| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الأربعاء 17/3/ 2010



مصطفى البارزاني : الزعيم الكردي و الوطني !
(2-2)

د. مهند البراك

واذا استطاع بجهود مفعمة بالوعي من الخروج عن الأطر القومية الضيقة، و بسعيه لشمول الثورة الكوردية القطاعات الأوسع من التنظيمات و التجمعات و الأحزاب الكوردستانية، فإنه استطاع بتفعيل الثورة الكوردية في الأطار الوطني العراقي الأوسع و جعلها ركنا فاعلا فيه، و بفتحه صفوفها لكل من اراد الإنضمام اليها من اقصى اليمين الى اقصى اليسار . . ان يحقق مكاسب للقضية الكوردية من جهة و للقضية العراقية عموماً من جهة اخرى بعد ان صار احد اركانها، و كما لعب دوره في ادامة الثورة و ادامة حضور الشخصية الكوردية في كل المنعطفات التي شهدتها مسيرة عموم البلاد.
ان شخصية و دور الملا مصطفى لابد و ان تؤخذ في زمانه، وفي اطار الصراعات الفعلية التي كانت جارية سواء في العراق او في المنطقة، الوعي السائد و المرحلة التاريخية التي كان يمر بها الشعب الكوردي و شعوب و دول و انظمة المنطقة، اضافة الى ماهية و مكونات حركة التحرر الوطني الكوردية و العربية، و ظروف الحرب الباردة . . و التي لايمكن عزله عنها، و انما رؤية كيفية تعامله مع الأحداث و مع القوى المتصارعة صراعاً جنونياً للسيطرة على كوردستان من جهة، و على عموم المنطقة و تقسيم مواردها، وانواع المخططات الدولية السائدة، و طبيعة السياسات و الروح الشوفينية التي اتبعتها دول المنطقة تجاه الشعب الكوردي و حقوقه العادلة، و مواقفها المتشددة تجاه شعوبها ..
فان حالة الإبادة ـ ابادة قرى، مناطق بكاملها، السعي لأبادة شعب الذي مارسه صدام لاحقاً سواء في 1975 اثر النكسة، او في ابادة حلبجة 1988 ـ . . التي عاشها منذ طفولته و التي قضى شطراً منها في السجون مع والدته و اشقائه، ثم في شبابه منذ ثورة الشيخ محمود الحفيد مروراً بثورات و انتفاضات بارزان، و في جمهورية مهاباد التي كان قائد جيشها . . جعلته ينظر بشكل واقعي الى الأمكانات المتوفرة و كيفية تفعيلها و تطويرها، اضافة الى رؤيته الى امكانات الخصم .
الأمر الذي اكسبه و بالتالي اكسب حزبه الذي ترأسه ، مرونة و طول نفس و صبر، بل و جعله يسعى للتفاوض مع الحكومة حفاظاً على الأرواح و الحواضر و القرى الكوردستانية، وعلى ذلك الحضور الكوردي الفاعل في الحياة السياسية . . و جعله يسعى للتفاوض و وقف القتال استجابة لطلب الحكومات المتعاقبة التي كانت تلجا الى التفاوض حين تفشل عسكريا و ماليا ـ رغم علمه بانها ستعاود الهجوم على كوردستان ـ ، اضافة الى سعي الملا مصطفى ذاته للتفاوض عندما كان يشعر بتعب رجاله و تعب وحداته، او في مواسم الحصاد، كي لاتموت القرى . . بعيداً عن التطرف و الأرهاب. و كانت تلك الفترات تلبي حاجة الثورة الى اخذ النفس و اعادة تجميع و تنظيم القوى و انعاش الوضع الإقتصادي في مناطق الثورة .
و يذكر قريبون منه كيف انه كان يسعى للتفاوض عندما كان يرى ضروراته، بموافقته على التفاوض مع مدير شرطة السليمانية الذي كلّف بذلك بشكل مقصود في الستينات، رغم ان الحكومات كانت ترسل في العادة من هو بدرجة و زير للتفاوض معه، وكيف تفاجأ من كان معه على موافقته على التفاوض معه ، و اجابهم :
ـ والله حتى لو يرسلوا لي شرطي الآن ... اتفاوض معه ! (1)
لقد كان الملا مصطفى حذرا في انطلاقته في الستينات، و تصرّف كقائد سياسي عسكري عرف كيف يدير القضية، بحكمته و معرفته و استعداده الدائم لتعلم الجديد و تقبّله الرأي من ذوي العلوم و المعارف من اجل تحقيق ما امكن تحقيقه من الحقوق العادلة لشعبه الكوردي، ضمن اطار الحدود الدولية التي ازدادت قسوة و منعة امام الشعب الكوردي. حيث زادته المعارف قدرة على معرفة القوى المحيطة بالثورة و توازناتها الداخلية و الإقليمية و الدولية، فكان حذراً من المواجهة المباشرة سواء مع تركيا الناتو او ايران الشاه، و حرص على اتباع سياسة الحياد بين الشرق و الغرب . . لفترات طويلة .
ففيما كان يحاول الأبتعاد عن الخطوط الحمراء للناتو، فإنه رحّب بالأتفاقية العسكرية العراقية ـ السوفيتية لتوريد السلاح، حينما صرّح علناً " لسنا ضد الأتفاقية العسكرية مع السوفيات " التي فاجئت من كانوا يعدوّن لرفض تلك الإتفاقية . . و كان له في ذلك اكثر من حساب عسكري و سياسي، زاد من قربه للدول العربية و على رأسها مصر، التي كانت تسعى لتعويض خسائرها اثر عدوان حزيران 1967 بالإعتماد على الشرق ، و ترك ذلك الموقف ، اضافة الى موقفه بايقافه القتال مع الجيش العراقي اثناء العدوان الإسرائيلي على الدول العربية . . ترك لديها اثراً طيباً جديداً ساعد على تفهم افضل لوجود و حقوق الشعب الكوردي (2) .
الاّ ان موقف الحياد و الموازنة الذي اتبعه القائد الملا مصطفى بين الشرق و الغرب، لم يستطع ان يحافظ عليه لهول المخططات الدولية و الإقليمية وحدّة صراعاتها و تسارعها، التي لم تستطع ان تتحملها الثورة الكردية فانحازت للموقف الأميركي . . الأمر الذي حصر الثورة في زاوية محددة في قيود الجغرافية السياسية و ادى الى انتكاستها عام 1975 اثر اتفاقية الجزائر المشؤومة بين صدام و شاه ايران . . الأمر الذي ادىّ بالقائد الى تقييمه لذلك بتعبيره عن الندم الكبير باعتماده على قطب او طرف واحد من الأقطاب الدولية آنذاك، رغم ان مواقفه و مسيرته الحافلة لم تنطلق الاّ من اجل تحقيق المطالب العادلة للشعب الكوردي (3)
و فيما يرى خبراء و سياسيون ان اندلاع الحركة الكردية بقائد كالملا مصطفى ضمن اطار بلد عربي . . كان عاملاً مشجعاً و دافعاً للعرب و للأكراد للنضال من اجل التحرر و التقدم الإجتماعي، لأن العرب هم الأقرب للأكراد امام تسلط النير العثماني . . و العثماني ـ الفارسي . . الذي كان العراق مسرحاً لحروبهما و صراعاتهما، و كان الأثنان ينوءان من نيرهما، الأمر الذي تواصل في نضالاتهما في فترة الإنتداب و الوصاية البريطانية و الأستقلال بنفوذ بريطاني . . بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى .
اضافة الى ان النضالات العربية ـ الكوردية التي تواصلت في عموم العراق . . كانت عاملاً هاماً في توصّل الزعيم الكوردي الى انه لايمكن تحقيق الحقوق القومية العادلة للكورد العراقيين دون الديمقراطية لعموم العراق، فخاض النضال على ذلك السبيل، وكان عاملاً هاماً في تلاقي القوى الكوردية التحررية بالقوى الديمقراطية العربية، حيث كان من اوائل من شجّعوا فصائل الأنصار التي كان وزن المتطوعين العرب من العراقيين فيها واضحاً، اضافة الى تشجيعه و دعمه لحركة المقاومة الفلسطينية، الذي بلغ الى حد الدعم المتبادل في ميادين متعددة . . و اثار حفيظة العديد من الدوائر التي سعت بنشاط محموم لدق اسفين التفرقة بينهما، بشتى الوسائل و الحيل .
ان دوره الوطني البارز في المنعطفات كان يبرز، رغم كلّ التعقيدات وتفرّق المواقع بل وتواجهها المؤسف احيانا، التي لم تنجم الاّ من جسامة وهول المشاريع والمخططات التي واجهت الحركة الديمقراطية العراقية بعمومها من جهة، و واجهت عمودها الهام " الحركة القومية التحررية الكردية " من جهة اخرى . . حيث بقى المجربون والأكثر وعياً يتابعون ويحاولون معرفة مواقف وتقديرات الملا مصطفى و مواقفه في تلك المنعطفات . .
من جهة اخرى، فإن نضاله العنيد من اجل الحقوق الطبيعية للكورد، و تجاوبه بلا قيود نظرية او آيديولوجيه ـ عدا المحظورات المخلة بنضالات شعوب المنطقة ـ مع كل ما اضاف قوة للقضية الكوردية و عدالتها و انسانيتها، و تفاعله مع الممكنات لأنجاز انطلاق و مسيرة الثورة بنجاح، و من اجل تثبيت و جود كينونة و حضور كوردي في مواجهة مخاطر القمع و الإبادة . . جعل الجماهير الكوردية في الدول التي الحقت بها اجزاء كوردستان الأخرى، تعتبره قائدها التأريخي.
فلم تكن مصادفة حين شاهدتُ صور القائد الملا مصطفى تزيّن الشوارع و المحلات في مدينة مهاباد الكوردية الإيرانية، اثناء تجوالنا بها بعيد انتصار الثورة الإيرانية و سقوط الشاه عام 1979 . . و صوره المزينة العديدة و هو الى جانب القاضي محمد، و الى جانب الزعيم عبد الكريم قاسم .
و لم تكن مصادفة ان يقول الشهيد د. عبد الرحمن قاسملو (4) في لقائي معه مطلع الثمانينات في نوكان في كوردستان العراق لأعيد له كتابه الشهير " الكورد شعب بلا وطن ـ people without country " الذي اعارني ايّاه مشكوراً و استفساراتي له عن وثائق مؤتمرات حزبه " الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني " و تناولها ـ اضافة الى تناول كتابه ـ الدور الرائد للقائد البارز الملا مصطفى البارزاني قائد الجيش (وزير الدفاع) في حكومة جمهورية مهاباد ذات الحكم الذاتي في ايران، حين قال :
ـ الملا مصطفى البارزاني . . نعم انه ابرز زعيم للحركة الكردية . . كان زعيماً تمتع بكل مواصفات الزعيم، من الحكمة و الشجاعة الى المرونة و الصفح عند المقدرة ، كان يعرف الواقع وموازناته واين هي الحلقة الأساسية، وقد جرح مراراً من الغدر . . الأكاديمي شئ والزعيم السياسي شئ اخر، القضية تعود الى البناء والتكوين الشخصي !
تحية الى القائد الملا مصطفى البارزاني في يوم ميلاده !

 

1. من ذكريات الفقيد الوزير في حكومة كوردستان الفدرالية يوسف حنا القس و احاديثه للكاتب .
2. راجع كتاب مذكرات الفقيد " عزيز شريف "، الرئيس الأسبق لمنظمة السلم و التضامن في العراق، وزير عراقي سابق للعدل .
3. راجع اعداد صحيفة الحزب الديمقراطي الكوردستاني " خه بات " المخصصة للموضوع .
4. سكرتير عام الحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني " حدكا " ، و قد اغتيل عام 1989 في فيينا .
 


16 / 3 / 2010
 



 

free web counter