| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                                     الاحد 28/10/ 2012



عندما يصرفْ الشعب على الحكومة !!

د. مهند البراك           

و المقصود هنا بـ ـ يصرف ـ ، ان يعطي الشعب للحكومة مصروفاً . . بعد ان شاعت في الاوساط الشعبية جملة تساؤل " شايفين شعب يصرف على الحكومة ؟ ". و قد يبدو السؤال لأول وهلة ساذجاً
لأنه من الطبيعي ان يصرف الشعب على الحكومة و الاّ من اين للحكومة اموال ؟! لتدافع بها عن البلاد و عن امن و سلامة المواطن و خدمته، و لتصرف رواتب ملايين الموظفين و المستخدمين و العمال مدنيين و عسكريين، و عشرات الآف لايمكن تصنيفهم . . و مصروفات كثيرة غيرها !!

و من ذلك لابد من التذكير بأن الحكومة و منذ نشوء الدول، و بعيداً عن تفاصيل كيف وصلت الى دست الحكم، و خاص ة تلك التي جاءت عن طريق انتخابات عامة . . هي مؤسسة تعود للدولة و تقوم بادارة شؤونها لمدة يحددها دستور البلاد، واجبها حماية سلامة الدولة و حقوق مواطنيها نساءً و رجالاً، و تسهر على خدمتهم و رعايتهم و على صحتهم و امانهم و غيرها من الخدمات الواجب عليها القيام بها . و تستمد نفقاتها لذلك من موارد البلاد الطبيعية التي هي ملك الشعب، و من انواع الضرائب المفروضة على كل المواطنين . . سواء على املاكهم و اعمالهم و معاملاتهم و على رواتبهم الحكومية، او مدخولات اعمالهم، و على السلع الغذائية و الاستهلاكية . . الخ

و في دول تأسست منذ عقود طويلة، يفترض ان تكون حكوماتها قد استقرت على آليات صارت شبه ثابتة على صعيد مواردها المالية و كيفية التصرّف المسؤول عنها ـ او كيفية اصلاح النواقص و التعثّر و المعوقات في ذلك ـ و كيفية دواوينيته و اسلوبه الاداري على الأقل، كما في بلادنا العراق . . حيث يتساءل الكثيرون عن ما يُفعل بما يدفعونه شهرياً للحكومة، و ماهو مصير مايدفعونه من ضرائب شهرية و خاصة و ان ماتدفعه الفئات الواسعة من الموظفين و المستخدمين و العمال و غيرهم من ذوي الدخل المحدود، يشكّل مورداً كبيراً للحكومة ؟

و يتحدث الكثيرون بألم بسبب العَوز . . عن اسبابه، و عن ان ما يدفعونه شهرياً للحكومة صار يستنفذ دخولهم . . فاضافة الى الضرائب المستقطعة من قبل الحكومة من مرتباتهم الشهرية، فهم يدفعون نقداً لمن يقومون بحراسة البيوت من الحرامية و اللصوص، و نقداً لمن يقومون باعمال النظافة الاساسية و رفع الازبال اليومية، في ظروف ازدادت فيها الانقاض المتروكة و الجديدة، و ازدادت فيها عواصف الغبار حتى تسيّد الغبار فيها على الجو في غالبية ايام السنة، و صارت طبقات الاتربة تغطيّ مايتراكم من النفايات . .

و اضافة الى التكاليف العالية و المعاناة الحقيقية للحصول على فرص التطبيب الناجح و العلاج المناسب، بعد هروب النسبة الاكبر من الاطباء و الاخصائيين بسبب اعمال الإغتيالات و الاتاوات و الفصل العشائري في حالة نقص العلاج . . التي طالت الكثير منهم، و امتلاء السوق بالادوية المغشوشة رغم الاجراءات الحكومية لملاحقة ذلك . .

تعاني اوسع الاوساط من مشاكل الكهرباء و تقطّع تياراته و ضرورات التحويل بين التيارات الكهربائية . . بين كهرباء المؤسسة " الوطنية " الحكومية، و كهرباء المحلّة و متعهديه الاهليين المدفوعي الثمن من اهالي المحلّة، الى ماطورات توليد الكهرباء المنزلية التي تصمّ الاذان بضجيجها العالي، و ماسبب و يسبب حالات وفيات بسبب التيار الكهربائي لقلة و عدم معرفة كثيرين بشؤون التعامل مع الكهرباء، في ظروف تستوجب القيام بذلك و خاصة عند وجود اطفال او كبار سن او مرضى و مرضى راقدين، في صيف لاهب . . . ان مأساة غياب الكهرباء ادّت الى تحوّل مفردات الكهرباء من " الامبير" الى " المحوّل" و "العاكس" الى مفردات يتعامل بها الاميون، و يرددها حتى الاطفال في نقاشاتهم الطفولية البريئة و العقيمة التي لاتقدّم و لاتؤخر، و لكنها تهدد باخطار قد تتسبب بكوارث للعوائل و خاصة الفقيرة الواسعة منها .

و بسبب حالات الكهرباء تلك يزداد تلف الاجهزة الكهربائية المنزلية المتنوعة، بسبب التتابع غير المتوازن للتيار الكهربائي المار بها للاسباب المذكورة، و يسبب تلف اجهزة اخرى بسبب تقطّع التيارات و مايستنزف ذلك من دخل المواطن، الدخل الذي مهما ازداد بسبب الاجراءات الحكومية الساعية لحل المشكلات بزيادة الدخل، فانه يواجه تزايد تكاليف توفير الكهرباء و الزيادة غير المقيّدة للقائمين على توفير كهرباء المحلات و على بيع اجهزة توليد و توفير الكهرباء . . في ظروف تزداد فيها حالات الوفيات المبكرة بسبب حرّ الصيف اللاهب و عواصفه الترابية المتزايدة بلا انقطاع . .

من جانب آخر تستنزف اعمال اصلاح الابنية، و الممتلكات التالفة من قطع الاثاث الاساسية التي تتدمّر بسبب اعمال الارهاب التي اخذت تتصاعد مؤخراً، لأسباب لايعرفها الاّ متنفذي الكتل الحاكمة كما يتداول الناس . . تستنزف بشدة دخول المواطنين، رغم الاعلان عن دفع الحكومة تعويضات لهم، و لكنهم لم و لا يقبضون منها شيئاً، رغم دفع عمولات و وساطات و غيرها من اجل ذلك، و لايعرف اين تحلّ تلك التعويضات و في جيب منْ، ان صُرفت فعلاً . .

و من الطامات الكبرى لتزايد صرف قطاعات الشعب على المشاريع الحكومية الاصولية منذ تشكيل الدولة العراقية . . هو الصرف على المدارس و خاصة الابتدائية التي يفترض ان تهيأ الطفل ليقرأ و يكتب و يكتسب المعارف الاساسية التي تمكنه من التعامل مع العائلة و المجتمع، في احسن التقديرات . . فبعد سنوات طويلة انهارت ابنية مدارس ابتدائية كثيرة جزئياً او كلياً بسبب الحروب المجنونة و الحصار و الارهارب اضافة الى تقادم الابنية تلك التي بقيت دون اعمال صيانة و التي ازداد استهلاك ابنيتها و مرافقها بدرجة اشدّ من الماضي بسبب ازدحام الصفوف الدراسية و دوام وجبات متعددة فيها في اليوم الواحد . . حتى صارت مهددة بالانهيار من جهة، و لقلة و انعدام الكادر التعليمي فيها للاسباب المذكورة و لاسباب اخرى يضيق بها المقال . . كما تتناقل الصحف العراقية و وسائل الاعلام الحكومية ذاتها.

فيتحدث اهالي مدينة الصدر ـ الثورة سابقاً ـ مثلاً، بألم عن ارهاق عوائلهم الساكنة فيها بسبب تكاليف المدارس الابتدائية الاهلية، التي صار متعهدون اهليون ينشؤها . . بعد ان صارت الدراسة الابتدائية في مدينة الصدر التي تضم اكثر من ثلث نفوس مدينة بغداد العاصمة . . صارت دراسة مدفوعة الاجر من الاهلين، و الاّ يُترك الاطفال في الشوارع فريسة سهلة لانواع الحيتان الخطيرة ، من حيتان الجريمة المنظمة و السرقات، حيتان المخدرات . . الى حيتان بيع الاعضاء البشرية و تجارة البشر . .

كل ذلك يجري . . في زمان يكشف فيه يومياً عن سرقات و نهب و رشاوي و فساد اداري و اختلاسات بعشرات المليارات من الدولارات، و تحوم فيها الدلائل التي تتوفر و القرائن و الشكوك . . عن ضلوع موظفين حكوميين كبار فيها، و نفاذهم من التحقيق و من الاجراءات القانونية الطبيعية التي قد يعلن عنها . . و في وقت تنشغل فيه الكتل البرلمانية و الحكومية الكبيرة بنزاعاتها على الهيمنة و على كرسي الحكم الاوحد، و لو ديس على الدستور الذي اقرّته هي . . لأنه صار قديماً !!

25 / 10 / 2012
 

 

free web counter