| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

الأربعاء 3 / 1 / 2007

 

 

ماذا يعني اعدام الطاغية صدام ؟

د. مهند البراك

اعدم قطب الجريمة الأول ومؤسس دولة عصابات الأجرام، الذي ربط البلاد بالعالم من ابوابه الخلفية، حين ربطه بأقطاب الجريمة والسوق السوداء والعسكرتاريا والحروب، وانشأ حكم الجريمة المنظمة في العراق . . بعد ان زاوج الجريمة بالسياسة وبالقانون والدولة، وادى بدولة العراق الى ان تكون دولة الجريمة التي سممت المجتمع ومسخته، بأشاعة الرعب المنظّم اليومي وبتحطيم الضمير والأخلاق طيلة 35 عاما . .
ورغم ملابسات مرفوضة جرت، واعتراضات على تنفيذ الحكم نبعت اساساً من رفض الوجود والمنطق الأميركي في المنطقة، ومن الخوف مما يحمله مستقبل غير واضح ينبئ بمخاطر مستمرة آخذة بالتزايد، بعد ان نال الدكتاتور محاكمة علنية لم يحلم بها، استمرت اكثر من عام وغطّت جزءاً قليلاً من إجرامه الهائل الذي كبّد به البلاد والمنطقة، وشكّلت ـ مع ظروف الأحتلال وعدم الأستقرار ـ كما لو كانت عملية اعادت تأهيله وادت الى رجوعه الى مسرح الأحداث، بشكل اثار القلق والخوف على مصير البلاد واهلها.
فأن اعدامه يعني اعدام قائد جبهة الجريمة التي يتوزع رجالها على قوى المسرح السياسي القائم، ويتوزع نفوذها الأجرامي فيها بصورة تدرجت من التأقلم والتعايش فيها، الى التأثير عليها، بما لديها من ذوي علوم ومعارف اجرامية وتخريبية درّبوا عليها، ولأمتلاكها لأرشيف معلومات دولة مخابراتية عن البلاد والمنطقة والأشخاص، والذي تستطيع من خلاله التأثير وتهديد اي ذي شأن او وظيفة او دور يسعى لتحقيق تقدم او انفراجة في البلاد على انقاض الدكتاتورية .
وفيما يرى كثيرون ان اعدامه يشكّل بدء عودة الى الواقعية بعد ان صار كما لو كان اسطورة مخيفة، من اساطير الأرواح الشريرة التي عشعشت وسممت الحياة والفكر في العراق، بالقمع والأرهاب والعذاب اليومي والحروب والموت الجماعي الذي لم يكن يعرف حدوداً. وانه وجّه ضربة كبيرة الى عصاباته والى اصابتها بنكبة كبيرة، ان احسن الأستفادة من نتائجها الهائلة .
يرى آخرون، ان عملية اعدام الطاغية التي نقلت على الشاشات، قد كشفت حقائق جديدة عن ماهية جوهر آليات ومنطق الحلقات السرية التي حكمت والتي يبدو انها لاتزال تحكم العراق، بعيداً عن كلّ الديكورات . . بل كشفت عن استمرار ـ ان لم يكن تصاعد ـ دور الأقبية السرية التي قررت وتقرر مصير البلاد وطبيعة حسم صراعاتها الأساسية . من حيث السرعة والتهريج والفرض والأوامر والأسكات والكاميرات العلنية والخفية، والسكوت وسرعة التلون . .
في قاعات شكّل ويشكّل المسيطر بالقوة عليها وعلى اثاثها ومكوناتها وشكل بنائها وماهية حبالها . . الجواب على ان كيفية سريان وحسم الأمور في البلاد لايزال يجري في موازنات قوة في ليل بهيم، رغم كل الدعوات للديمقراطية ولبناء عراق جديد، ورغم كل التضحيات السابقة واللاحقة، كما لو ان حقوق المواطن محصورة في " مواصلة الحياة " التي لاتزال تستمر بكونها هي لاغيرها ماكُتب على العراقيين ولايزال، حتى الآن .
وهنا لابد من التذكير بأن، بعد انتصار قوى الخير في العالم بتحريم عقوبة الأعدام، انتصاراً وانحيازاً لمفهوم وحكمة الحياة والتمدن وانتظاراً لحقائق جديدة قد لم تتوفر، وعلى ان لايعالج الخطأ بخطأ والجريمة بجريمة . . الاّ ان الطاغية استمر بقمع معارضيه بالموت بلا هوادة وبمنطق ازداد وحشية وديماغوجية عما مضى، فتحت رايات ( الديمقراطية والثورة والأبعاد الأنسانية في مفهوم القائد)، استغنى عن عقوبة الأعدام بالتخلص من معارضيه الشعبيين ومنافسيه بالأغتيالات والخطف والتضييع بداية، والتي طالت كل القوى والأحزاب وكل اطياف البلاد، واكتفى بإعلان تلك الأحكام ان خدمت اهدافه في التقرّب للناس، بل وارعب الناس بعرض ضحاياها في ساحة التحرير.
لتصبح بعدئذ عقوبة الموت في زمانه الكريه، عقوبة رسمية بل واكثر العقوبات واسرعها تنفيذاً، لتزداد افقياً وعمودياً بالحروب وبخطط تأطير المجتمع، ثم لتصبح سياسة يومية (عادية) اجهزت على ارواح ونفوس الملايين وطالت حتى النساء، وسط تشجيع او تفرّج القوى العظمى و(القوى الأنسانية العالمية والأقليمية والعربية).
لقد فرحت اوسع الأوساط العراقية ومن كل اطياف البلاد السياسية والفكرية والقومية والدينية ، بموت الجلاد الكبير رغم القلق الذي تم ذكره اعلاه، بعد ان جعل الموت جزءاً لايتجزأ من حياة المواطن اليومية ومن قبل (الدولة وقوانينها) وبكل الوسائل وبلا رادع من ضمير او مصالح . . ليضمن استمراره الأناني الحقود جالساً على كرسي حكمه، مستمراً بضحكاته الأستهزائية المجنونة، الذي استمر جالساً عليه رغم اغراقه معارضات وانتفاضات الشعب بالدم ورغم غزوه بلدان الجوار بل ورغم حصار الدول العظمى وجيوشها (عليه) !! في مشاركة ومساهمة دولية واقليمية فاعلة مخططة وغير مخططه، لجعله اسطورة وشيئاً خيالياً، اوهم الناس واثار تساؤلاتها المدمّرة، هل هو قدر العراقيين ام عقوبة الخالق لهم ؟ ام ماذا ؟ ومن هو ليسكت اشقاء الدين والقومية والعالم عنه ؟؟
لقد مات طاغية العراق بعد تنفيذ قرار الحكم عليه وفق الأصول القانونية وبعد محاكمة اصولية علنية لم تشهدها البلاد منذ اكثر من نصف قرن. وبعيداً عن كل الأعتراضات ووجهات النظر . . التي تكبّل بها العراق لايمكن القول، الاّ بأنه استحق الحكم بالموت عليه، الحكم الذي اعتبره هو ارحم الأحكام بعد ان افجع العراقيين رجالا ونساءاً شيوخا واطفالاً يوم اسس وفتح ابواب جهنم عليهم بتأسيسه لـ (حكم القانون) الذي لم يكن في عهده الاّ (ورقة يوقعها صدام حسين)، كما عبّر هو بذلك علنا .
لقد مات ميتة اصولية كان يتمناها كل عراقي لنفسه في زمانه الشرير. . بعد ان جفف مآقي دموع العراقيين واذاقهم دماء وعذابات وذلّ، وبعد ان قتل البشر والزرع والضرع والطير، وجفف وسمم اراضي العراق وحوّله الى خربة صار كلّ يدّعي بحق له فيها، ويرسم لها الخطط لتقرير مصيرها دون استئذان اهلها !!
مات ببرود الموت رغم الضجيج المفتعل . . بعد ان امات كلّ شئ في البلاد بما فيه حزبه الذي اساء ومسخ اعضائه ووجد نفسه في الموت الذي صنعته يداه لاغيرها كأي قاتل محترف احترف القتل والموت والكذب والخديعة . . ولم يمت ميتة رجال سعوا لعز ورفعة العراق واهله بأطيافهم من موقع الحكم وفق ما اعتقدوه صحيحاً للبلاد . . وبعد ان عاشت وتعيش ارواح قادة الشعب المضيّع والمكبّل واغلبهم بلا قبر او ضريح يزار او بقبور بنيت لهم بعد سنين من جهود ومخاطرات لأبقاء شئ من بقاياهم ليكون مزاراً وتيمّناً .
والآن وبعد ان وظّف الدكتاتور ثروات العراق الخيالية في تسميم الفكر والروح بأسطورة القائد الدكتاتور الذي لايموت، التي ادخلت الناس عالم الأساطير والخيال والجن وقراءة الفنجان، التي لم تزدها كل التغييرات الصاعقة شبه الخيالية شبه الأسطورية التي تتالت وتكالبت على البلاد، الاّ استفحالاً .
يشكّل الأسراع بأعدامه اثر استلامه من الأميركيين في ظروف البلاد واحتقاناتها الأمنية والفكرية والنفسية، خطوة عملية هامة للبدء بحسم حالة الضياع والخوف والتردد واخطاء الحسابات، وصفعة قوية لمن يسعى لأستغلال الواقع المؤلم القائم سواء كانوا اميركيين او اقليميين او عراقيين . . لتهريبه وانقاذه وتجييره كما لو كان ممثلاً وناطقاً بأسم طائفة السنة التي لاتتشرف به .
وهي مناسبة هامة لفتح صفحة جديدة بين القوى العراقية الفاعلة عرباً وكورداً وتركماناً، اسلاماً ومسيحيين، سنة وشيعة وكل طوائف البلاد الأخرى ، لتأسيس وحدتها الوطنية على اساس السيادة الوطنية لعراق موحد والحكم الذاتي على اسس فدرالية لكوردستان، وفق اسس النظام البرلماني الدستوري وعلى اساس الهوية العراقية المتساوية لأبنائه رجالاً ونساءاً .
ومن اجل تكوين المستلزمات الضرورية لمواجهة عدم وضوح السياسة الأميركية التي تحاول ان تجعل القوى العراقية في حالة قلق تسلبها الأرادة الضرورية لمواجهة التحديات، وتؤدي برجالها الى التهرب من تحمّل المسؤوليات، الذي لن يقود الاّ الى ضياع ودمار ادهى وامر .

3 / 1 / 2007