلّة بالحشمة) من دخول مدينة  الكاظمية المقدسة (وفق القانون) . . و اصرارها عليه رغم توضيح ناطق بإسم وزارة الداخلية الإتحادية الرافض لذلك (وفق القانون) ايضاً . .

و فيما يتساءل كثيرون، هل ان ذوي القرارات و القوانين المتصارعة تلك، هم من اصحاب الشهادات المزوّرة الذين اعفي عنهم (بقانون) ام هم من بقايا كفاءات الدكتاتورية الذين اعتاشوا على الالتفاف على القانون . . و فيما تستمر هذه الصراعات (القانونية) التي تشترك فيها المكاتب القانونية للوزارات الاتحادية المركزية و الكوردستانية، و للحكومات المحلية التي صار يضيع فيها القانون الأساسي "الدستور " و اهميته و مغزاه  . .

يرى سياسيون ان البلاد تعيش حالة اللاقانون، و يرى آخرون انها تسير وفق (اتفاقات قوانين) معمول بها محصورة بيد متنفذين لايعلنون عنها، التي ان لم يجرِ الغائها فإن البلاد تسير وفقها فعلاً نحو تثبيت كانتونات دينية طائفية و عرقية . . بين ولاية فقيه شيعية و امارة  سنية في مواجهتها و غيرها (وفق القانون) . . باسناد قوات مسلحة اهلية (ميليشيات) مجهّزة بأحدث الوسائل العسكرية السهلة الحمل من جهة، و بمحاولات زج الجيش في حل الخلافات السياسية الداخلية بدل قيامه بواجبه الاساسي في حماية البلاد و حدودها، من جهة اخرى . .

و على ذلك يرون ان الصراع الذي ابتدأ في مواجهة الدكتاتورية المنهارة من اجل حق الشعب بحياة حرة كريمة، مستمر و انه لم ينته بنهايتها ـ الدكتاتورية ـ . . فرغم مرور مايقارب العشر سنوات على سقوطها، لاتزال البلاد تفتقر الى قانون النفط و الغاز، اقرار قوانين الانتخابات التشريعية و المحلية، قانون المحكمة الاتحادية العليا، قانون الاحزاب و غيرها من القوانين التي تشكّل اساس دولة المؤسسات . .

رغم وجود و تواصل العديد من صمامات الامان و التنفيس كما يظنّ القائمون على الحكم، من جرائد و مجلات، قنوات اعلامية، مؤتمرات و قرارات تدعو و تدعو . . بل و تتوالى الفتاوى التي تشجّع روح الانقسام و التمزق و الشوفينية القومية و الدينية و الطائفية، ليتراجع عن قسم منها بعد ان ادّت غايتها، حتى ضاعت في خضمّها بيانات و فتاوى المرجعية الشيعية العليا للسيد السيستاني . . بل و حتى فقدت الفتاوى قيمتها الانسانية التي طاعها الناس حين حملت الامل و التاخي و مواجهة الذل و الاستغلال . . فيما يعود الارهاب و تستمر مشاكل الكهرباء و الماء و البطالة و الصرف الصحيّ، و يزداد المنتفعون و المتنفذون غنىً و الفقراء و المحرومون بؤساً . .

 

3 / 9 / 2012

(*) و تعني بالفصحى : هذا اليوم الذي كنّا نريده .

 

 

free web counter