| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                                                    الثلاثاء 27/12/ 2011



الانسحاب الاميركي و قضيتنا الوطنية !

د. مهند البراك        
 

فيما تستقبل الشعوب في العادة انسحاب القوات الأجنبية من اراضيها بالفرح و التفاؤل في استقبال مرحلة جديدة في تقرير حياتها و سيادتها، ادى الإعلان عن انسحاب القوات الأميركية من البلاد الى تمزّق سريع لسلطاتها الحاكمة و الى تصادم معلن لكتلها المتنفذة، صاحبه تصاعد الأعمال الإرهابية التي راح و يروح فيها عشرات جدد من ابناء البلاد المدنيين . . وكانما كان وجود القوات الاميركية هو الذي ضبط و حقق استقراراً نسبياً افضل مما كان في سنوات دموية اكثر مرارة سبقت .

و يرى مراقبون ان ذلك ان دل على شئ، فإنه لايدلّ الاّ على ان الحرب التي اعلنها بوش الإبن على العراق منذ ثماني سنوات، قد اسقطت صدام و لم تسقط نظامه كآليات و فكر و عنف و عنجهية ـ بعيداً عن التسميات الجديدة ـ ، و يذهب قسم الى تفسير ذلك بكون ان الإدارة الأميركية كانت تريد تغيير الدكتاتور و شخصيات الكوتشينة الشهيرة فقط لحكمه مع الإبقاء على النظام اصلاً . .

و قسم آخر يذهب الى ان الخطة الأميركية لغزو العراق قد قامت عسكرياً لتحقيق عدة اهداف ستراتيجية عسكرية اهم ـ اضافة الى اسقاط صدام ـ في مقدمتها جعل العراق لكل مميزاته ساحة الصراع الأساسية بين الإدارة الأميركية و بين القاعدة لتمزيق الإرادة الشعبية العراقية باطيافها التاريخية، ولإبعاد نشاط القاعدة عن الغرب بإغرائها لمهاجمة قواتها في العراق من جهة، و لأجل تحقيق اختراق لها للقاعدة من جهة اخرى ـ كما اثبتت الأحداث لاحقاً ـ .

و عززت ذلك باقامتها بشخص بريمر البديل التحاصصي الطائفي العرقي . . الذي مزّق الإرادة الشعبية الموحدة (قانوناً اصماً) من اعلى و اساء لمفهوم " المكوّن " الذي ادّعت تمثيله ذاته، من جهة. . . اضافة الى تمزيقها بـ : الإغراءات . . و الإرهاب، النهب، البطالة و الفقر و دمار الخدمات و الفساد الإداري، سواءً بتشجيعها لذلك او بتسريبها لفاعلين و غض النظر عنها، خالقة بذلك طبقة سياسية حاكمة جديدة غلب عليها انانيون و جهلة سياسيون مستقوون بدول ذات مصالح في البلاد . . و ضباع اقتناص الفرص لإثراء (عبقري) باجادة السرقات الفلكية و اللطم زوراً في عزاءات الأمة على مآسي ماضيها و مذاهبها . .

و فيما ادّت المسيرة الى تواصل حكم الدكتاتورية باشكال و مسميات اخرى ـ بقياس ما يعانيه و يجنيه المواطن العادي ـ، فانها ادّت الى سكّة تواصل فيها ارتهان العراق للقرارات الدولية بمسميات و بنود و متعلقات جديدة، بعد ان استطاعت الإدارة الأميركية اثر تنفيذها اهدافها، سحب قواتها العسكرية الرسمية، و القائها اعباء و مصاريف متطلبات ديمومة سير العراق على سكة ذلك التواصل ـ ارتهان العراق ـ (*). . على دول الجوار في صراع يزداد استقطاباً : بين السعودية و دول الخليج و تركيا كظهيرة (القائمة العراقية)، و بين ايران و سوريا و ميليشيات حزب الله و حماس كظهيرة (قائمة دولة القانون)، من جهة.

ومن جهة اخرى، هناك سعي لمراوحة واعاقة التطوّر الذي يشهده اقليم كوردستان العراق (التحالف الكوردستاني)، بخلق انواع الصعوبات و الفتن امامه و من داخله . . من القصف العشوائي و ضحاياه المدنيين و التهديد بالإجتياح من ايران و تركيا . . الى محاولات اشعال الفتن المتواصلة بين الكورد والعرب، و الكورد و المسيحيين و الأيزيديين بحجج التحريم . . و محاولات لعزل اقليم كوردستان العراق عن الواقع العراقي باطيافه الأخرى التي تشكّل باستقرارها و نجاحاتها دعماً للإقليم ذاته . . بمحاولات جعله ـ الإقليم ـ و كأنه اساس (الفتن) في كوردستانات تركيا و ايران و سوريا التي تشهد نهوضاً .

و بينما يمر عام على انتفاضات ربيع المنطقة التي كانت تأمل ان يلعب العراق الجديد عاملاً داعماً لشعوبها التواقة الى التحرر . . لايزال الصراع يدور في العراق من اجل السلطة و كأن الدكتاتورية لم تسقط، رغم الأعداد الهائلة للضحايا و لنزيف المال الفلكي و للدمار المتواصل، و رغم اقوال الرئيس اوباما و مسؤولين عراقيين عن قيام بديل متحضّر في البلاد، يستند على التداول السلمي للسلطة و على التعددية و احترام الآخر . . الذي بقي املاً حتى اسقاط رئيس الوزراء المالكي (مبدأ التوافق) و ( مبدأ الشراكة الطائفية و العرقية ) في مؤتمره الأخير، في مواجهة المواقف المتعنتة لقائمة علاوي برأيه . . في صراع بدا و كأنه صراع اشخاص و مصالح ذاتية انانية وليس صراعاً من اجل تثبيت مبادئ ما لأجل الشعب . .

و فيما يرى عديدون ان القوى و مسار الأمور يجريان ليس كما يتمنى المرء . . يكاد يجمع كثيرون على ان المواجهة الوطنية لأنواع المخططات تتطلب اجتماع القوى و الشخصيات التي ناضلت ضد دكتاتورية صدام، سواء كانت داخل او خارج المؤسسات الحكومية و الدستورية القائمة من كل اطياف الطيف العراقي، رجالاً و نساء . . اجتماع يمكن توسيعة ليضم القوى و الشخصيات التي ناضلت بأساليب متنوعة مشروعة ضد الإحتلال و من اجل الاستقلال الوطني بعيدا عن المدانين بجرائم من بعثيي صدام و القاعدة، و عن المدانين بجرائم السرقات و الفساد الإداري . .

لتقييم المسيرة و اعادة النظر بأسسها، و بالتالي تقييم عمل البرلمان و تقرير بقاءه من حلّه للإعلان عن انتخابات جديدة كما تطالب كتل متعددة آخرها مطالبة رئيس كتلة التيار الصدري . . من اجل قيام حكومة على اساس الكفاءة و السيادة الوطنية و السلام في المنطقة، اجتماع يسلط الأضواء على مدى استقلالية القضاء عن السياسة و الاتفاقات السياسية . . ولابد من القول بأن الحزب الشيوعي كان اول من بادر للدعوة لعقد ذلك الإجتماع و بوقت مبكّر .

من ناحية اخرى، و وسط مطالبات باستقالة حكومة المالكي، يتساءل مراقبون متعددو الإختصاصات اليس من الافضل للمالكي القيام بمبادرة (شيعية) لتحقيق وحدة الصف الوطني باطيافه لمواجهة القاعدة و تصاعد المد (السني) في المنطقة، ان اراد البقاء على كرسيه ؟ و يذكّرون بأهمية المرونة السياسية و احترام القضاء في ظروف العراق الدموية الحالية و ظروف المنطقة، و يذكّرون بان الشعب العراقي يدرك انه لايخلو مسؤول من اخطاء ونواقص و يدرك كلما كبرت المسؤولية زاد تاثير تلك النواقص و الاخطاء لتصبح دماءً و دماراً . . الاّ انه لا ينتظر بصبرٍ رغم انواع التضحيات التي قدمها و يقدمها، الاّ اعمالا يلمس منها جهوداً مخلصة لحكاّمه من اجله ويرى فيهم تضحياتهم من اجل خير المجموع . .

26 /12 / 2011


(*) و ما يزيد تلك التقديرات ان القوات الأميركية تترك البلاد و لم تضمن الوضع الأمني قبل انسحابها كما وعد الجانب الأميركي . . رغم اعلان الصحف الأميركية و البريطانية ان الإنسحاب يجري بسرعة في محاولة لايجاد حلول للازمات الإقتصادية و السياسية الداخلية، و للتخفيف من روح العداء التي تصاعدت ضدها ـ ضد الولايات المتحدة ـ في المنطقة منذ اعلانها احتلال العراق . .


 

 

 

free web counter