| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

السبت 16 / 12 / 2006

 

 

المشروع السياسي الوطني كبديل للطائفية والمحاصصة !

(1-2)


د. مهند البراك

في الوقت الذي ادى الأحتلال وسلوك الأدارة الأميركية وواقع حال القوى العراقية الى اضعاف الدولة العراقية . . فان المحيط الأقليمي سعى ويسعى الى ان تكون الدولة العراقية ضعيفة ليسهل ابتزازها وتوظيف ثرواتها لها، مهما تنوعت الدعوات. الأمر الذي ادى بمجموعه الى ان يكون كل طرف من اطراف المحاصصة دولة داخل الدولة باشكال متنوعة، له موارده وجهات دعمه، اضافة الى اذرعه المسلحة سواء كانت تحت غطاء مؤسسات حكومية او كميليشيات. الأمر الذي ادى الى غياب وضعف المشروع الوطني رغم جهود متنوعة مخلصة، والى استمرار التدهور رغم انتهاء الدكتاتورية . .
ليصل الى ان خطراً كبيراً يأتي من تدهور الشعور بالأنتماء للأمة العراقية وللوطن العراقي الواحد، تحت سياط القتل والتدمير اليومي واستمرار شلل الحياة الأعتيادية في البلاد، وليصل الى ان استمرار تدهور الأمن اخذ يؤدي الى ان مكونات البلاد كلها صارت تحس وكأنها مهددة بوجودها وصارت اقسام منها تستعد للمواجهة واقسام اخرى تبحث عن ملاذ آمن لها . . او تخشى على ملاذها الآمن النسبي ان تحقق، مؤديا الى تكوين حالة من الخوف والقلق والأستفزاز، التي لايمكن ان تكون الاّ تهيؤاً لاارادياً يمكن ان يؤدي الى انفجارات عاصفة ادهى وامر ....
وفيما تتصاعد وتيرة المطالبة بالسيادة الوطنية على اساس المواطنة، ومن اجل توفير مستلزمات جلاء الأحتلال، وتبذل جهود كبيرة لتقارب الطاقات العراقية ولبث النشاط في مكوناتها وتفعيل تأثيرها ان توحدت على اساس وحدة الخطاب العراقي بداية . . اصطدمت غالبية العراقيين بمشروع بيكرـ هاملتون الذي صعّد حدّة التوترات والتطرّف وغطىّ على النتائج الكارثية، وعلى خطورة نهج نظام المحاصصة الطائفية الأثنية . . لأنها شمّت فيه رائحة بدء مرحلة جديدة قد تكون اخطر.
لقد اشبع نهج المحاصصة الطائفية البلاد من جنوبها الى شمالها بالمحاصصات التي صارت كما لو انها هي الهدف الأساسي من اسقاط الدكتاتورية الدموية، النهج الذي فيما تسبب في اندلاع حرائق جديدة في البلاد، اخذ يلعب دوراً اكثر خطورة في تزايدها واتساع دائرة تأثيرها المدمّر حتى صار شئنا ام ابينا جزءاً لايقل خطورة عن دور العصابات الطائفية والأجرامية والقاعدة، وعن دور الفساد والسرقات والسوق السوداء . . السائرة جميعاً في تناغم بشع لاينتج الاّ المزيد من الدمار عراقيا واقليمياً .
وفي خضمّ الواقع البشع الطاغي الذي تكوّن بفعل ذلك النهج، تنسى وتتناسى اوساط تتسع، ان ما يجرى لايمكن ان يكون الاّ استمراراً لنهج ومنطق الدكتاتور البائد، وانه قد لن يؤدي الاّ الى فرش الأرض امام خلق دكتاتور جديد، مهما حوّرت اطرافه المتنفذه واساءت للأديان والطوائف وحرّفتها وجعلت منها ومن الطائفية شعارات منافقة عن حقوق ابناء وبنات الطوائف زوراً، وهم الأشد انبطاحاً امام المال وعروشه .
وترى اوساط واسعة ان البلاد وكينونتها وماهيتها وشعورها بانتمائها لوطنها وبالتالي حقوقها وواجباتها تجاهه تضيع على مذبح صراعات الزعامات المحلية، التي من جهتها لايمكن ان تدوم ان لم تنسجم وتلبي على الأقل حاجات واماني ابنائها رجالاً ونساءاً بعيش آمن يصون العائلة والكرامة والشرف . . التي لايدمّرها ويتسبب بنتائجها المأساوية الاّ ذلك التناغم البشع الذي ساهمت به العوامل اعلاه وفي مقدمتها نظام المحاصصة الطائفي العرقي . .
نظام المحاصصة الذي جمّد الصراعات الضرورية الأيجابية، ودمّر واضاع وشرّد الكفاءات العراقية التي زهت بها البلاد والتي قضّت مضاجع اعدائها، من فكر وعلم وثقافة مهما كان مكونها العراقي . . الكفاءات التي جعلت حلم العراقيين باسقاط الدكتاتورية واقامة بديل عادل، امراً واقعياً قابلا للتحقيق وليس خيالاً واماني فقط، اسوة بشعوب العالم المتحضر .
لم يكن تاريخ العراق السياسي بحلوه ومرّه . . الا تاريخ نشاط احزاب وتيارات سياسية وفكرية وثقافية مثّلت فئات الشعب العراقي وطبقاته ومصالحها وكانت حصيلة ثقافات وفكر وعقائد البلاد وتاريخها ونشاطها وافراحها واحزانها وتجاربها واحلامها وطموحها. وكان الأجتهاد موجوداً ومتنوعاً في الدين الواحد وفي القومية الواحدة و المذهب الواحد، رغم نواقص وثغرات هنا وهناك . .
لقد توزّع ابناء كل المكونات على الحكام والمحكومين، ولم يكن الأنتماء الى مكوّن يعني النطق باسمه باجمعه باغنيائه وفقرائه، باشرافه ومناضليه ومبدعيه ووضيعيه والمدعين باسمه، وكانت الناس تسخر من الشعارات الأطلاقية وتراها مريبة، حيث عُرف عن العراقيين باطيافهم طوال تاريخهم الحديث باعمال الفكر وببحثهم عما يختفي وراء الدعوات الى الأقليمية والطائفية واعتبرها ابناء المدن دعوات لاتليق بهم، واعتبروا ان الوصول الى حلول لمشاكل قد تقوم لايتم بالتخندق العرقي وانما بتلاقي عقلاء الأطراف المعنية . . الى زمان دكتاتورية صدام التي اشاعت العرقية، الشوفينية، الطائفية وكل الدعوات الشريرة، فكراً وممارسة وحشية للأبقاء على حكمها المرير .
واليوم وبعد سقوط الدكتاتورية، اثبتت مسيرة قاربت الأربع سنوات، اعتمدت على ممثلي المكونات العراقية كنهج مطلق بغض النظر عن اسس ذلك الأعتماد . . اثبتت انها سياسة تعاملت مع ارث الدكتاتورية كواقع اعترفت به، وعملت مع العوامل الأخرى على تكريسه بصورة لاتنسجم مع حقيقة الواقع العراقي وآماله وطموحه نحو التطور والتقدم . واثبتت ان نهجها بالأعتماد على المحاصصة لايصلح لأعادة بناء الدولة العراقية في عالم اليوم، بل لايصلح حتى لدورها الأقليمي والدولي ولا يطلق طاقاتها نحو آفاق السلم والرفاه.
بل اثبت انه يقيّد طاقاتها ويحطّمها بتصادم اطرافها، في نهج لم يسعى لمواجهة ومعالجة موروث صدام وحكم الحزب القائد الواحد بلا منافس، فكرياً وعملياً بل شكل كما لو كان استمرارا خطيراً له . . بعد ان جعلها الأحتلال سياسة رسمية، وبعد ان قوّتها ردود الأفعال الدولية والأقليمية والوطنية على الأحتلال، اضافة الى تسرب الأرهاب الأصولي الطائفي من الجوار الأقليمي الى البلاد . . التي افرزت كل تلك الأنفجارات كسبب وكنتيجة .

15 / 12 / 2006
(يتبع)