| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

الخميس 30 / 11 / 2006

 

 

المأساة العراقية تدعو الى ضرورة النظام المدني العلماني !

 

د. مهند البراك

ان النشاط الكثيف والمكوكي حول القضية المأساوية العراقية، لقادة الصف الأول دولياً و اقليمياً، واستمرار تصاعد الوضع الدموي في البلاد الذي صار يهدد ليس بتدمير العراق فحسب وانما باشعال كلّ المنطقة، بعد ان اخذت تتزايد وتتسارع مؤشرات تزايد تعمّق وتوسّع العنف ـ النظامي وغير النظامي ـ في العراق والمنطقة من جهة ، ومن جهة اخرى سواء كان ذلك بالبيانات السياسية او بتسارع الأحداث على ارض الواقع .
وبعيداً عن مناقشة تفاصيل كثيرة عن الأسباب والنتائج والجرائم والأخطاء الدولية والأقليمية والداخلية ومضاعفاتها . . لايمكن القول الاّ ان العراق بعد مايقارب اربعة سنوات على سقوط دكتاتورية صدام، قد تحوّل الى حالة فوضى دموية عنفية ارهابية، لاتحمل افقاً عراقياً قادراً على الحل لوحده الآن، بعد ان جُرّت البلاد جراً بالعنف والأرهاب، بالدم وبالحديد والنار الى ان تكون بؤرة حرائق المنطقة، بعيداً عن محاولات التنظير والأختلاف الفارغ حول هل ان مايجري هو حرب اهلية ام ماذا ؟ ومن هو السبب؟ في وقت يجري البحث فيه عن كبش فداء لألقاء التبعة عليه مرحلياً، والسبب واضح .
حيث بقدر ما فرح العراقيون لسقوط الدكتاتورية، تزداد معاناتهم وتفنى ارواحهم رجالاً ونساءاً واطفالاً بلا ذنب، وبوتائر تزداد ترويعاً ورهبة ولا تهدد الاّ بانفجار المزيد . . الأمر الذي ابتدأ بغزو البلاد واعلان الأحتلال واعتماده الطائفية اسلوباً عملياً للحكم، اضافة الى القيام بآلاف (الأخطاء) والجرائم كماً ونوعاً، قام بها سواء من كانوا في اجهزة الدكتاتورية او من قدموا دون استئذان من خارج البلاد، او ممن يشغلون مواقع في الحكم البديل، الحكم الذي لم يستطع ان يغيّر من وتائر واساليب حكم الدكتاتورية، بل زادها عمقاً ومساحة، رغم جهود ونداءات ورجاءات وتحذيرات اوسع الأوساط العراقية .
وفيما جرى ايصال البلاد ـ دولياً واقليمياً وداخلياً ـ الى حالة لا تستطيع فيها تحقيق لحمتها لوحدها الآن، وبعد ان صارت ساحة فقط لتصفية حسابات قوى ليست عراقية، ثم تكونت فيها حالة صارت تشكّل خطراً جديداً على صراعات عموم المنطقة ـ المتنازعة اصلاً ـ ضمن مخططات سعت وتسعى الى تحويل صراعات المنطقة الى سكّة الصراعات الطائفية المدمّرة.
اخذت اوساط غير قليلة ترى وجود تعارض او نشاط متعارض بخصوص المصير العراقي لمركزي طهران وعمّان، في وقت رأت فيه كيفية شعور ادارة الرئيس بوش بان مبادرة المعلم السورية بزيارة بغداد . . قد تفقدها المبادرة في المنطقة، وان عليها التحرك سريعاً .
وبدأت الأحداث وفق مصادر موثوقة دولية واقليمية، تسفر عن تتالي نشاطات محمومة لأيجاد (حلول للأستقرار)، بتكوين تحالف اقليمي عسكري اسلامي سني بقيادة الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية (1) لمواجهة التحالف العسكري الأسلامي الشيعي المنبعث من جمهورية ايران الأسلامية، وكخطوة لوضع حد لنشاط التحالف الأيراني ـ السوري، ودوره المركّب في تأجيج الصراع الطائفي العراقي، بتقدير تلك المصادر .
الأمر الذي كان قد بدأ التعبير عنه منذ زمان مقترحات ايفاد قوات عربية الى العراق، التي دفعت جانباً بعدئذ، لتحل محلها خطط ترمي الى انسحاب قطعات من القوات الأميركية من العراق لتحلّ محلها، قوات تركية او غيرها من دول الناتو، وفق ترجمة مقررات قمة الناتو الأخيرة في استونيا . والاّ فقوات باكستانية او هندية تساهم باشكال متنوعة ومن مواقع متنوعة .
الذي لايعني الاً اكمال مخطط دفع الصراع الطائفي في المنطقة الى المقدمة، او الأنجرار اليه وتعميقه وجعل العراق ساحة المواجهة فيه التي قد تتحوّل فيه الى خط لجبهة حرب اقليمية طائفية يمر على طول نهر دجلة مقسماً العاصمة التأريخية العراقية بغداد، الى بغداد الغربية السنية وبغداد الشرقية الشيعية وخلفهما تحتشد الحشود البرية ـ النظامية وغير النظامية وغيرها ـ للطرفين .
في وقت تطالب فيه اوسع الأوساط العراقية وتناشد فيه لأيجاد مخرج لأيقاف شلالات الدم العراقية التي تتواصل بلا انقطاع وتهدد بتزايد مجنون . . بأعلان حياد العراق في الصراع الأيراني ـ الأميركي،
والكف عن جعله ساحة لتصفية حسابات الآخرين ومربض لحمايتهم على حساب ارواح العراقيين بكل طوائفهم وعلى حساب شرفهم وممتلكاتهم .
وفي ضوء كل التغييرات العالمية ومارافقها من موازين جديدة (2) تطالب بالعمل من اجل : وحدته ارضا وشعباً على اساس، الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان على اسس فدرالية ، رفض نظام ولاية الفقيه ونظام الولاية الطاليبانية باشكالهما، حل الميليشيات الطائفية المسلحة ـ السنية والشيعية ـ بخطط متدرّجة حفظاً لأرواح الناس، واعتماد دعم القوات المسلحة العراقية والسعي لتحويلها الى وسيلة مسلحة وحيدة لحفظ ارواح المواطنين وحقوقهم.
ومن اجل نظام برلماني تعددي يحترم التعددية الدينية والقومية والطوائفية وتساوي المواطنين رجالاً ونساءاً على اساس الأنتماء لهوية العراق، الذي صار وبالتجربة الدموية الملموسة وبالأنفراد بحقوق واهدار دماء وحقوق الآخرين، لايحققه الاّ قيام نظام مدني علماني حقيقي يتضمّن استثناءات (3)، يلمس منه بتطبيقه في ارض الواقع الجاري انصافاً واقراراً وصيانة لحقوق جميع الطوائف بلا تمييز ـ مهما كان ـ . . الحقوق التي على اساسها تتحدد واجباتها.


(1) عبّرت عنه الدولتان باشكال وصيغ متنوعة وعبر ناطقين رسميين فيهما، خلال العام المنصرم وازدادت وضوحاً في الشهرين الأخيرين .
(2) بعد ان تطلعت المنطقة الى آفاق انسانية واجتماعية افضل اثر نهاية الحرب الباردة، اسفرت احداث 11 ايلول سمبتمبر 2001 عن تزايد العنف وسياسة الحرب في العالم، التي اخذت تتطور من مواجهة الأرهاب، الى تزايد والهاب منطق العنف وتزايد النزعات العنصرية الدينية والقومية والطائفية . . التي جعلت من منطقتنا خط مواجهة ملتهب للعنف وللعنف المضاد والأرهاب، الأمر الذي اخذ يضيّع الصراعات الأجتماعية ويغلفّها باغلفة عتيقة التي فيما راح زمانها، اخذت تنفخ فيها دوائر المال والسلاح والنفط المتنوعة، في محاولاتها للسيطرة او لأدامة قواها ومضاعفة ارباحها مهما عانت وابيدت شعوب بكاملها .
(3) المقصود تعديل الدستور نصاً وروحاً بضوء الخطوط الأساسية لروحية دستور 1925 الذي جرى اقراره في ظروف تلك المرحلة، وبحساب المستجدات المذكورة عموماً في المقال اعلاه .