| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                      الجمعة 21/12/ 2012



 الاخوة العربية الكوردية اساس التحرر و التقدم . .
(1)

د. مهند البراك           

لا يختلف اي منصف اليوم على حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه بالشكل الذي يناسب تقدمه و من اجل حياة افضل في سلم و حرية و تقدم اجتماعي . . و قد قيل و كتب الكثير عن ذلك باتجاه تأييد ذلك الحق و بالشكل الذي يراه الشعب المعني و طلائعه الممثلة المُعتَرف بها و المُؤيَّدَة من قبل ذلك الشعب . .

و يرى مؤرخون محايدون بأن الوضع القومي الخاص لكوردستان و كورد العراق لم يأتِ كصدقة من احد منذ تشكيل الدولة العراقية بحدودها القائمة، بل بسبب وقوعها في اطار تشكيل دولة حديثة آنذاك، ضمّت قوميات و اديان و مذاهب متعددة خرجت جميعها من نير الحكم العثماني و شكّل فيها الشعب الكوردي في العراق ثاني اكبر شعب فيها، و لوقوع عدد من اكبر حقول النفط العالمية فيها آنذاك، من جهة . .

و من جهة اخرى، كنتيجة للمواقف و الانتفاضات القومية التحررية الداعية الى عدم الرضوخ للاحتلال الاجنبي و بالتالي الى الحق في اقامة الدولة القومية او المنصفة للحقوق القومية، فبعد ان حققت الانتفاضة التحررية الكوردية بقيادة الشيخ محمود الحفيد، قيام دولة كوردية لم تستطع البقاء طويلاً، الاّ انها عززت الاعتراف بالوضع القومي الخاص لكوردستان العراق في اطار الدولة، في وقت وقفت فيه مع ثورة العشرين العراقية التي عاضدتها . . و كانت بمجموعها من العوامل الاساسية لولادة اول دستور للدولة الناشئة يقوم على اساس الانتماء للهوية الوطنية و تساوي المواطنين في الحقوق و الواجبات بغض النظر عن انتمائهم القومي و الديني و المذهبي . .

و فيما تواصل نضال الشعب العراقي بكل قومياته و اديانه و مذاهبه و احزابه و قواه الحية من اجل التحرر و الحقوق الديمقراطية و القومية العادلة و بكل الاساليب، مجسداً ارادة قوميتيه الرئيسيّتين العربية و الكوردية، التي تواصلت في كل العهود . . فإن ذلك بمجموعه دقّ اضافة الى اسس التعايش الاجتماعي و الاقتصادي، اسساً للثقة و الالفة سواء في الذاكرة وفي الحياة و الاعمال او كاساس فكري عميق بين اوسع الجماهير العراقية باطيافها و خاصة الكادحة منها، تمحور و يتمحور على وحدة النضال من اجل الديمقراطية لعموم العراق و النضال من اجل الحقوق القومية العادلة لكوردستان العراق . . الوحدة التي اتخذ منها القائد الكوردي البارزاني الاب طريقاً ثابتاً لإيجاد حلول للقضية الكوردية في العراق في ذلك الزمن ـ و الذي يتطوّر الآن كما سيأتي ـ .

و رغم السياسات الشوفينية للدكتاتوريات العسكرية العراقية المتعاقبة التي اعتمدت في حكمها على اثارة الفتن و الخلافات و داست على ابسط الحقوق الانسانية و سامت العراقيين مرّ العذاب و اتبعت سياسات التهجير القسري و الرمي الجماعي الى خارج الحدود و اتلاف الوثائق الثبوتية، و ادّت الى تضحيات غالية لايمكن نسيانها لكل العراقيين بكل اطيافهم، في مقاومتها . . استمرت الاخوة العربية الكوردية حجر الزاوية الصلب في النضال من اجل الديمقراطية و التقدم الاجتماعي .

و اليوم و بعد انهيار دكتاتورية الحروب الشوفينية التي تركت ارثاً لايوصف من الاحقاد التي اثارتها بحروبها و باجراءاتها القمعية و اللاأنسانية طيلة ماقارب الاربعين عاماً . . الذي فيما يرى فيه متخصصون بأنه يتطلب زمناً ضرورياً لبناء دولة قانون في بلاد الحروب و اللاقانون، وسط هيجان انواع المطامع الاقليمية و الدولية التي انفلتت في فوضى الرأسمالية التي تسود العالم، و وسط انفجار انواع الكبت من القهر المتنوّع، يرى كثيرون ان متنفذين في الحزب الحاكم الجديد يتصرّفون، بمختلف الآليات سواء من خلال محاولة تسيّد الإئتلاف الطائفي، و من خلال الادّعاء بكونهم الممثلين الوحيدين الاكثر اخلاصاً للمذهب، او من خلال الادّعاه بالعروبة و الاخلاص لها . . باسلوب يصفوه بكونه قد لايختلف للاسف عن اسلوب صدام في التفريق و التقريب للكرسي . .

و كأنهم يوظفون ارث الدكتاتورية المقبورة لصالح تجيير قيادة فرد للشعب بقومياته و للدولة، طيلة مايقارب العشر سنوات الاخيرة، التي ان تحققت فيها انجازات شارك بها الشعب لرسم خط بناء مؤسسات الدولة البرلمانية الفدرالية . . الاّ ان رئيس مجلس الوزراء الحالي يعتمد تهميشها و السيطرة عليها، و لم يجنِ الشعب منها شيئاً بل زادت حياته خوفاً و بؤساً و تشريداً عن السابق . .

و يرى متابعون بانه يبدو ان المتنفذين في الحكومة الاتحادية نسوا ماهية القوى المعارضة لصدام على الارض العراقية، و نسوا دور كوردستان العراق التي برزت كقاعدة اساسية لكل قوى المعارضة العراقية باطيافها لإسقاط الدكتاتورية، منذ انتفاضة آذار 1991 التي عمّت العراق و كسرت فيها كوردستان الجيش الصدامي الذي انسحب منها و سحب معه ادارات الدولة في محاولة لتركها نهباً للفوضى و العنف . . الاّ ان شعب كوردستان باطيافه بادر الى تكوين ادارته اثر انتخابات و شكّل اثرها برلمان كوردستان العراق و حكومتها الاقليمية وسط انواع التعقيدات و الفتن و الصراعات، مستفيداً من مظلة الحظر الجويّ عليها التي فرضتها الإدارة الأميركية آنذاك .

و نسوا الدور الذي قامت به وحدات البيشمركة الكوردية التي كانت اكثر القوى العراقية تنظيماً في السيطرة على المواقف و في تهدئة النزاعات التي اندلعت اثر سقوط الدكتاتورية و شيوع الفوضى، و كيف راعت حساسية الجانب العربي المشحون بالفكر الشوفيني الذي اشاعته الدكتاتورية المقبورة و زادته الحرب، و لم تقم بما قامت به ميليشيات احزاب من اعمال غير مشروعة في المنطقة العربية (*). . رغم معاناتها من مشاعر جراح الموت الجماعي الذي مارسته الدكتاتورية باسلحتها الكيمياوية بحق مئات آلاف المدنيين العزّل في كوردستان العراق، باعتراف الدكتاتورية . .

الذي كان عين السبب، اضافة الى الخوف على مصير الشعب الكوردي و حركته، اثر تجاربها المرّة مع السلطات الحاكمة و اتفاقاتها، او من تجاربها مع القوى الدولية التي دعمتها و تركتها في منتصف الطريق، و يرون انه من الطبيعي ان تسرع قوات البيشمركة الى تسليح نفسها من الترسانة العملاقة لسلاح الدكتاتورية آنذاك، في وقت صارت فيه البلاد ساحة فوضى شاركت فيها كل الدول الاقليمية و انواع المهربين، و سرقت فيه و بيعت دبابات الدكتاتورية و صواريخها و اسلحتها الثقيلة في سوق خردوات الجوار العربي و غير العربي، بعد ان نقلت و بسرعة في ظلام ليل بهيم بانواع الهيليكوبترات العملاقة اليها .

كل ذلك جرى و يجري . . في وقت شهد و يشهد ظهور و اعادة تنظيم الاحتكارات العالمية متعددة الجنسيات و تنوع اصطفافها و آلياتها الجديدة . . و تغيّر لغات و ادوات الضغط و التغيير و نشوء و نمو ادوات اخرى خطيرة تعتمد الارهاب و ايصال القوى الاكثر تطرفاً و تزمتاً الى الحكم . فان تأثير تلك الاحتكارات على حكومات بلدانها الصناعية، صار يتحكّم اكثر مما مضى بقرارات تلك الحكومات، بل و صار لايتقيّد بسياساتها، ان لم يصطدم بها عند (الضرورة) . . الامر الذي تعززه تصريحات اوباما بشأن عقود اكسون موبيل قبل شهور . .

و يأتي ذلك متزامناً مع التغييرات العالمية للثورة التكنيكية العاصفة المتواصلة . . التي تكشف يومياً حقائق مذهلة عمّا يحتويه باطن الارض العراقية، و التي توصّلت الى حقيقة ان البلاد بطولها و عرضها ـ و ليس كوردستان و العمارة و البصرة فقط بل و غرب البلاد، كما سيأتي ـ تعيش على كنوز من النفط الخام و معادن نادرة اثمن كالزئبق الاحمر و اليورانيوم و الذهب . . التي لم تعرفها البلاد في السابق، و لم تدخل حتى الى حيّز الترشيح للإستثمار بل تُسرق بتواطؤ بعمولات من اطراف و ادوات عراقية . . حيث تعمل الاحتكارات على التعتيم على المعلومات، و على التحرّك بكل الوسائل للإستئثار بها لها لوحدها، و خاصة بعد سقوط الدكتاتورية و انحلال الدولة . .

في ظل ضعف و انعدام مرجعية قانونية دولية مؤثرة معترف بها كالسابق، كالأمم المتحدة و دوائرها . . و لتعدد مرجعيات قانونية دولية، قاريّة و اقليمية جديدة، تستند على قوى فاعلة مدفوعة الثمن، سواء كانت عسكرية و جيوسياسية، مالية فلكية و خامات ثمينة، علمية ـ النوهاو ـ او معلوماتية ، اضافة الى القدرات التحريضية و الاعلامية . . و في ظل تواصل صراع الإحتكارات الدولية بكل الطرق المشروعة و غير المشروعة، جارّاً اليه دولاً و مكوّنات دينية و مذهبية و قومية اثنية، و دافعاً بها كرأس حربة لتلك الصراعات . . صراع احتكارات لايعرف قانوناً و لااعرافاً لتحقيق غاياتها الانانية بالسرعة الضرورية لقطع الطريق على منافسيها، سواء كانت احتكارات متعددة جنسية غربية او آسيوية او اسلامية لاتحدها حدود الأخوة الدينية الاسلامية او المذهبية شيعية كانت ام سنيّة، مهما تروّج و تحرّض في بياناتها . .

حتى صار ذلك يترك تأثيرات واضحة كبيرة على بنية دول اليوم و على عمليات اعادة بناء الدول المنتجة للخامات و ازماتها . . و خاصة على الدول الداخلة بشكل مباشر في المعادلات العالمية للامن و الطاقة و الثقافة و الاديان، التي منها العراق بلادنا و كوردستانها، التي فرضت السوق السوداء العالمية نفسها في معاملاتها و كانت السبب المباشر للتزايد الجنوني للفساد الاداري و اعمال النهب . . التي ان بدأت في سنوات الحصار فانها تزايدت منذ سيادة الفوضى، و حتى البدء باعلان دولة تقوم على مؤسسات دستورية و انتخابات ـ مهما حملت من ثغرات ـ حين صار على الإحتكارات ان تتحرّك علناً و وفق صيغ قانونية (يمكن) الاستناد عليها . .

في بلاد تمزقها محاصصة جامدة، لم تتفق كتلها المتنفذة بعد حتى على قانون لإستثمار النفط و الغاز، بل و لم تتفق بعد على نظام يدير مؤسساتها الحاكمة و تعمل به، و خاصة سلطتها التنفيذية مجلس الوزراء، وسط تزايد مخاطر الانحراف نحو الفردية، وفق اكثر وكالات الانباء استقلالية و انتشاراً .

(يتبع)
 


(*)
رغم حصول اخطاء هنا و هناك لا تسلم منها اية قوة مسلحة، و رغم شكاوي جرى التحقيق فيها و حكم فيها لصالحها . . وفق نشرات وكالات الانباء في حينها .



20 / 12 / 2012



 

 

free web counter