| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الأثنين 25 / 2 / 2008



وداعاً ابو علي !

د. مهند البراك

اثار الرحيل المفاجئ والمؤلم للمناضل " ابو علي " الكثير من المشاعر المختلطة التي تثيرها ايام صعبة جميلة عشناها، و المشاعر التي تطلقها احزان الموقف، ومشاعر عدم التقاءنا منذ سنين بعد ان فرّقتنا الآلام والغربة . .
كان لقاؤنا الأول في طبابتنا في نوزنك في احد وديان جبل " مامنده " العتيد عام 1980 . . حين قدم مع المناضل " ابو باز " بمفرزة كانت الأولى التي بشّرت بنجاح اول اتصال مفارز بين قاعدة انصارنا الأولى في بهدنان وقاعدتنا في نوزنك، رغم صعوبات ومحن تلك السنين . . و رغم الثلوج الكثيرة التي تساقطت ذلك الشتاء .
كان رجلاً في اواسط العمر مديد القامة، وسيماً رياضيا نشيط الحركات نظيفاً وانيق المظهر . . ذا تعابير دافئة وهو يرافق نصيراً ملتحقاً جديداً كان يعاني من حالة تعب شديد رافقت اصابته بالتهاب قصبات حاد كان يشكو منه . . حين تبادلنا التحايا والكلمات الطيبة المشجعة والأخبار بعد ان عملنا شاياً احتفاءاً بالمناسبة . .
و التقينا شتاء 81 / 1982 في مقر الفوج الخامس / اربيل في بدايات تشكيله، بعد عودته اليه اثر معركة " سي كاني " التي رغم آلامها وحداثة التجربة . . كان يسود الموقع جوّ جديد منعش اثاره شباب متحمس وبالأخص من الناصرية والبصرة ومن مدينة الثورة في بغداد . . فكانت النقاشات حارة ملتهبة، تطمح الى التطوير، والى رفع الفعالية و العمل على زيادة تحديّ الدكتاتورية ومن اجل بناء مواجهة ناجحة لها، والتي كان فيها من المشجّعين والبارزين، وبرز لقبه " الشايب " فيها توقيراً واحتراماً لأنه كان بسيط التعامل حميمه ومباشره مع الشباب .
" سي كاني " . . التي لمست لمس اليد بعدئذ ماذا كانت تعني لعموم الحركة، منذ اواخر عام 1981 حين رفعت رأس البيشمركةالأنصار عالياً وحسمت موقف الحزب الشيوعي المعارض والمعادي لدكتاتورية صدام امام الجماهير وبأعينها في مناطق اربيل آنذاك . . حين كنا في مفرزة متعددة الأهداف مع ملازم خضر في 1983 الى مناطق دشت اربيل وفي قرى ؛ نيرجين، سي كاني، سي كردكان، برده سبي، سماقة . . والى باغمرة و بستانه عند مدينة اربيل.
والتقيت بـ " ابو علي " في " آراسن " حيث كان مقر الفوج الخامس عند الأطراف الجنوبية لجبلي " هندرين" و " كاروخ " عندما عاد محمولاً مع مفرزة من سريّة اربيل آنذاك وكان برفقته آمر السرية عباس ابن دشت اربيل، الذي كان حريصاً على مرافقته والعناية به حتى وصوله الى مقر الفوج الخامس الذي كان هناك . . بعد ان سقط عند عبور جبل " هه وري " . . فاقداً الوعي من الأرهاق والضعف .
حين وجدت انه كان مصاباً بالتهاب شديد في كلّ الفم . . اللثة واللسان وسقف الفم وكانت حرارته مرتفعة بشكل غير معقول، بعد ان كان السبب الأولي، التهاب اسنانه الذي لم يبح به لأنه كان مصمماً على النزول مع سريته باعتباره معاون آمرها . . و بعد ان عالجته بما توفّر لدينا آنذاك وبعد ان شعر بتحسن افضل . . ارسلناه الى طبابة بشت ئاشان حيث الأمكانات الطبية افضل وحيث د. ابو ظفر والمساعدات والمساعدين الطبيين الكفوئين .
كان واسع الخبرة الحياتية والنضالية والخبرة الشعبية منها بالخصوص، وكان من القلائل الذين استطاعوا بسهولة التفاعل مع العشائر ومع ابناء القرى الكوردية، بمعرفته الجيدة بالتقاليد الأجتماعية وبكثير من البواطن والخبايا . . وبقدر ما لم ينحصر تفكيره بالتضحية فقط وانما كان يفكّر ويحسب ماهية مستلزمات تحقيق نصر على الطريق . . كان يرى مابين الكلمات والسطور ويقارنها بالواقع، ولم يتخندق بالمصطلحات . .
ومثلما كان صديقاً واخاً كبيراً حنوناً، حاول ان ينقل كلّ ما يوسّع آفاق تفكير الأنصار بتقديره في وقت انحصرت فيه الغالبية الكبيرة في اطار المهام اليومية في واقع صعب مرير شبه منعزل . . كان صريحاً مباشراً ولم يكن مداهناً ولامتملقاً، الأمر الذي لم يرتح له عدد من المسؤولين آنذاك. كان مرحاً صاخباً . . اجاد اخفاء آلامه واحزانه، ولم يكن مدّعياً .
كان " ابو علي " وجهاً محبوباً ومؤثراً في عائلته ليست الصغيرة فقط بل والكبيرة . . سواء في مدينة الثورة ـ جوادر، او في ارياف العمارة . . ثم بين الأنصار من كلّ الأطياف العراقية القومية و العرقية والدينية . . الذين احبوه واحبهم كأخوانه وابنائه .
واخيراً يا " ابو علي " تقبّل اعتذاري ان عجز قلمي على التعبير، فقد صحّ من قال ان الكلام بذكرك لايوفي . . اليك يا ايها العائش عميقاً في ضمير من ناضل وعاش معك في خنادق الشعب المضيّع والمكبّل ومن اجل حقه بالحياة وبالسعادة ! اليك كلماتي هذه على قدر ما استطيع في هذا المصاب الذي هو مصابنا جميعاً !!

23 / 2 / 2008
 


 

Counters