| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الأحد 25/4/ 2010



هل تحقق الإنتخابات ما عجز عنه العنف ؟
(2-2)

د. مهند البراك

مسيرة آلام طيلة السنوات السبع . . و مخاضات، تترك تأثيراً واضحاً على محاولات و صراعات تشكيل الحكومة الجديدة، و التي قد لن تنتهي بالسرعة المرجوة، رغم اعلان نتائج الإنتخابات. و رغم تقديم اعتراضات و طعون على ثغراتها و آليات اجرائها، الاّ ان مقدّميها لم يقللوا من اهمية الإنتخابات و جدواها، على حد تعبير كل الأطراف المشاركة . .

حيث ترى اطراف انه في ظروف العراق المؤسفة و الإحتلال و التهديدات المتنوعة التي لاتنقطع ان الإنتخابات هي احدى الآليات لبناء دولة المؤسسات، وليس كلها . . رغم الثغرات في قانون الأنتخابات و آليات اجرائها اصلا . . لأنها لاتزال تشكّل بداية لآلية التبادل السلمي للسلطة بعد عقود الدكتاتورية، على حد وصفهم، و ترى اطراف أخرى انها ان كانت آلية بداية، فإنها لن تسير على الطريق الصحيح ان لم تفتح ابواب النقد و تأخذ بها ! لتتطوّر و تسير على خُطى تحقيق التقدم الإجتماعي، و الاّ فإنها لن تكون اكثر من تمثيلية . .

لقد اثبتت المسيرة الماضية، ان العنف لايمكنه ازالة او الغاء دور مكوّن ما، وخاصة من المكوّنات الثلاث الأساسية ـ على حد وصف المحاصصة ـ رغم انه تسبب بخسائر كبيرة في وجود و دور المكوّنات الأصغر، اثر عمليات الإغتيال و التهجير و التهديد التي طالت تلك المكونات .. من مسيحيين، صابئة و ايزيدية و غيرها من التي لم تنل حقوقها المشروعة كاملة كمكوّن كالكورد الفيلية. و قد اثبتت نتائجه المؤلمة من جديد ان جذور الوطنية العراقية لمكونات العراق ليس من السهولة اقتلاعها . . رغم العنف و الإرهاب و الزيف .

بل ادّت نتائج العنف الى . . تزايد صرخات و مناشدات و دعوات الى اعادة الإعتبار للروح و للشخصية الوطنية العراقية، و ناشدت العالم الوقوف معها ضد استرخاصها و تحطيمها . . حتى وجدت اوسع الأوساط العراقية، انه بدون العودة اليها في اية اعادة بناء ، لن تتحسن الأوضاع . .

و صارت الحاجة اليها تدفع الناس و باصوات عالية الى قبول اي كيان او شخصية عراقية سواء كانت عربية، كوردية، تركمانية، مسلمة او مسيحية، مدنية او علمانية . . تستطيع تحقيق الأمن و الحياة الطبيعية و بالتالي الرفاه، اسوة بكل دول العالم، بشرط العمل بالأنتماء الوطني لإعادة الروح للتآخي وللأخوة الكفاحية، ضد الظلم و الفساد و النهب . . في ظل عراق برلماني فدرالي موحد.

وتتصاعد الدعوة لرفض المحاصصة، او للتقيّد بروحها كمرشد و عند الحاجة لا اكثر، و الى اعتماد الكفاءة و النزاهة كبديل لحلول العنف. حيث ان لعبت المحاصصة دورا اولياً مفيدا بنظر البعض، الاّ ان الغرق فيها حرفياً طول المسيرة الماضية، صار عائقا حقيقياً يشهد عليه واقع البلاد الجاري اليوم.

و صار الأمل بالخروج من طوقها، هو " الأمل " الذي تدفع له حاجات الجماهير الشعبية و عموم البلاد الآن وتنتظر الحل، و ليس البحث عن وجوه جديدة "كمرشحي تسوية" بين القوى الكبيرة، لتقوية الأمل ؟! كما تدور احاديث الآن عن ضرورته، مع التقدير للجهود .

و ترى اوساط مطّلعة، ان التوافق لن يكون توافقاً حقيقياً ما لم يتحوّل الى واقع يومي معاش، يحل المعضلات اليومية لمواطني كل المكوّنات . . و ان يرتكز على الروح الوطنية و الدعوة للتعايش معاً و على تحقيق انجازات ملموسة بهما للمكونات العراقية بلا تمييز، و يحقق بذلك مناخاً للثقة و التفاهم، و ان يكون قائماُ على اساس الكفاءة والنزاهة بالدرجة الأولى وليس الانتماء إلى هذه الكتلة و الطائفة أو تلك . . و على اساس الالتزام بمبدأ "لا إكراه في الدين"، و على خطى التقارب الأخير بين الحوزة العلمية في النجف و الأزهر .

و فيما اسفرت الإنتخابات عن فوز اربع قوائم كبيرة، و عجز اية قائمة واحدة منها على الإنفراد بتشكيل الحكومة القادمة، و عن زيارات متبادلة لممثلي تلك القوائم في محاولاتهم للإتفاق على توزيع السلطات . . يرى قسم ان ذلك ان لم يجرِ لإرضاء ناخبيهم، فإنه يجري لأنهم مجبورون عليه بحكم القوانين المعمول بها الآن و بحكم المعاهدات الدولية، حتى لو صارت السياسة لدى البعض تجارة ؟! . . ويرى قسم آخر انه لكل ذلك، و لكن الأهم انه يجري لتحقيق امن و استقرار، يريده و يحتاجه الشعب بالوان طيفه من جهة، و تنشده كل القوى المخلصة للبلاد و سيادتها، وكل المصالح التي تريد الإستثمار في البلاد، و التي تحتاجها البلاد الآن . . من جهة اخرى .

في وقت يرى فيه كثيرون، ان " التوافق " لايزال يُعمل به كاداة لتعايش تطرّفِ طَرَفٍ مع او مقابل تطرف طرف ثانٍ، و تعايش عنف مع عنف . . تحت مظلة احتلال و قلق من احتمالات احتلال جديد، و امام شبح متزايد لصدام اميركي ـ ايراني، او اسرائيلي ـ ايراني . . على ارض العراق.

ويرون الآن و مجدداً . . ضرورة ان يكون " التوافق " الآتي توافقاً و اتفاقاً جماعياً وطنياً من مستوى اعلى من السابق، لا يعتمد العنف لحل المشاكل بين اطرافه، وانما يعتمده للرد و لمواجهة عنف عدو يستهدف اطرافه جميعاً . توافقاً من شأنه أن يؤمن دعماً شعبياً له في مواجهة المخاطر، على طريق تأسيس دولة مدنية عصرية بعيدة عن نزعات العنف والإرهاب، او مسرحاً لهما.

توافقاً يستدعي دور العلم و العلمانية و الثقافة و الأدب و الفن . . في المسيرة التي طغت عليها المحاصصة الدينية الطائفية فقط . . توافقاً يناضل ضد اخطار الفردية و بروز دكتاتورية من نوع جديد، و يتطلب صدور قانون الأحزاب ـ اضافة الى قوانين حرية الصحافة و حقوق المرأة ـ . . لتحديد دور الأحزاب الفاعلة ايجاباً في حياة البلاد سواء داخل او خارج البرلمان .. على اساس دورها في معارضة و اسقاط الدكتاتورية، و السائرة على نهجها المنحاز لقضية الشعب . . و الاّ فإن مخاطر دوران الأرهاب و الفوضى من دوائر تريد تحقيق اهدافها الأنانية، قد لايمكن كبحهما .



25 / 4 / 2010
 


 



 

free web counter