موقع الناس     http://al-nnas.com/

حول افكار (عراق مقسم مستقر افضل من عراق موحد مشتعل !!) (*)

( 1 )

 

د. مهند البراك

الجمعة 29/ 9 / 2006

في مجرى الصراعات والنزاعات الدموية في عراقنا، ورغم الجهود الشاقة لرأب الصدوع وللتوصل الى عراق مستقر، تطرح افكار وحلول متنوعة، في محاولات تزداد تنوعاً سواء كانت مخلصة في سعيها لأيقاف نزيف الدماء المتواصل، او كانت تهدف او تخدم اهدافا وخططاً معلنة او غير معلنة . . حيث تقف على رأسها افكار تدعو الى تقسيم البلاد، وصار قسم منها يزداد ارتفاعاً في خضم الصراع الحاد الذي يجري من اجل تقرير شكل وآلية النظام البرلماني الفدرالي في عراق موحد .
وهنا لابد من التذكير بان تحديد ورسم حدود بلداننا التي ظهرت كدول حديثة ( بمفاهيم ما بعد الحرب العالمية الأولى) كان اضافة لأخذه بنظر الأعتبار وان بدرجات متنوعة وجود لواقع قومي وديني واجتماعي، بدلالة عديد من المصادر والبحوث . . فانه كان قد جرى على اساس مصالح القوى العظمى التي انتصرت في الحرب، ودرجات اتفاقها على شكل وحجم حصصها، ووفق خطط وحدود الأحتكارات الدولية العظمى ودوائرها، اضافة الى ابقاء مناطق غير محسومة او بقت معلقة او غير محددة التعريف، تهدئة لمشاعر او لمطالبات شعوب المنطقة، لتصبح بعدئذ اساساً قانونيا واساسا سياسيا (منطقياً مقنعا) للتدخل بشؤونها وتقرير شكل مصيرها، بشكل دبلوماسي او عسكري او بالتلويح به .
واضافة الى كل مظالم وتعقيدات الدكتاتورية وتركاتها وآلية اسقاطها وتوقيته ، لابد من القول ان ظروف ؛ العولمة الرأسمالية وحرية هجرة رأس المال وتغيّر مفاهيم الحدود السياسية والكمركية، تزايد تركز الأحتكارات العالمية فوق القومية، تزايد اهمية الثروات الطبيعية والنفط بشكل اخص، التوازن والصراعات المخفية والعلنية بين القوى العظمى، نمو وتزايد وعي شعوب ودول المنطقة لذاتها ولحقوقها لكل ماسبق، والذي ادى ويؤدي بالشعوب التي كانت قد عوملت كاقليات او ككيانات بشرية من درجة ثانية قياسا بشقيقاتها اوكأقليات . . ادى بها الى ان تطالب بحقوق تتناسب مع دورها الحالي في واقع اليوم، سواءاً بثرواتها الطبيعية التي يزداد الطلب عليها، او دورها في اقتصاديات وصلات وثقافة وستراتيجيات منطق عالم اليوم واقاليمه.
اضافة الى أن ضياع (تغيّراوتشوه) وتطور المفاهيم الكلاسيكية لطبيعة وآليات نشوء (برجوازيات وطنية) في الظروف العالمية الراهنة، قياساً بانماطها التي تكونت وسادت في الغرب والشمال ـ اضافة الى التي بدأت بالتكون في قسم من دول المحيط منذ اواخر القرن الثامن عشر، وملاحظة اوساط واسعة في بلادنا النمو والرفاهية الأقتصادية ذات المدلولات الأجتماعية غير القليلة في اكثرية بلدان النفط الخليجية، التي اتخذت اشكال طفرات هائلة في التحول القياسي السريع من البداوة والعلاقات العشائرية الى الدخول في اعلى حلقات ومجتمعات راس المال المالي الدولي (1).
الأمر الذي جرى في فترة زمنية قياسية لم تتجاوز النصف قرن من الزمان ـ فيما لو قيست بالعراق ـ وبعيداً عن الحروب واسلحة الدمار الشامل. ورغم انها جعلت الدورة الأقتصادية الوطنية خاضعة او مرتبطة وثيقاً بالمشاريع الخدمية والأستهلاكية والترفيهية، التي لم تتعارض بشدة او تصطدم بالأرضية الأجتماعية الأقتصادية الأولى، اضافة الى نشوء تناقضات واجتهادات تحاول فيها تلك الدول ان لاتكون دولاً ريعية بقيامها باقامة مشاريع وبمحاولات اقامة مشاريع ذات مردود اقتصادي يساعد على تطور اجتماعي ذي فائدة، على اساس القناعة بان النفط والغاز ثروات قابلة للنضوب .
تلاحظ اوساط تتسع ان التخبط المتزايد الذي تعيشه اوسع اوساط الأدارة الأميركية الحالية بخصوص الحالة المأساوية في عراقنا، قد اخذ يعيّر عن نفسه بصور متنوعة، حيث اخذ طرح حجم الأحلام يتناقص، بعد ان بدأت بطرح النموذج الأميركي ذاته كهدف وكاساس للمناقشة، ثم بطرح النموذج الألماني والياباني لتتم النقاشات الآن على اساس النموذج اليوغسلافي، فيما ترى اوساط واسعة ان العراق يسير بشكل عام ان استمر وفق نموذج تابع للنموذج الأيطالي بعد الحرب العالمية الثانية، ان لم يكن يسير بسرعة نحو نموذج الكونغو الدموي المأساوي، ما لم يجر تدارك اهم العقد المصيرية في حياة البلاد .
ان الأخذ بالنموذج البلقاني (اليوغسلافي) سيعني تقسيم البلاد الى كيانات ضعيفة (الى لادول ) لاحول لها لأن لاقوة (قانونية) في العلاقات الدولية الطبيعية (ستدعمها اصوليا) رغم مايجزل لها من وعود، وسيجعلوها تتراكض ورائهم، وسيجبروها على التنازل وسيبتزون ثرواتها التي اعتقدت يوما انها سندها ان اعلنت استقلالها، (لأن لاسند قانوني دولي يسندها وفق قوانين الأمم المتحدة) . . ولبلادنا ومكوناتها تجاربها المريرة الكافية المعمدة بانهار الدم في ذلك الشأن منذ زمن السلطان عبد الحميد والى الأحتلال والأنتداب ونشوء الدولة العراقية مطلع القرن الماضي.
اي انهم سيضغطون ويبتزون امام زبد وعود هامسة !! بالأعتراف بها، بل سيجزلون الوعود الهامسة لها، على امل انها ستقبل الأبتزاز بالأخير مقابل وعد بالأعتراف بها كدول ( حال حقيقة مايجري الآن في دول البلقان ـ يوغسلافيا سابقاً ـ رغم الضجيج الأعلامي الصاخب عن الحقوق الديمقراطية وعن تقرير المصير الديمقراطي جداً ولكن (وللأسف) دون تمويل او بمصادر تمويل عاجزة او بتمويل لايزيد الاّ من شد وثاق اسرها ـ رغم انفها هذه المرّة وبلا ضجيج ـ للماكنة الصناعية فوق القومية العملاقة حتى تعجز من نيل حتى ما كانت عليه في وضعها السابق (2) .

(يتبع)


1. الذي يشكّل اعلى اشكال رأس المال، وفق كلاسيكيات العلوم الأقتصادية.
2. بعد ان شكّلت يوغسلافيا تيتو( الأتحاد اليوغسلافي)، بموقعها القيادي في دول عدم الأنحياز الى جانب مصر ناصر وهند انديرا غاندي، وكانت الدولة التي حاول الشرق والغرب استرضائها، الدولة التي اخاف استقلالها المعسكر الشرقي، كما اخاف الغرب فوز الدو مورو الذي عنى نزوع ايطاليا ـ وبوجود قوة نفوذ الفاتيكان الدينية فيها ـ نحو الأستقلال من الأحلاف الغربية، في حالة فوزه في الأنتخابات الذي كان يعني فوز تحالف قواها الوطنية والقومية التقدمية، الأمر الذي انتهى باغتياله وشكّل هزة دولية كبرى وفضيحة لم تنته . . وبذلك كانتا المثالين البارزين على ان قوة كيان وبالتالي موقع ودور اية دولة، مرهون بنجاحها في توحيد كلمة مكوناتها على اساس التوافق او على اساس الأتفاق على برنامج يطلق طاقات البلاد على اساس تقدمي ونحو رفاه اجتماعي واقتصادي افضل لكل المكونات، وليس على اساس التقسيم .
(*) راجع ، ميشيل اوهلتون كبير خبراء معهد بروكينغز الأميركي، ذي الشأن في سلوك الأدارة الأميركية في العراق، الذي عبّر في محاضرة له فيه عن : ( أنه، بدلا من القبول بالكارثة بالكامل ، يجب أن نحاول تطوير إستراتيجية للتوصل الى مستويات الحد الأدنى من الاستقرار ، حتى لو تطلب الأمر التضحية بأهدافنا النبيلة في العراق . . في خيار يسهل إرادة التبديل المكاني العرقي في العراق، مع الاحتفاظ بصيغة الحكومة الكونفدرالية . ويجب أن نطرح على الأفراد الذين يريدون حماية أنفسهم وعوائلهم الفرصة للانتقال الى أراض عراقية أكثر قبولا لهم ولعرقهم أو ديانتهم ). راجع" دعوة اميركية الى فرز عرقي وطائفي طوعي في العراق " الملف نت " 29 / 9 / 2006 .