| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الأربعاء 24/11/ 2010



" سيدة النجاة " . . انهم يقتلون روحنا الحيّة !
(2)

د. مهند البراك

وفيما لاتخفى المخاطر و التعقيدات الكبرى للوضع في البلاد سياسياً و امنياً، جغرافياً واقتصادياً و انثروبولوجياً . . فإن الخللات الأمنية تشكّل عاملا هاماً مناسباً لتحرّك القوى الظلامية والإستغلالية، الداخلية و الخارجية وتخادمهما وتناغمهما . . اضافة الى تحرّك القوى الساعية لبسط نفوذها على العراق و المنطقة بالتعاون مع اطراف داخلية متنوعة الإتجاهات و المصالح . . و مناسباً بالتالي لإحياء مشاريع ستراتيجية موضوعة سابقاً، لم يتسنى لها تنفيذها بحكم قوة تنافس و صراع القطبين العالميين . . في المرحلة السابقة.
و اخذ يناسبها مجدداً في وضع خطط احدث لتنفيذ ما تريد بمخططات متنوعة معلنة و سريّة لدوائر اوروبية ـ اميركية، آسيوية واسرائيلية و اقليمية متنوعة في بلد هائل الثروات . . و وجدت فرصتها للتغلغل في المنظمات المتطرفة واستغلالها احسن استغلال لتنفيذ ما تريده من خلال اثارة الفوضى الدينية و الطائفية و الاثنية، موظفة لذلك سهولة الإيقاع بافراد و مجموعات من اوساط جاهلة متطرفة يعجّ بها المجتمع العراقي و المنطقة، كالأوساط المسيسة بخرافة (ان المجاهدين الأفغان هم الذين اسقطوا دولة السوفيت و سيسقطون الولايات المتحدة ايضاً)، دون وعي بما ستقود اليه اعمالهم من نتائج وخيمة عليهم هم ايضا في القريب.
و يرى خبراء ان نفوذ و قوة الدوائر العاملة على تلك الخطط و المشاريع الكبرى، كمؤتمرات ممثلي كبريات الإحتكارات الصناعية و احتكارات السلاح و الطاقة، مؤتمرات الحركة الصهيونية العالمية و كبريات بيوت المال الدولية . . المتعددة الجنسيات، التي يشارك فيها ايضاً ممثلون لمشاريع و معاهد و بيوت مال عربية و اسلامية و شرق اوسطية، ومن كل الديانات اسلامية كانت ام مسيحية او يهودية و غيرها، الناشطة في عقد انواع المؤتمرات الدولية و الإقليمية، سياسية، اقتصادية، ثقافية و آيديولوجية و اجتماعية و دينية و اعلامية . . و تحت تصرفها ملايين فلكية من العملات الصعبة، و اعداد هائلة من الفرق المسلحة متنوعة الصنوف، اضافة الى الجيوش النظامية .
لرسم و تنفيذ الخطط الجديدة للإستثمار و الهيمنة على الطريقة الإمبريالية المتوحشة، وفق رؤى و طروحات المحافظين الجدد، في عالم شبه الأحادي القطبية . . لأبراز و تصعيد النزاعات الإقليمية و تصعيد الدفع بالفكر و بالآيديولوجيات الدينية و الطائفية، للتغطية على تصاعد عمليات الإستغلال الذي يزداد تنوعاً في ظروف العولمة . . ساعية الى تحويل الديانات و المذاهب الى وسائل تدرّ ملايين الدولارات والعملات الصعبة للبيوتات الكبيرة .
اضافة الى ما يفعله دخول صراع تلك الدوائر الكبرى بينها، على ارض البلاد و المنطقة، كصراع بين اجنحة معتدلة واجنحة أكثر تطرفاً و اكثر عسكرية و عنفاً، من العاملة على تأجيج الصراع الديني باعتبارها ان الصراع في العالم يتمحور على صراع الأديان و الحضارات . . و تعمل على تفريغ بلدان منطقة الشرق الأوسط من اهلها من المسيحيين بأنواعهم ـ ضمنهم الأرمن ـ و من اهل الأديان التأريخية و القديمة، كالصابئة المندائيين و اليزيدية . . بخلق و تصعيد فتن و اعمال ضدّهم تضطرهم الى الهجرة في برنامج تهجير مبرمج له بعناية فائقة من قبل منظمات مُعَدة له، مرحلياً و ستراتيجاً بما يخدم امنها القومي و اهدافها في الهيمنة . . الذي يبدو اكثر وضوحاً في البلدان العربية ذات التنوع الديني و ذات الثقافة و التأثير . . كالعراق ولبنان ومصر لجعلها خالية من ذلك التنوع المتفاعل، الذي يشكّل روحها الحية و فعّالية تأثيرها . .
و تسعى بالتالي فيما تسعى . . الى جعل هذه البلدان مصدرا للتخلف و للفكر الرجعي و ابقاءها كدول معادية للحضارة الغربية و مصدرا للارهاب المتناغم مع مصالحها، وبالتالي لابد من ( ابقاءها تحت الهيمنة بعد ضمان مصالحها فيها) بكافة اشكالها المباشرة وغير المباشرة لمنع اي تهديد او ارهاب منها للدول الغربية من ناحية، و للفصل بين الأديان من ناحية اخرى . . كل دين في منطقة جغرافية، لتسهيل تأجيج صراعات اكثر بينها ، و تحقيق وضمان ارباح جديدة من الوسائل و الآليات الجديدة ان حصلت، بمنظورها . و ترى اجنحة متطرفة اخرى ان بقائهم في موطنهم افضل لها من خروجهم منه، لتكون معاناتهم حجة دائمة بيدها للتدخل بمواطنهم . . كلّما حرّكوا بتوقيت يناسبهم اعمال العنف ضدّ المسيحيين من متطرفين هناك .
و يصنّف تقدميون عراقيون و عرب و شرق اوسطيون ان من بين تلك المشروعات . . ما اعلن كـ " الشرق الأوسط الكبير " . . ثم " مشروع الأندلس المقلوب " (1) الذي اخذت تتناقله وكالات انباء عربية و دولية اثر مجزرة كنيسة " سيدة النجاة " و الذي يطرحه بتفاصيل كتاب شيمون بيريز " الشرق الأوسط الجديد " الصادر بالإنكليزية عام 1993 ، و يرى فيه متابعون بكونه احد (الصيغ الإقتصادية)، لقيام شرق اوسط جديد بمنظور دوائر تروّج له و تسعى للهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط . . ولكن ليس لتعايشها فيه مع دول المنطقة العربية والإسلامية.
وقد اطلق عليه عدد من السياسيين البريطانيين اسم (الكومنولث اليهودي)، لكونه يقوم على اساس قيام نواة لـ (شراكة اسلامية ـ يهودية) على حد بيانه، وليس عربية ـ اسرائيلية. و الذي اضافة الى مخاطره المتنوعة كرؤية لحكم المنطقة، سيتضرر من تطبيقه ابناؤها المسيحيون باختلاف انتماءاتهم بتقدير اوساط ستراتيجية ـ رغم انهم لعبوا و يلعبون ادواراً حيّة في بناء ثقافة و علوم و آداب و شخصية و كينونة ابناء الشرق الأوسط ـ ، مستندة في ذلك الى : ان تناقص عدد مسيحيي العراق الى النصف منذ الغزو الأميركي و سقوط الدكتاتورية عام 2003 و الى الآن، يشكّل جوّاً مناسباً للمضي بذلك المشروع (2) . .
من جهة أخرى يحذّر مراقبون علميون، من ان هناك نشاط لدوائر و (محافل) متطرفة مؤثرة في صنع القرار الأميركي تعمل على مدى ستراتيجي متوسط الى بعيد . . لجعل الولايات المتحدة (مركز اشعاع الحضارة العالمية الجديدة)، ساعية في ذلك الى الإستحواذ و الى احتكار علوم و معارف الحضارات القديمة و خاصة حضارات الشرق الأوسط، كمنبع للفكر و الأديان الأكثر انتشاراً في العالم و منبع القوانين و اسسها، و تبويب الحقوق و الواجبات الإنسانية السارية الى اليوم . . التي تشكّل الروح الحيّة للحداثة و النداء الأقوى للحياة الجديدة و للحرية و التمدن . .
عاملة على سلب المنطقة من تلك الروح الوثّابة الساعية الى التجديد و الى الإبتكار. . باجبار اهل الثقافة و المعرفة و الفنون و الأداب و العلوم فيها، الى تركها و الهجرة باتجاهها، ولإدامة و زيادة الفارق الحضاري بين الشرق الأوسط و العالم الصناعي و المتمدن، وادامته كسوق لمنتجاتها المتنوعة، التي يخيّم حولها شبح الكساد . حيث يشاهد المرء في الولايات المتحدة اليوم احدث و اكبر مراكز و معاهد البحوث الآثارية و التراثية و الحضارية و الدينية، و المعاهد التي تعني بآليات الإستفادة منها و توظيفها في حياة اليوم، بعد ان صارت المعاهد الأوربية المماثلة، شبه تابعة لها.
فيما ترى اوساط اخرى ان تضرر مسيحيي المنطقة بفعل اعمال المتطرفين الإسلاميين و اندفاع اوساط متدنية الوعي فيها . . سيساعد دوائر اميركية على زيادة زج دول اوروبا في مشاريع الإحتكارات الأميركية ـ او التي لها فيها حصة الأسد ـ من خلال إثارة و كسب تعاطف الشارع الأوروبي لتبرير ضرائب جديدة يتطلبها ذلك الزّج، كجزء هام من المساعي الرامية الى تخفيف الضغط الإقتصادي و العسكري على الولايات المتحدة الأميركية، من خلال زيادة تمويل الإحتكارات الأوروبية للمشاريع العسكرية و الإقتصادية في المنطقة ، التي يدفع بها صقور المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية ـ والتي يستفيد منها ايضاً مشروع بيرز آنف الذكر ـ . . من جهة.
ومن جهة اخرى يرى مراقبون متخصصون ان كل ذلك قد يزيد من تكبيل دول المنطقة، من خلال ماسيُفرض عليها من مساهمات كبرى في تمويل المشروعات تلك ـ او اية مشروعات انمائية جادة ـ . . . مقابل مساعدة الدوائر الكبرى تلك على مكافحة ارهاب (الإسلام السياسي) الذي تستدعي مواجهته تحقيق توازن توظفه تلك الدوائر لمجيئ و ابقاء قوى حاكمة او متنفذة، يعمل بقاؤها و تدويره في انظمة الحكم في اطار العمل لتحقيق تلك المهام، مستفيدة من تواصل ذلك الإرهاب، و بالتالي من تواصل حالات الطوارئ و القوانين الأستثنائية، وافراغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي .
و كما يجري في العراق حتى الآن و رغم جهود مخلصة . . بتأثير الصراع الدموي الجاري بين ارادات متنوعة اكبر لاتبالي بمصير و حق شعبه باطيافه القومية والدينية و المذهبية، في عيش آمن كريم بعد سقوط الدكتاتورية . . العراق الذي يدفع تضحيات جسيمة لأهميته القصوى لإستقرار و ازدهار عموم المنطقة . . بعد ان صار في ظروف الزمان و المكان، مركز التغيير في الشرق الأوسط، كما كان قد دعى اليه و وصفه السياسي البريطاني المعروف هارولد ماكميلان (3) في مذكراته الصادرة في مطلع الثمانينات، من اجل تحقيق استقرار للمصالح الغربية في المنطقة على حد تعبيره . . الاّ انه صار في الظروف الحالية، ساحة تتصادم فيها كل القوى الفاعلة في المنطقة، دولياً واقليمياً .

(يتبع)

 

24 / 11 / 2010


1. و هو من ضمن المشاريع المتنوعة التي ناقشتها مؤتمرات " الشرق أوسطية " و المؤتمرات و الفعاليات المتنوعة العائدة لها ـ اقتصادية، ثقافية، سياسية وغيرها ـ و التي ابتدأها مؤتمر مدريد عام 1991 برعاية الملك خوان كارلوس اثر التبشير بهبوب رياح (الديمقراطية الجديدة) على العالم، و لوضع رؤى جديدة لما ستكون عليه منطقة الشرق الأوسط، وعقدت مؤتمرات لاحقة لها في الدار البيضاء، عمّان، الدوحة وغيرها، وشاركت فيها دول عربية و اوربية و آسيوية متعددة و اسرائيل و تركيا . .
2. لكونه مشروعاً قائماً على اساس ديني طائفي ابتداءً، يفتت طاقات المنطقة و يسلبها روحها ويحيلها الى ساحة صراعات دموية لاتنتهي، قد تدفع الى نشوء كيانات طائفية اسلامية، و كيانات مسيحية او دولة مسيحية، كما خططت دوائر اسرائيلية لدولة لبنان في الثمانينات و فشلت، فعملت على انشاء كيان انطوان لحد بميليشيات جيش لبنان الجنوبي في جنوب لبنان، الذي انتهى ايضاً بانسحاب اسرائيل من جنوب لبنان .. حيث لم تؤديّ تلك المشاريع الاّ الى زيادة الفرقة و التعصب و العنف الذي لاينقطع . .
3. رئيس وزراء بريطانيا للفترة يناير كانون 1957 ـ اكتوبر 1963 ، الذي عاصر ثورة 14 تموز 1958 و انقلاب شباط الدموي عام 1963 ضدها في العراق ، حين لعبت الحكومة البريطانية برئاسته ادواراً هامة في مواجهة ثورة 14 تموز و التخطيط وتنفيذ الأنقلاب المذكور عليها.
 


" سيدة النجاة " . . انهم يقتلون روحنا الحيّة ! (1)

 

free web counter