| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

السبت 19 / 5 / 2007

 

 

الأحتكارات النفطية والعراق والمنطقة !
(2-2)


د. مهند البراك

على تلك الأرضية، جاءت الحرب التي اسقطت الدكتاتورية، والتي ادّت الى اعلان الأحتلال في العراق ثم الى انفلات الأوضاع الأمنية فيه وتزايد الأوضاع الدموية والقتل اليومي فيه، وتزايد التوتر مع جيرانه وبالأخص مع الدولة النفطية ايران صاحبة ثالث اكبر احتياطي نفطي دولي . . وجاءت في ظروف تزايد سيادة منطق السوق الفوضوي والعنف ومحاولة سيادة واحتكار المجمع الصناعي العسكري النفطي المالي الأميركي . . ودخوله على رؤوس اموال العديد من الشركات المتعدية الجنسية العملاقة مهما حملت من اسماء، من جهة .
وجاءت في ظروف تغييرات متزايدة شهدتها وتشهدها منطقة الخليج، منذ مطلع الألفية الجديدة واثر احداث 11 ايلول وانعكاساتها وبعد البدء والسير على نهج عقد اتفاقات النفط والغاز الجديدة بين السعودية، الأمارات، قطر من جهة مع الصين وروسيا وغيرها من جهة اخرى .... اضافة الى ابرام عقود بورصة النفط العالمية الجديدة التي ستقام في الخليج، واتفاقات الأسلحة الستراتيجية بين دول الخليج من جهة وبين روسيا والصين والأتحاد الأوربي من جهة اخرى. التي اخذت تدفع نحو اعادة النظر بالعقود النفطية القديمة، ونحو ابرام عقود جديدة تتطلبها تلك الدول لأيجاد حلول للضغوط الداخلية فيها، ولتوفير مستلزمات نهضة ورفاه داخلي، وتدفع لها العولمة والثورة المعلوماتية وتصاعد المفاهيم الجديدة للمصالح، وتكوّن مفاهيم جديدة للحدود تخطت مفهومها الجغرافي الصرف .
الأمر الذي اخذ يعزز تقديرات العديد من المراقبين الى ان الحرب التي اسقطت الدكتاتورية في العراق، تشكّل مخرجاً اساسياً لتغيير الستراتيجية الأميركية ـ او تغيير نوعها ـ كقوة مهيمنة على الخليج، بعد ادراك ضرورة ذلك . وحيث سيكون في مركز تلك التغييرات، اعادة تقييم قد تكون جذرية للعلاقة مع المملكة السعودية، لمواقفها التي يبدو وكأنها تأخذ منحى لاينسجم مع سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية على الأسس السابقة في المنطقة وبالتالي لاينسجم مع مصالح الأحتكارات الأميركية على الأسس السابقة ذاتها، من جهة. ولتعارض مصالح وسياسات دول المنطقة، مع مصالح الأحتكارات النفطية الغربية وبالذات الأنكلواميركية باقسامها وفروعها وجنسياتها، اضافة الى اختلال التوازن السابق لمصالح الدول الصناعية الكبرى والأقليمية وبالتالي سياساتها في المنطقة.
لقد ادت الحرب ثم اعلان الأحتلال في العراق، ثم مسيرته الدموية الغاية في التعقيد، ادّت بالصراع الى ان يستمر على اساس حالة سير توازن قلق للقوى وحركتها، والى تحرّك موازينها على متغيّرات اخذت تستمر بضوء : مسارات ؛ الحالة العراقية، الصراع الفلسطيني ـ الأسرائيلي، الصراعات في لبنان، الدور الأيراني ـ السوري في المنطقة . . اضافة الى الدور الفاعل لترابط مصالح احتكارات النفط باحتكارات السلاح والحرب في المنطقة وتشابك صلاتها فيما بينها من جهة، وصلاتها مع ببيوت المال وتشابكاتها، من جهة اخرى.
والى سيرها و محاولة دفع دول المنطقة وكياناتها ومصالحها على السير على اسس اثنية، طائفية ودينية يجري التحرّك عليها وتأجيجها وتحريكها بالوجهة التي تخدم مصالح الأحتكارات المعينة وعلى رأسها مصالح المجمع الصناعي النفطي العسكري المالي الأميركي، لأعادة موازينها . . في التفاعل والتوافق مع شعوب وكيانات ودول المنطقة، وفي مواجهة أخرى . .
الأمر الذي ترك ويترك آثاراً كبيرة متفاقمة على كيانات دول المنطقة وحوّلها ويحوّلها الى دوائر و مراكز قوى متنوعة متفرقة المواقف، وفي حركة متواصلة من اختلاف واتفاق وتصادم سواءاً بينها كدول او فيما بين كيانات في دولها، على اساس رؤيتها ومواقفها ومصالحها من سير وتطوّر الحالة في العراق من جهة، وعلى اساس ما ستطرحه نتائجها عليها، وفق الترابط والتشابك الذي تمّ استعراضه فيما تقدّم.
والتي عززها اكثر اعلان الأحتكارات النفطية الغربية وعلى رأسها الأنكلوالأميركية، عن مشاريع (عقود المشاركة في الأنتاج) (1)، التي فيما تصفها اوساط دولية واقليمية ومحلية حسنة الأطلاع بكونها اعدت من قبل شركة العقود الأمريكية " بيرينغ بوينت " بتكليف وحيد الجانب من قبل الأحتكارات النفطية الأميركية والغربية، وبكونها تطرح على الحكومة العراقية في الظروف العراقية المدمّرة الراهنة للموافقة عليها، وتسميها بـ " سرقات القرن الجارية في العراق " !!
حيث تقدّر " غلوبال بولس فورم " ان العراق سيخسر 74 ـ 197 مليار دولار في معدل مدة العقود التي تصل الى اربعين عاماً  (2) . وتحذّر اوساط نفطية من ان موافقة الحكومة العراقية بنتيجة الضغوط الكثيرة عليها، ستكون سابقة تستند عليها الأحتكارات الأميركية والغربية وتضغط بها على موازين وعقود النفط في منطقة الخليج النفطية كلّها، تحت طائلة امكانات قوة ضغوطها الدولية المتنوعة كما مرّ .
الأمر الذي عزز من جعل دوائر اقليمية تدعو الى ترك ما يجري في العراق للقرار السياسي العسكري الأميركي ـ العراقي الناشئ واخرى تدعم المسيرة وفق امكاناتها، فيما عزز مخاوف دوائر اقليمية اخرى ترى في نشوء دولة عراقية حديثة متوافقة مع السياسة الأميركية . . بكونه يشكّل خطراً مباشراً عليها، لأنه سيكون بتقديرها مرتكزاً هاماً للأحتكارات الأميركية للحد ولمواجهة مطالباتها باعادة النظر بالأتفاقات النفطية السابقة لدول الخليج معها لصالح تلك الدول اكثر، وان كان بدرجات متفاوتة و متنوعة، من جهة . .
والذي من جهة اخرى، تعارضه قوى شعبيه من منطلق الوقوف ضد محاولته تثبيت نموذج
"الدولة الريعية " التجارية الأصم في عموم دول المنطقة اعتماداً على استخراج وتصدير النفط والخامات وفرض ارتباط ذلك باستيراد السلاح . . ومن منطلق عدم تعلّقه وعدم توظيفه بشكل جاد في اعادة الدورة الأنتاجية الطبيعية في الصناعة وتطوير الزراعة . . لخـلق رفاه اقتصادي وتقدم اجتماعي جديد، ودرجة من الأستقرار لصالح اوسع الفئات فيها وخاصة الفقيرة منها .
وهكذا تحاول دوائر متنفذه في المنطقة تسندها احتكارات نفطية وكارتيلات دولية اخرى وكيانات كثيرة التنوع، تحاول التدخّل بكل الوسائل المتاحة والممكنة لها، سواء كانت عبر ابواب واضحة المعالم او عبر شبابيك تبدو لأول وهلة وكأن لاعلاقة لها بقضايا النفط . . والتي ترى اقسام منها انها بنشاطها ذلك يمكن ان تؤدي الى اضطرار الولايات المتحدة الى الأنسحاب غير المنظّم من الخليج العربي بتقديرها! من جهة.
ومن جهة اخرى، لأجل محاولتها فرض البديل الذي تراه مناسباً لها والذي يصطدم بنشاط قوى اقليمية اخرى تسعى لأقامة بديلها هي على حساب الجار . . بعيداً عن القضية العادلة لمالك الثروات؛ الشعب العراقي بكل اطيافه، ودون محاولتها دعم مكوناته في جهودها الشاقة الرامية لتحقيق بديلها الوطني البرلماني الفدرالي العراقي الموحد، القادر على ضمان حقوقها في معارك النفط، والبدء بخطوات قابلة للتطوير حتى على مراحل مع توفير ضمانات واقعية نحو احقاق تلك الحقوق .
الأمر الذي يؤدي الى اطالة للصراع الرهيب الجاري في البلاد الى نهاية تتناسب مع اهدافها ومصالحها المتنوعة المتنافرة، وسط تدمير وخراب مستمر ترى فيه اوساط عليمة انه يشكّل للأحتكارات النفطية، حالة ووجه من وجوه ( تدمير منابع النفط) كلّما لايجري انتاجه لصالحها وكلّما كان مُهَدداً بالسقوط بيد الأعداء، من خلال دوره (دور النفط) في العملية السياسية المعقدة في العراق او من خلال دور النفط العراقي في اعادة ترتيب خططها في المنطقة.
الذي يعني وفق خبراء نفطيين انه فرض لتغيير واقع المنطقة وفق ( تحقيق وجهتها والاّ !!) وتلويحاً للدول المنتجة الأخرى بان العراق كان البداية فقط ! من جهة. ومن جهة اخرى، وفيما لاوجود لسقف زمني واضح او يلوح في الأفق لنهاية القلق والدمار، يرون انه بحد ذاته يحقق ارباحاً هائلة للأحتكارات الغربية والأميركية والمتحالفة معها او للعاملين معاً بطرق متنوعة أخرى، سواءاً بواجهة اسماء ليست اميركية لشركات، او عن طريق جهات وشركات غير مسجّلة ووسطاء في السوق السوداء يعملون لها . . في وقت تنشغل فيه اوساط متنفذة في البلاد بسرقات وفساد اداري وعمليات تهريب النفط (3) لتحقيق صفقات عمر لها انتظرتها طويلا !! الأمر الذي يشكّل عامل ضغط اضافي هائل على خزينة الدولة الناشئة . . لأجبارها على قبول تلك الشروط، ثم السير على ان تقبل دول المنطقة الأخرى لما تريد فرضه من مشاريع ( المشاركة بالأستثمارات والاّ ) وفق شروطها .
ويؤكد خبراء دوليون ووطنيون على ضرورة اخذ موازين الواقع وآفاقه على طريق توفير امكانات اصلاحه وتقويمه لصالح تواصل مسيرة البلاد ولصالح تقوية جانبها في تعاملها مع مشاريع
"المشاركة بالأستثمار" ، وتجنب سياسة اللاءات المطلقة دون توفير البدائل والحلول الممكنة على اساس العلم والمنطق المعرفي، بعيدا عن التطرف والنظر باسود او ابيض . .
في صراعات تتطلب ايجاد حل سريع لأيقاف الواقع الدموي المستمر بالتدهور والمهدد بركوع اكبر، واعتماد المصالح الوطنية من زاوية تعريف الحق بمفهومه القانوني وبكيفية تفاعله مع العالم الصناعي من جهة ومع نتائجه في ايجاد حلول لمشاكل البلاد صاحبة الثروات الخام، التي تحتاج للسوق ولآليات تحويل الخامات .
وعلى اساس السعي لتخفيف الواقع الأكثر حدة القائم، وعن طريق زيادة الوعي العام بتطورات صراعات النفط واعتماد المؤسسات والفعاليات الشعبية والنقابية والدستورية، منظمات المجتمع المدني، الصحافة ووسائل الأعلام وغيرها، وصولاً الى الشفافية . . لأجل التعديلات المعقولة والممكنة نحو التوصّل الى حلول سلمية للصراعات الدائرة على اساس احترام السيادة الوطنية للبلاد ، واجراء التعديلات الضرورية على مشاريع اعادة الأستثمار ثم اقرارها وفق الآليات المذكورة وتقوية فرص اعادة النظر بشكل قانوني واعادة الجدولة، فيما ترى اوساط واسعة اهمية اعتماد عقود الخدمة وعقود الشراء بدلاً عنها .
وعلى ذلك تؤكد اوسع الأوساط المعنية بأن النفط هو قضية سياسية فائقة الخطورة، وان النفط قضية مصيرية تتمحور عليها وترتهن بها وبحركتها ونبضها وباشكال مباشرة او غير مباشرة، كل الصراعات والفتن الأخرى . . طائفية كانت او اثنية مهما جرى تستيرها او اخفائها، من جهة. وان قضية النفط هي علة علل وسبب الأسباب في الصراعات الأقليمية وتداخلاتها وتحدياتها، وفي الصراعات الدولية وتشابكاتها مهما تغلفت وتجمّلت . . من جهة اخرى .
وبالتالي فأنها قضية وطنية داخلية واقليمية ودولية تزداد ترابطاً، وتجد اسبابها وبصماتها وادوارها وتحريضاتها . . في كلّ الصراعات الدموية المأساوية الجارية في البلاد بلا استثناء ومهما تبرقعت للتمويه عليها ولجعلها بعيدة عن اللمس والرؤية ! (انتهى)

ايار / 2007
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.
وتدعى بـ " عقود تقاسم الأنتاج " . لصالح احتكارات بريتش بتروليوم وشل النفطية البريطانية، و اكسون وشيفرون النفطية الأميركية .
2.
راجع غورينغ موتيت / فوروم تشرين الثاني 2005 . راجع صحيفة البيان الأماراتية، عدد 2 / حزيران / 2006
3.
راجع تقرير " المفتش العام لشؤون النفط العراقي " ، في 20 / 5 / 2006

¤ الجزء الأول