| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الخميس 15/4/ 2010



 باقة ورد عطرة للبروفيسور كاظم حبيب

د. مهند البراك

بمناسبة حفل التكريم المقام للشخصية الوطنية و الماركسية المعروفة، الدكتور " كاظم حبيب " في عيد ميلاده الخامس والسبعين، حيث يحتفل اصدقاؤه و محبوه بالمناسبة في 17 نيسان الجاري . . و فيما اتقدم بأجمل التحيات و الأماني للدكتور حبيب بالصحة و بالمزيد من العطاء الذي علّمنا عليه، فإن الأحتفال بميلاده يحرّك الكثير من الذكريات العزيزة و الجميلة، اضافة الى ذكريات السنوات الصعبة . . و الحديث عن شخصه الكريم طويل و متنوع، متمنياً ان يكون حديثي عنه منصفاً . .

كان اسمه يتداول بكثرة و ببهجة بين اوساط الطلبة منذ اواخر الستينات، و خاصة بين طلبة الجامعة المستنصرية المسائية التي كان يدرّس فيها، حيث لم يكن هناك قسم صباحي بعد . . وكانوا اضافة الى اتخاذه كمرجع هام في العلوم الإقتصادية، اتخذه كثير من الطلبة و الشباب كقدوة في النشاط الإجتماعي ثم الديمقراطي و الجماهيري . . سواء بالجديد الفكري الذي كان يطرحه، او بتدريسه للمواد الجافة بأسلوبه الشيّق، و بالتالي بمظهره الأنيق . .
اضافة الى تأثير مقالاته الصادرة في " الثقافة الجديدة " ، المجلة الفكرية و الثقافية الدورية الصادرة عن الحزب الشيوعي العراقي و المستمرة بالصدور الى يومنا هذا . . المقالات التي اتسمت بالروح الجديدة و العملية و جمعت الإقتصاد بالسياسة بالمجتمع اضافة الى تحديدها الآفاق الممكنة والمتوقعة، و عكست اسلوباً منهجياً في التناول، اضافة الى خلاصات كانت تنير الكثير من المجاهيل . .

وكان يتداول اسمه بين اوساط الكوادر الطلابية اليسارية، باعتباره احد المشرفين على منظمات اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، و على عدة خطوط طلابية للحزب الشيوعي العراقي، في تلك السنوات، تاركاً تأثيراً محاكياً لتأثير شخصية الأستاذ الجامعي الديمقراطي اليساري في فلم زد (Z) (1)، الذي دار الفلم حول نضاله .

التقيت بالدكتور حبيب اواخر عام 1971 ، عند حضوري للمرة الأولى اجتماع لجنة توجيه النشاط الديمقراطي المركزية (لتندم) كعضو فيها عن الطلبة، التي كانت باشراف المكتب السياسي، و كان مكتبها آنذاك يتكون من د. كاظم حبيب و المرحوم ماجد عبد الرضا، و عضوية المناضلة بشرى برتو ، د. عبد العزيز وطبان ، الفقيد ابراهيم اليتيم . . اضافة الى ضيوف من هيئات مركزية متنوعة وفق النشاطات و طبيعة الظروف .

حيث كانت اللجنة تدير العمل الجماهيري في مجالات الطلاب و الشباب و النساء، المعلمين ، العاملين و النشطاء الديمقراطيين في النقابات المهنية و مجلس السلم، المعلمين الديمقراطيين، و تميزت اللجنة بحيوية و شمولية اجتماعاتها، و كان ذكر عضوها الشهيد احمد الخضري يتردد في كل تناول لنشاطات المعلمين الديمقراطيين، الذي اغتيل في آذار 1970 .

و بعكس ما اظهره لي حينها مظهر " ابو سامر "(2) الأنيق، و تركني احسبه للوهلة الأولى من (الأفندية او مناضلي الصالونات) وفق الوعي و تقييمات و تعابير ثوريينا في تلك المرحلة، خاصة وانه متزوج من اوروبية المانية . . الاّ انه كان و مايزال مناضلاً ميدانياً، يحاول سبر الحقيقة في مسار الأحداث الواقعية، ساعياً للمبادرة في تكوين رأيه، و للمبادر حقوق أعلى من غيره اذا ما ارتكب بعض الهفوات او الأخطاء، قياساً بالمتلقيّ و بالمُنتظِرْ .

و بعد ان ازدادت النشاطات الجماهيرية و توسعت و تنوعت . . تفرقنا كل في مجال. حتى سمعنا بخبر اعتقاله و تضييع اخباره من قبل اجهزة الدكتاتورية اثر التقرير الإقتصادي و خلاصاته الذي ادان سياسة الدكتاتوية و زيفها الذي كان مسؤولاً عن اعداده، و الذي نشر ضمن تقرير اجتماع ل . م للحزب الشيوعي في ربيع 1978 في ظروف تهيؤ و مباشرة الدكتاتورية باشرس هجمة على كل القوى الديمقراطية و الفاعلة في المجتمع، في وقت لم يكن زيفها و حقيقتها واضحين بعد لكثيرين في تلك الظروف.

لتمر الأحداث و تتوالى السنوات سريعاً ، ونلتقي في ظروف البيشمركة الأنصار في كوردستان، في النضال من اجل اسقاط الدكتاتورية، حيث جمعتنا مناقشات متنوعة في مواقع متعددة . . من مدرسة الكادر المركزية في بشت آشان (3) التي كان مديرها آنذاك، حيث القيتُ فيها محاضرات عن كيفية اسعاف و انقاذ الجرحى ـ تلبية لدعوته لي حينما كنت ماراً بها، في طريقي للنزول بمفرزة الى منطقة سهل اربيل عام 1982 ـ . . الى الإجتماعات الموسعة، ثم الى محاضراته الفكرية في موقع خواكورك التي كان يطرح فيها ملامح التفكير الجديد و ملامح التغييرات العاصفة التي بدأ يشهدها العالم، و ذلك اثر قدومه الأخير من الخارج، صيف 1988 . . حين اثارت طروحاته الكثير من النقاشات، في ظرف بدى فيه طرحه بنظر قسم مخلاً باعراف حزبية لكونه كان عضو مكتب سياسي للحزب، وقتذاك .
. . . .
و تمرّ الأحداث بعدئذ بشكل عاصف لا يمكن وصفه بسطور . .
. . . .
ففيما كان سقوط جدار برلين مدوياً . . فإن الإنتهاء المؤسف لدولة الإتحاد السوفيتي و تمزّقها بدل اعادة بنائها، الذي وجّه ضربة هائلة لحملة و مناضلي الفكر الإشتراكي، و للداعين للتنوير في عالمنا الشرق اوسطي، من جهة . . ومن جهة اخرى فإن الضربات المتلاحقة للدكتاتورية التي تزامنت معها في حينها على الشعب العراقي و احزابه و قواه المعارضة، من حلبجة و الأنفال و غيرها و تتالي الحروب ثم الحصار الجائر . .

التي تسببت بمجموعها و تفاعلها بتمزيق معارضة الدكتاتورية المنظمة، و اضطراب الأحزاب الوطنية العراقية و تبعثر قادتها و كوادرها و اعضائها، وادت الى حالة ضياع و اعادة اصطفاف واسعة، شهدتها كل الساحات التي عاشت على ارضها المعارضة العراقية آنذاك . .

في ظروف التمزّق و الضياع تلك، استطاع " ابو سامر " و بعد صعقة المفاجآت الأولى . . ان يواصل النشاط والعمل في مجالات لم يطرقها اليسار العراقي في السابق، رغم اجواء الشماته التي كان يواجهها الفكر الإشتراكي و اليساري و وجوهه، و استطاع و بالتعاون مع ديمقراطيين و يساريين و مستقلين عراقيين و عرب ان ينشئ المعهد العربي ـ الألماني، ثم منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية في المانيا و منظمة حقوق الإنسان العراقية، التي لم يكن النشاط فيها سهلاً لتثبيت اسس ديمقراطية فاعلة . . و التي عرّفت بواقع الإنسان العراقي و معاناته و حقوقه المهضومة بانواع طيفه ، في زمان الدكتاتورية الماضية . . محرّكاً بذلك وسط يساري ديمقراطي عراقي كبير، ليس في المانيا و حسب و انما في عدة دول اوربية، سواء بالتفاعل او بالتنسيق .

و فيما يواصل نشاطه في منظمات نصرة القضية الكوردية، و الدفاع عن الديانات و المذاهب في العراق، و نشاطه البارز في نادي الرافدين الثقافي العراقي . . فإنه يواصل البحث و الكتابة في الشؤون العراقية و العربية و الشرق اوسطية في الصحف و المواقع و دور النشر العراقية و العربية التقدمية، ككتب و مقالات . . من منطلق تنويري تقدمي علمي داعي الى التحرر و التقدم، و الى التحرر من الأفكار الطائفية و الغيبية، و الى الحقوق القومية العادلة للقوميات (الثانية عددياً) و للطوائف و الأقليات الدينية و العرقية، ومن اجل حقوق المرأة . .

لقد عاش و يعيش المفكّر و المناضل اليساري العراقي المعروف د. كاظم حبيب مسيرة حافلة بالأحداث و بالنضال من اجل مستقبل اسعد للعراق بالوان طيفه، مسيرة عاني فيها ماعانى، و رفض ما رفض من اغراءات متنوعة و حقق فيها ما حقق و يحقق، وفق قناعاته و اجتهاده اللذين عاش منسجماً معهما، في زمان انتهى فيه دور المقياس الواحد للتقييم، و تخلخلت اطر و استمرت اخرى على اساس التجديد و التجديد، ايضاً و ايضاً . . الذي فيما فهمه قسم من اليسار و الديمقراطيين و يفهمه قسم آخر، الاّ ان البعض قد لايفهمه، او يستوعبه على مقياس محدد، قد يكون مؤسفاً . .

مسيرة نادى و ينادي فيها بحرية الفكر و بحمايتها، و بحقوق الطبقات و الفئات الفقيرة و المحرومة ، و تكوّنت في معمعانها شخصيته و اسمه و بعد عقود من جهود في تأهيل نفسه وزيادة علمه وتعطشه للمزيد، جعلته يحمل التسامح شعاراً ، في مجتمعنا الذي تزايدت فيه العلاقات الإجتماعية تعقيداً و حدّة . .
التسامح الذي ينسجم مع ارادة انسان، يمتلك ذلك القدر من الصبر والتضحية وقوة الأمل والدعوة لها، انطلاقاً من معطيات واقع صعب كثير التعقيد، و في صراع مرير بين العاطفة المشبوبة و المبادئ والظروف المحيطة، و طموحه المشروع كأنسان مثقف و كمفكّر عراقي عربي و اممي في آن .

و لابد من الإشارة الى اننا بتواصل نقاشاتنا المفيدة التي نتفق فيها و نختلف، الاّ انني المس انها تزيد من المعارف و من انارة الطريق . . و وجدت فيه مرونة من يحمل المبادئ في الخضم الشائك، و معيناً باحثاً للأحداث المستجدة و ما ترافقها من افكار و رؤى جديدة في مسيرة الواقع العراقي الكثير التعقيد، يطرح مايفكّر به مخلصاً و بصوتٍ عالٍ و يتفاعل مع النقد و يستعد للمناقشة بما يحمل من قناعات متجددة . .
محافظاً على دفئه و حيويته و مبادرته بالتفقد و التشجيع و بالأستعداد للعطاء، و بخاصة لمن يجده جاداً و واعداً في مسعاه ، ناجحاً في الموالفة و فهم و ادامة التواصل بين النشاط الجماعي و الفردي، التي جعلت منه عامل تحريك و تشجيع و مواصلة دائم الحضور لكثير من الديمقراطيين و اليساريين . .

عرف د. حبيب الحياة و احبها، و ناضل و يناضل من اجل ان تكون اسعد . . و عاش و يعيش زوجاً رقيقاً و اباً طيباً مع عائلته الصغيرة . . و كنت ممن شهدوا مرافقة زوجته السيدة "ارمتراود حبيب" ايّاه للحياة في العراق في ظروف كانت حافلة بأنواع المفاجآت القاسية حين كانت أمّاً لطفلين، و حين كانت دؤوبة على تعلم العربية . . المرأة التي يشعر المرء انها و لابد بطيبتها و دفئها و اخلاصها لرفيق عمرها، شكّلت و تشكّل دعماً كبيراً ، شدّ و يشدّ من ازره في مسيرته و نضاله و صحّته و هو يبلغ عامه الخامس و السبعين .

و فيما يُشكر القائمون على دعوتهم و مبادرتهم الرائدة في اقامة الإحتفالية . . تكشف الإحتفالية باننا قد لانعرف قيمة مناضلي حرية الفكر، المناضلين ضد الظلامية و التخلف و من اجل غد اسعد للعراق باطيافه و بنسائه و رجاله . . الاّ بعد غيابهم او خسارتهم . ويطرح السؤال بقوة . . لماذا لانهتم بمفكرينا و رواد حداثتنا في غمرة نشاطهم و في عزّ حياتهم . . و الى متى يبقى الحَكَمُ بيننا . . الأبيض او الأسود ..

باقة ورد عطرة للمفكر العراقي الدكتور كاظم حبيب في ميلاده الخامس و السبعين
و اجمل الأماني بالصحة و بالمزيد من العطاء

 

15 / نيسان 2010

 

1. اشتهر ذلك الفلم في العراق في اواخر الستينات، لتناوله سلسلة حكم العسكريين المطلق و انقلاباتهم العسكرية في مواجهة الحركة الشعبية الديمقراطية في اليونان، و تسبب بخروج تظاهرات من كل دار سينما عرض فيها، حتى عمدت السلطة العراقية حينه الى منع عرضه. والفلم من بطولة ايف مونتان و ايرين باباس . .
2. الكنية التي عرف بها، على اسم ابنه البكر المهندس الآن . . " سامر " .
3. التي استفدنا من برنامجها و موادها بعد سنين، لمدرسة الكادر في قاطع اربيل، التي كنت مديرها عام 1984 .

 



 

free web counter