نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

الجمعة 16 / 12 / 2005

 

 

 

ماذا تعني زيارة مشعل لطهران الآن ؟!

( 1 - 2 )

 

د. مهند البراك

تثير التصريحات المتواصلة للرئيس الأيراني "احمدي نجاد " قلقاً جديداً لدى العراقيين، لأنها تعني تصعيداً حاداً لمنطق الحرب والعنف والدمار في المنطقة، الأمر الذي يهدد بتحويل العراق الى ساحة حرب مخيفة مدمّرة جديدة، لأسباب وتشابكات مصالح سياسية وعسكرية ومالية متنوعة، اضافة الى مصالح نفوذ، ومصالح قوى لاعبة على الأوتار الدينية وعلى تصعيد مشاعر التفرقة والشقاق في البلاد، في وقت تهب فيه نسائم تبشر بأنفراج بعد ان نجح العراقيون بعملية التصويت في الأنتخابات دون اعمال ارهاب وعنف كالذي كان يجري في السابق، وكأن مايصيب العراقيين قدر متواصل كتب عليهم .
وفي الوقت الذي ترى فيه اوساط، ان تلك التصريحات شأن ايراني داخلي، فالرئيس الأيراني رئيساً منتخباً، وانه رغم الأعتراضات المتنوعة التي واجهها في مستهل مدة رئاسته، الاّ ان اعترافاً دولياً جرى به، اضافة الى دعوته من المجتمع الدولي الى الأحتفال اليوبيلي لتأسيس الأمم المتحدة والى القمة الأسلامية، حيث القى خطباً اثارت اهتمام وانتباه الصحافة ووسائل الأعلام الدولية والأقليمية وانواع القوى السياسية والأجتماعية.
وبعيداً عن مناقشة وابداء وجهة نظر بالخطب ومدى صحّتها، الاّ أنها جاءت كمفاجأة غير متوقعة لأوسع الأوساط العراقية المحبة لأيران وللشعوب الأيرانية، الأوساط التي تواجه وتعيش محناً متواصلة، وتبذل جهوداً لاتصدّق لتحقيق نوع من الأستقرار في البلاد، ومن اجل جعلها عامل سلام وامان في المنطقة وبالتالي للعالم.
وفي الوقت الذي لايمكن فيه لعراقية او عراقي ان ينسى كيف شكّلت انتفاضات ثم ثورة الشعب الأيراني الشعبية ضد نظام الشاه التي تكللت بالظفر عام 1979 ، املاً للشعب العراقي بامكانية تحقيق النصر على الدكتاتورية رغم كل الصعوبات . . فانها لاتنسى نداءات قائد الثورة المظفرة الأمام آية الله الخميني ونداءاته في صدرنجاح الثورة، لدعم النضال العادل للشعب العربي الفلسطيني ومنظماته الشرعية وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية وقراراتها . .
ولدعم المظلومين في كلّ مكان، بغض النظر عن اللون والدين والقومية، واثارت قراراته الأنسانية في الظروف الدولية والأقليمية آنذاك انتباه وتعاطف الكثير من السياسيين والوطنيين * ، وخاصة في صيانة ارواح وممتلكات وحقوق الطوائف غير المسلمة في ايران ومنها الطائفة اليهودية. ليتغيّر منطق الثورة ووجهتها بالعدوان الظالم للطاغية صدام عليها، وباعلان قوانين الحرب والطوارئ التي اخذت تسود المنطقة، ثم بوفاة قائد الثورة.
وفيما فرح العراقيون بسقوط الصنم رغم الحرب وآلام تجرّعها، الاّ انهم صُدموا صدمات متتالية متنوعة، منها مواقف اكثر دول المنطقة، والقوى السياسية العربية التي لم تكن تبالي بجراحات الشعب العراقي باطيافه، بقدر شعورها بخسارة ولي نعمتها هي وخسارتها كوبوناته النفطية، وسعيها الهائل لأستعادتها والى المزيد منها، في وقت بدا العراق فيه بالأحتراق باخضره ويابسه.
لقد شهد العراقيون وهم مأخوذين، سلاسل الأرهاب والدمار والقتل الجماعي من النوع الجديد، الذي طغى حتى على المواقف الوطنية التي عبّرت عن رفض حالة الأحتلال. وفيما شهدت البلاد نزيف الدماء المروّع ـ وتشهد الآن بوادر تبشّر بانحساره ـ فانها شهدت محاولات ونشاطات محمومة لقوى واطراف اقليمية سعت وتسعى الى تحويل البلاد الى ساتر دفاعي لها، خوفاً من خسران آلية انظمتها، الأمر الذي قد يهدد مواقعها وبالتالي كراسيها.
وكان التعبير الأكثر وضوحاً لتلك المواقف، تعبير السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لمنظمة حماس الفلسطينية، في خطابه في " مسجد الكويتي " في دمشق آب الماضي، حين دعى الى ( عدم السماح بالأستقرار في العراق، لأن استقراره يهدد امن وسلامة سوريا !! ) والذي نشر في الصحف ووكالات الأنباء المتنوعة، وشكّل صدمة للغالبية الساحقة من العراقيين، الذين كانوا ينتظرون فسحة من سلام وحياة، بعد ثلاثين عاماً من ارهاب وحروب وحصار وتشرّد .
الأمر الذي شكّل ويشكّل ضربة قاسية لمشاعر العراقيين، الذين سيقوا في زمان الدكتاتورية بالحديد والنار والأرهاب والتعذيب، باسم القضية الفلسطينية والقضية العربية، وشكّل ضربة كبيرة لمشاعر تعاطفهم النبيل مع القضية الفلسطينية العادلة. لأنه اجج ويؤجج مشاعر خيبة وقلق من سلوك عدد واضح من قوى واجهزة ومنظمات واشقاء وجيران في المنطقة، تفرّجوا على محنة شعب العراق متنعمين، حين كان يذوق مرارات التشرّد والجوع وفقدان الطمأنينة والأمان، وحين تُرك لوحده يواجه اقداره ـ رغم عدد من المواقف الأيجابية تجاه معارضة الديكتاتورية لايمكن نسيانها ـ .
ويعبّر كثيرون عن عدم فهمهم لمغزى تصريحات الرئيس الأيراني الحالي، التي تأتي في زمان تواجه فيه بلاده الجارة ايران، مشاكل خطيرة مع المجتمع الدولي، بعد ان سارت في طريق سياسة الأصلاحات الداخلية، وتخفيف حدة بؤر التوتر في المنطقة والعالم في زمن الرئيس السابق السيد خاتمي وبطريق الدفاع عن الحقوق العادلة وفق موازين القوى الدولية والأقليمية، الأمر الذي اكسبها تعاطفاً وتقديراً كبيرين.
وان عدم فهمهم يأتي من ان تلك التصريحات تطلق في زمان يسير الشعب الفلسطيني فيه ومنظماته الشرعية على طريق الحلول السلمية، وعلى طريق الأنتخابات من اجل بناء سلطته الوطنية الفلسطينية وبدعم دولي غير قليل، في ظروف توازن عالمي معطياته ليست خافية المعالم .

(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  رغم النواقص والأخطاء التي كان قسم غير قليل يأمل بانها ستحل في مسيرة الثورة ومن خلالها.