| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                                                    الأحد 23/9/ 2012



الحكومة و الدولة المدنية، الى اين ؟

د. مهند البراك           

لايزال شائعاً ان انتقال السلطة من العسكر الى المدنيين، يعني ان الحكم و الدولة صارا مدنيين ، و تغذيّ ذلك اوساط تحاول تبسيط المفاهيم و توظف الجهل الشائع، لنشرها . . حتى اعتبر قسم ان الحكم في مصر مثلاً، صار حكماً مدنياً بعد ان قطع الرئيس المصري المدني الجديد مرسي، الطريق على عودة العسكريين للحكم بـ (قطعه) الطريق امام المجلس العسكري . . !

                 فيما يتفق القانونيون و السياسيون في بلدان العالم المتحضر، بأن نظام الحكم و الحكومة المدنية هي حكومة تأتي عن طريق انتخابات بنزاهة يعترف بها، وفق دستور و قوانين انتخابات و احزاب و محكمة عليا . . و ان تتبارى الاحزاب لكسب الناس بمطالب و صيغ مفهومة و مقبولة، تأخذ طريقها الى التطبيق الفعلي ان فاز الحزب او التجمع المعني و تشعر الجماهير بفائدتها و تحقق لها حرية و رفاهاً افضل .

و في البلدان التي قامت على الاسس المدنية . . تركّز الاحزاب فيها و تتبارى في الانتخابات على المطالب الحياتية الآنية و بلغة الجماهير الشعبية، اكثر من مباراتها على تنظيراتها و اهدافها الستراتيجية البعيدة او عقائدها المقدسة . . على اساس دستور و قوانين تقدمية صالحة للتطبيق من وجهة مدى استفادة الغالبية الساحقة من الشعب منها، قوانين يمكن الالزام بتنفيذها بتوافق القوى الفاعلة في المجتمع و ليس المتنفذة منها فقط . . او الساعية لإن تتنفذ و بالتالي لإن تحكم لوحدها، الامر الذي لايمكن الاّ ان يؤديّ في النتيجة  الى قيام دكتاتورية تحكم بالعنف (*)، و خاصة في بلد متنوّع التكوينات القومية و الدينية و المذهبية و الفكرية و الثقافية، كعراقنا . .  

و اذا كان هناك من يرى ان العسكريين يحكمون باساليب عسكرية و ينفردون بالحكم، لانهم يحملون عقلية و ثقافة عسكرية، و لأنهم خاطروا بانفسهم ـ مهما كانت القوى الساندة لهم ـ لإنجاح انقلاباتهم العسكرية . . فان المدنيين الذين يأتون عن طريق انتخابات تشريعية عامة لايمكن بأي حال تبرير لجوئهم الى العنف و الى القوانين العسكرية و قوانين الطوارئ، التي يبقى خطر الرجوع اليها قائماً لأن البلاد حُكمت و لعقود طويلة بالاحكام العسكرية و تكوّنت في البلاد (ثقافة و عقلية العنف) و استمرت، و لأن الرئيس المدني ـ عندنا رئيس الوزراء ـ هو القائد العام للقوات المسلحة . .      

                 فالدكتاتور صدام لبس بدلة الجنرالية دون تأهيل عسكري و بتوقيت اعدّ له، و البس اعضاء (مجلس الثورة) البزّات النظامية لذلك بتوقيت تلاه، و حكم حكما عسكريا ارهابياً، الأمر الذي يزداد خطر تكراره مجدداً في بلادنا اثر اعادة العديد من ضباط المؤسسة العسكرية الصدامية، بما فيهم كبار الضباط و القادة، الى القوات المسلحة، اضافة الى تزايد نفوذ كبار الفرسان (الجاش) في مناطق كوردستانية . .

و يرى محللون بأنه يمكن لأي مدني يحمل صفة قائد عام لقوات مسلحة ان يفعل مافعله صدام، في بلد من بلدان العالم النامي، من التي حكمها عسكريون او دكتاتوريون، و خاصة البلدان التي لم تتبلور فيها الطبقات و الفئات الوسطى، او اعيق نضوجها او حوربت، و حوربت فيها الثقافة و الرأي الآخر . . او بنيت على اساس الدولة الريعية التي لاتعمل فيها الدورة الانتاجية الطبيعية، لأسباب متنوعة . .

                 و يرون ان الدولة المدنية لاتتأسس او تشاد بالعنف، و انما على اساس دستور مصوّت عليه  و معمول به، و حكومة تأتي عن طريق انتخابات، قوانينها و آلياتها تكرّس الحقوق و الواجبات المنصوص عليها دستورياً . . و تحمي تساوي المكونات الاصغر مع الاكبر، المكونات الاصغر التي لايمكن ان تنال حقوقها المشروعة الاّ بالديمقراطية لعموم البلاد . . دولة تحمي حقوق الكتل الصغيرة، فالجديد يأتي في العادة بداية من الأقلية لأسباب كثيرة لايتسع لها المقال ـ و خاصة في البلدان النامية ـ . . و قد شهدت بلداننا كيف حمل الجديد اقلية في بادئ الامر لتكبر و تطغي ان نالت تأييد الفئات الواسعة المسحوقة برجالها و نسائها، لتبنيّها مطالبها و النضال من اجلها .

و فيما يؤكد متخصصون على اهمية ابعاد الجيش عن فض النزاعات الداخلية و تفرغه لحماية البلاد و حدودها، فانهم يحذرون من مخاطر الاجهزة الخاصة التي قد تتكون عفويّاً ـ ان لم يكن مخططاً لها ـ ، بفعل التسرع في تلبية الحاجات او انعدام الثقة بالمؤسسات الدستورية و بالقوى الاخرى، لتقع تلك (الحكومة المدنية) في فخّ التطرف و لتولّد بذلك تطرفاً مضادّاً . . لايؤدي الصراع بينهما الاّ الى العودة الى الحكم العسكري و الى العودة الى دكتاتورية من نوع جديد .

                 و يتفق الباحثون على ان الدولة المدنية تصون و تدافع عن الحقوق و الحريات المدنية العامة التي تشمل حرية الرأي و المعتقد الديني و المذهبي، حرية النشر و التأليف و التعبير عن الافكار و حرية الكتاب و المطبوع و بيعه و اقتنائه اضافة الى حرية النشر في الانترنت بقوانين تثبّت و تنظّم كل ذلك وفق دستور البلاد المصوّت عليه . . لا كما جرى من هجوم على " شارع المتنبي " ملتقى الكتاب و الثقافة في بغداد طيلة اجيال بحجة ( النظافة ) و كأن العاصمة تزهو بنظافتها !! او بمهاجمة منظمات المجتمع المدني و النوادي الاجتماعية و الاعتداء على حضورها بمجاميع منظّمة يدور الحديث عن ارتباطها بمكتب رئيس الوزراء !!

من ناحية اخرى، تكتسب في الدولة المدنية حرية ابداء الرأي و الصحافة و الاحتجاج و التظاهر السلمي اهمية كبرى يفترض بالحكومة المدنية ان تشجّعها، لإنها تخدمها من خلال توفير وجهات نظر و الإشارة الى مطالب قد فاتت عليها، لايوفرها نفعيون و انتهازيون و فاسدون يتراكضون لخدمة اية حكومة ليحتلوا بسرعة مناصب هامة فيها  . . لتعمل على التعرف على وجهات النظر تلك من جهة، و لتأخذ الجاد و الهام منها، و تعمل على تطبيقه من جهة اخرى، كي تواصل بنجاح مهماتها التي انتخبت من اجلها . . و من اجل تحقيق الحاجات الملحة و المساوات و حق العمل بغض النظر عن الانتماء الديني و المذهبي و القومي و الفكري و الجنسي، على اساس الاخوّة الانسانية و الانتماء للوطن، كما في الدول المتمدنة . .

 

22 / 9 / 2012

 

(*) و يقصد هنا بالعنف ليس القوات المسلحة النظامية فقط، و انما بمفهومه الواسع باستخدام اجهزة الامن السرية و الميليشيات و الاجهزة المدنية الخاصة، و انواع التهديدات . . من التهديد بالقتل الى تهديد جهات رسمية بفتح ملفات . .

 

free web counter