| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الجمعة 22 / 2 / 2008



الديمقراطية السياسية والمحاصصة الطائفية !
(1-2)

د. مهند البراك

تدور في عالم اليوم نقاشات مستفيضة ومستعرة عن ماهية الديمقراطية وعن ماهية ركائزها وآلياتها وشروطها، وعن كيفية تجليّها وهل يمكن قياسها وكيف ؟ وهل هي مفهوم اوروبي او اميركي، وهل مايصلح للغرب العلماني يمكن ان يصلح للشرق باديانه وطوائفه ومُثله واساطيره و سحر سهوله الخضر و جباله الشاهقة وصحاريه الشاسعة وبواديه و . . ، وكيف ؟
ويرى العديد من المفكرين وعلماء الأجتماع والأقتصاد والسياسة، بأن الديمقراطية اضافة الى كونها ثقافة وخلق وتربية وفلسفة تهدف الأصلاح، فأنها آلية للحكم، وليس للعبادة والمعتقد باعتبارهما امران يعودان للذات وللنفس البشرية . . آلية مهّدت لها تجارب حضارات ودول سادت وافلت لنواقص في تكوينها ذاتها او بسبب عدو خارجي تمكّن منها لذلك او بسبب كوارث طبيعية، و حضارات ودول اخرى عاشت وتعيش بآليات وتلاقح وتغيّر وتفاعل يزداد تنوعاً.
ويرون بأنه اذا ما اريد التعرف على ظروف نشوء الديمقراطية وتطورها الحديث في الغرب وكيف صارت عاملاً رئيسياً في نهوضه ثم اشعاعه ثم تفوّقه، فلا بد من التأكيد على ان الديمقراطية انبثقت كحلول توافقية في الواقع لمؤسسات مجتمعية لتلبية متطلبات حاجات وضرورات انجاح التحولات الأجتماعية، بعد ان لم يكن هناك مفراًّ ـ او اريد لها ان تجري كذلك ـ تحت حدود سقف جرى تحديده من اجل تحقيق رفاه وازدهار اكبر لعموم المجتمع من خلال تحفيز قواه المنتجة لحياة افضل ولمواجهة التحديات، بعيدا عن الأستحواذ على السلطة لصالح فئة مجتمعية عمودية ( نقية الدم، طاهرة . . ؟؟ ) واحدة بعينها، عليها . . بعد مرارات عقود طويلة من حروب وغزوات سادت اوروبا، تحت رايات القومية والدين والطائفة .
وقد نشأت بعد سلسلة من اتفاقات وتوافقات، ثم قيام اتحادات محلية واقليمية بين القوى الأجتماعية الأقتصادية المنتجة للخيرات والرفاه، على اساس الأعتدال الذي كان ممكناً بعد ان تم قطع اشواط حضارية في الثقافة والمعرفة والتجربة. الأمر الذي ادىّ الى تكوينها بالتالي كتلاً في مجالس لدول، جمعت تلك الدول ووحدت مكوناتها نحو اهداف اعلى واوسع، من اجل زيادة رفاه المجموع ... كتلاً تمتعت كل منها بقدرات وامكانات ذاتية شكّلت سنداً قوياً لكل منها للدفاع عن مطالبها ولضمان تحقيقها . . قدرات وامكانات لم تأت هبة من احد وانما حققتها بنشاطها وبتاييد جماهيرها لها، والتي بواسطتها عملت على صياغة القوانين الجديدة.
وحيث ان الدولة تكونت لتنظيم حياة المواطنين وحماية حقوقهم فان واجباتها في ظل محيطها الداخلي والأقليمي والدولي استندت وتستند اساساً على تلبية المتطلبات : الأقتصادية بفروعها، السياسية والدبلوماسية، المالية والدخل ، العسكرية لتنظيم الدفاع عنها، وسائل حماية المواطن من الكوارث الطبيعية كالأمراض والأوبئة والفيضانات ونتائج البيئة وغيرها من ثوابت الحياة اليومية المتطورة ابداً ....
وبعبارة مختصرة كان عليها ان تقوم بضمان وتوفير وتحشيد طاقات البلاد لتنظيم حياتها ولمواجهة التحديات الشاخصة امامها والتي تتطلب كفاءات وعلوماً كان لابد لها ان تستقل عن دائرة المراجع الدينية والطوائفية، التي عليها الأنشغال والتفرّغ الى مجالات انسانية اخرى، حماية للدين وللطائفة والمعتقد .
وعلى ذلك ابتعدت انظمة الحكم عن اعتماد الطوائف بذاتها ولذاتها . . من اجل تحقيق السلم الأهلي الضروري للبناء، و دفعت الى الواجهة قضية ان جوهر اتباع المنهج والآليات الديمقراطية، يتلخص في السعي لتحقيق قناعات وثقة والفة بين فئات ومكونات المجتمع، من خلال ضمان حرية اختيار المكوّنات لممثليها في مجالس الأحياء والمدن، وفي البرلمان الذي عليه ان يعتمد الدستور الذي صوّت الشعب عليه وبالتالي على سير تعديلاته وعلى مؤسساته الرقابية .
فالديمقراطية وتنوّعها تقوم على اساس توافق برامج سياسية اقتصادية اجتماعية لقوى المجتمع الفاعلة، التوافق الذي يمكن التوصّل من خلاله الى صياغة برنامج حكومي يرمي الى رفاه المجتمع وتقدمه، ومن اجل خير المواطن بلاتمييز على اساس القومية او الدين او لون البشرة او الجنس البشري . . بل على اساس المواطنة، والأنتماء للوطن .
وبذلك فإن التاكيد على انه، لايمكن حكم البلاد الاّ بتعاون مكوناتها الطائفية والعرقية . . تعبير استثنائي لمعالجة ازمة وصراع مكونات عمودية، ازدادت استقطاباً بسبب الظلم الأجتماعي الذي تسببت به آلية الحكم الدكتاتوري المنهار واستمرا آلية لم تتغيّر كثيراً عنها، التي تسببت وتتسبب بانواع الحرمانات والخسارات البشرية والمادية والروحية لفئات مجتمعية واسعة عانت وتعاني من وطأتها . . و تعبير ضروري من اجل السير في التنفيذ العملي لبرنامج حكومي يُطمح له ويُعلن عنه .
في نفس الوقت يرى ويحذّر كثيرون من ان اعتماد نظام المحاصصة الطائفية ان كان ضرورياً في بداية بناء بديل للدكتاتورية المنهارة لتحقيق التلاقي والتفاعل وتكوين كيان لمواجهة الفتن . . فأن ذلك ان تواصل وترسّخ فانه قد يؤدي الى نتائج عكسية شاء المرء او ابى، حيث سيكون ان لم تكن اليقضة عالية، خاصة وان المسار كثير التذبذب . . سيكون هو المعيار وبالتالي المعيار الوحيد في اختيار رجال الحكم والدولة، لاالكفاءة والنزاهة والشعور بالمسؤولية .
من ناحية اخرى يرون، ان الأزمة الأساسية التي خلقتها الدكتاتورية كانت في جوهرها ازمة سياسية لسلطة دكتاتورية فردية اعتمدت الشوفينية والتعصب الديني والطائفي والعشائري العائلي، واعتمدت القمع والموت الجماعي اسلوباً للحكم. وبالتالي فان المراد هو حل نتائج ازمة سياسية على اساس توافق التيارات الفكرية السياسية الأقتصادية البديلة كما جرى ويجري في كل العالم، والا فان البلاد تتهدد بالمراوحة على حال في جوهره كحالها في زمان الدكتاتورية الذي قد يشبه العودة الى اعتماد منطق طلفاح في ( ثلاثة كان على الله ان لايخلقهم ... اليهود والفرس والذباب) العرقي الشوفيني ومنطق الفتن الذي اتبعه الدكتاتور في حكمه البغيض، بل ويمكن ان يكون اخطر لدخوله في التشريع . . و لضعف اليقظة في استخدام الأنتماء المذهبي وعدم وضعه في اطاره المناسب في مواجهة التحديات.
وفيما يحذّر قسم من ان الكتب السماوية قد يساء اليها ان الصقت بها امور الدنيا كحقوق وواجبات المواطن في حياته اليومية مثلاً، يرى قسم آخر بأن الهوية الطائفية لايمكن بحال ان تكون موَحّدة للمكونات لأنها تدعو لطائفتها شئنا ام ابينا، وهي في المفهوم الحديث لاتعالج الكهرباء والطاقة ولاتعالج البطالة والفقر والدعارة والأدمان، الا من منطق الكلمة الصالحة . . التي صار المتطرفون الطائفيون يستعيضون عنها بالمفخخات والتدمير الجماعي للمدنيين العزّل من كلّ الطوائف .
ومن ناحية اخرى، وبينما لاتشكّل الفروق بين هويات تكوين الأفراد وعقائدهم وموقفهم من الخلق برنامجاً سياسياً اقتصادياً، وانما تدعو الى ارشاد الناس والى توازنهم الشخصي والأجتماعي من الزوايا الأخلاقية والروحية وفق اجتهاداتها . . . فأن تكريس الطائفية بنظام المحاصصة الطائفية في الحكم قد يؤدي الى ان تكون الطائفية كما لو كانت انتماءاً اثنياً ثقافياً وفكرياً متكاملاً، قد يعيق بل سيعيق تطبيق مبدأ تداول السلطة و يؤدي بالتالي الى اقتصارها على حكم طائفة واحدة لأنها تملك الغالبية، حتى و لو كانت النسبية منها .
لقد طُرحت القضية الطائفية بعيد سنوات الحرب العالمية الأولى قبل حدود قرن من الزمان في بلاد كانت تعتمد الزراعة، وكانت تنوء من تخلفها وتشتتها ونزاعاتها المحلية من اجل الغلبة والسطوة والزعامة . . ولعبت دوراً كان لابدّ منه في تلك الظروف، لبلورة مواقف السكان المحليين بكل طوائفهم من مشروع تأسيس الدولة، واستمرت كوسيلة لمخاطبة وتحشيد اوسع القطاعات الشعبية في تلك العملية، التي تبلورت وانتجت دستور مدني يستند على مبدأ المواطنة في الحقوق والواجبات .
وعلى تلك الأسس تعايشت مكوّنات البلاد وتفاعلت، رغم اشتعال ازمات بين فترة واخرى بسبب مظالم واجحافات تسبب بها الحكم، او الأحداث العالمية والأقليمية، كما في المشاريع التي اعقبت نهاية الحرب العالمية الأولى بعقود، وبسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية وهبوب رياح التحرر واليقظة الوطنية والقومية، التي جوبهت من اوساط الحكم بالحديد والنار وبمحاولات تسعير الصراع بين الطوائف، التي من جانبها لم تستطع ان تكوّن مشاريع ومؤسسات اقتصادية اجتماعية طوائفية في البلاد كما حصل في عدد من البلدان، بسبب انتشار الوعي الوطني والقومي التحرري والطبقي، وبالتالي لغلبة المشروع السياسي في البلاد، الذي هو شأن من شؤونها الداخلية.
وعلى ذلك يتزايد القلق من ان المحاصصة الطائفية الآن، ووفق مجرى الأحداث لا تزيد الاّّ تكريس استغلال الهويات الطائفية وتأثيراتها التي سبق وان استُغلت استغلالاً بشعاً ومؤلماً من مراكز القوى الحاكمة علناً او الحاكمة سراًّ، للرد على التلاحم المديد لطوائف البلاد في معارك الخبز والحرية الذي حقق الكثير للطبقات والفئات المسحوقة . . للحفاظ على كرسيها !!

( يتبع )


22 / 2 / 2008



 


 

Counters