| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                                                    الجمعة 18/2/ 2011



 ماذا احدثت ثورة الشباب في المنطقة ؟

د. مهند البراك

منذ بدء العولمة، حصلت تطورات عاصفة، غيّرت انظمة و سياسات اغلب دول العالم، عدا منطقتنا، التي واكبت انظمتها العواصف بتغييرات لم تمس جوهر ما، بقدر ما مسّت واجهات للحكم في سعي لتجميلها بمساحيق من سوق الخردوات . وعدا الحروب التي اجتاحت افغانستان و العراق و غيّرت انظمتها من الخارج، الاّ انها ادخلتها في عمليات مخاض، جلب لها جديداً و لكن باثمان باهضة هائلة ، فرغم ماتحقق في العراق باسقاط دكتاتوريته الرهيبة، الاّ ان قِيَمْ الدكتاتورية و شراهتها و استبدادها لاتزال تتحكم بشكل مؤسف، بعد اقتراب نهاية العام الثامن على سقوطها.

و فيما بقيت انظمة منطقتنا صمّاء في مواجهة رياح التغيير، تصوّر البعض بأن تلك الرياح لم تصل بعد الى المنطقة، وصوّر حكّام أن " التغيير انطلق اساساً منَّا نحن العرب و الشرق اوسطيون ؟" فحكم مبارك في مصر مثلاً ظهر كما لو انه كان عتلة التغيير الديمقراطي و التمدني في المنطقة ! فأهم الإتفاقات و لقاءات القمة و التغيير عقدت برعايته و دوره، مع التعتيم على اخبار معاناة شعب مصر الكادح بشبيبته و نسائه و مثقفيه، رغم كفاحهم الصعب الذي يخوضونه . .

حيث لم يأتَ انطلاق ثورة الشباب المصري في 25 يناير من فراغ، بل شكّل امتداداً وتواصلاً لأشكال النضالات الشعبية و العمالية و الطلابية، و لكن بلغة الفيسبوك هذه المرة التي كانت شرارة التغيير في الشقيقة الكبرى مصر بعد ان كانت البداية في تونس . .
و يرى فيها محللون بكونها ثمرة المد الإعلامي وتكنولوجيا المعلومات التي أتاحت انتقال الخبر والرأي بسهولة وزخم لم يُعهدا من قبل، و جعلت من التغيير شأنا داخليا ينبع من الشعب، و ليس مفروضاً عليه من فوق كما حدث في العراق حيث الديمقراطية لا تزال " محدودة جداً "(1) في أحسن الأوصاف في وقت بدأت فيه عروش وكراسي الحكم ليس في المنطقة فحسب، و انما في العالم أجمع . . بدأت تهتز بفعل تدفق المعلومات الحديث من الفيسبوك إلى الهاتف المحمول.

ومن جهة اخرى، فإذا كان سقوط مبارك قد لا يعني دخول مصر عهد الديمقراطية بالكامل، فإن الحراك و الدينامية التي جاءت اثره، تمخضت عن موجة احتجاجات لشعوب المنطقة على انظمتها بسبب الفقر و الفساد و من اجل حرية الرأي . . يبدو انها لا رجعة عنها، للأسباب المذكورة آنفاً و لتداعي نماذج الدول التي لم تعد تصلح للتعاطي و التفاعل مع حياة اليوم المتسارعة و قوانينها التي تصاغ مجدداً .
و اثبت مسار الأحداث في مصر على ان دول الغرب قد توصلت الى أن زمن دعم الطغاة حرصا على استقرار جامد و ليس ديناميكي . . قد ولى . و ان عليها ان تتعايش في عالم اخذت تجتاح شعوبه الحرية ، و السعي لتتحكم بمواردها بما يحقق رخاء لها، الأمر الذي قد يصل بتلك الدول من جانبها ان تقبل بجعلها شريكة لا تابعة . . مع ما يترتب عن ذلك من متاعب و صعوبات، منها عدم استعدادها لدعم من دعمته يوماً و لم يعد صالحاً بنظر شعبه في لحظة حرجة ما !

و يرى خبراء بأنه فيما تسير الأمور في مصر في اخراج يعكس تضامن الجيش مع الشعب ، وفيما يناشدون بعدم خذلان الشعب بالضغط على المؤسسة العسكرية حتى تفي بما تعهدت به من تسليم الحكم إلى المدنيين. فانهم يذكّرون المحتجين بضرورة التفكير في تحويل شعاراتهم ومطالبهم إلى برامج ملموسة تؤطرها أحزاب، خاصة وان السلطة القائمة أن عجزت او انهارت بتأثير الشارع ، لا يعني بالضرورة أنها ستسقط في يد من يستحقها .
من جهة اخرى، يجمع الكثيرون على ان أهم دروس ثورة الشباب في يناير، ان التغيير الذي حصل و الجدير بالإقتداء، بكونه لم يتم بقوة السلاح . . في اثبات يعكس ان الرئيس اوباما تخطى اساليب بوش الإبن ـ بلير، اللذين حملا الديمقراطية إلى العراق على متن الدبابات، فيما تغاضيا في الوقت نفسه عن انتهاك حقوق الإنسان في مصرِ صديقهما المقرّب مبارك (!) .

من ناحية اخرى تشير وكالات انباء الى ان انتقاد توني بلير للرئيس اوباما بسبب الخطاب الذي ألقاه في القاهرة في حزيران عام 2009 بدعوى أنه يهادن الإسلام السياسي في مصر، لم يعد في محلّه لأنه " بتخلصه من العجرفة الأمريكية، استطاع تغيير الموقف الشعبي في مصر تجاه الولايات المتحدة، وسهّل على حركة المواطنين إمكانية ان تظهر بصفتها تعبيرا عن الاعتزاز الوطني و القومي، وليس تظاهرة مناهضة للغرب. " (2)
و تشير الى ان تجذّر مفهوم الديمقراطية من الأسفل في المنطقة، وليس عبر فوهة البنادق كما حدث في حرب العراق، سيسرّع وتيرة جهود السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين للوصول إلى اتفاق بشأن حل قيام دولتين كتسوية لا رجعة عنها . .


17 / 2 / 2011

(1) بالقياس الى الواقع و الى حاجات تنفيذ البرامج الرسمية المطروحة من قبل مسؤولي الدولة و الكتل المتنفذة .
(2) راجع صحيفة الإندبندنت البريطانية ، افتتاحية عدد 13 شباط 2011 .
 


 

free web counter