| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

الثلاثاء 11/5/ 2010



 العراق و المنطقة . . بين الآمال و الواقع !
(1)

د. مهند البراك

فيما شهدت منطقتنا تغييراتها الستراتيجية الكبرى و ظهور دولها و ادوارها، بتغيّر الستراتيجيات الفاعلة في العالم في اطار بحثها و تزاحمها و صراعاتها على الخامات و على اسواق لتصريف بضائعها و حمايتها من المنافسين . . التي اخذت تشكّل المقومات الأساسية لأمنها القومي .
و اضافة الى ما كان يطرأ على المنطقة من تغييرات من داخلها و ان كانت بطيئة ـ رغم تسارعها طيلة القرن المنصرم ـ فقد كانت تلك التغييرات تتحرك و لا تزال، و تُرسم من جديد على ضوء ما طرأ و يطرأ من تطورات على ثوابت المصالح القومية الدولية الكبرى لمرحلة ما، و على سياق تطورات الصراع الوطني، القومي الداخلي التحرري من جهة، و صراعات المنطقة بدولها و كياناتها فيما بينها ذاتها . . في تشكيلة متفاعلة متناقضة كثيرة التعقيد .
و على ذلك الأساس و في مرحلة العولمة الرأسمالية التي حررت رأس المال الكبير من قيود الحدود الدولية ، ظهرت و تظهر تطورات عاصفة جديدة تجتاح العالم . . اخذت تطرح مقومات و متطلبات جديدة لمواجهة التحديات من جهة، و لتحقيق المنافع الوطنية المحلية من جهة اخرى في ساحة صراع صار يشمل العالم . . لم تعد فيه القوة العسكرية لقطب ما لوحدها هي المقررة للنتائج النهائية او للحفاظ عليها . .
في ذلك المجرى الإقليمي الكثير التعقيد . . تكونت و تطورت مقومات جديدة في المنطقة على طريق ما وصف بتطوّر رأسمالية المحيط من جهة، و بسبب تزايد تشابك العالم و تفاعل المصالح المتنوعة المتناقضة المترابطة من جهة اخرى . . الذي جعل من العوامل و الآليات المحرّكة في المنطقة، لا تشبه الآليات التي كانت تحرّكها قبل نصف قرن او اقلّ . . و ان حافظت على جوهر الصراع و التفاعل بين الشرق و الغرب .
فالدول العربية لم تعد كالسابق دولا تابعة تبعية مطلقة او شبه مطلقة لقوى دولية بعينها، بل صارت لها شروطها، و كذلك حال ايران و تركيا و غيرها . . للأسباب اعلاه و لتراكم مردودات نمو تقسيم المصالح في انحاء العالم في المرحلة السابقة من جهة، و بسبب تراكم اموال النفط ـ خاصة لدى الدول العربية النفطية و ايران ـ و تطور استثماراتها و بيوتاتها المالية و التجارية و غيرها الفاعلة في عالم اليوم، من جهة اخرى . .
و بسبب تطور الفكر و العلوم والثقافة و تراكم الخبر لتزايد تفاعل العالم قياساً بما مضى، وتزايد حاجة الدول الصناعية الكبرى الى الأيدي العاملة الأرخص و عملها على تأهيلها سواء في بلدانها الوطنية ذاتها، او بأستقدامها ايّاها سواء بالإغراءات او بتوظيف الهجرات المتواصلة لشعوب شرق و جنوب المتوسط اليها باجور رخيصة . . او بنقل منشآتها الى تلك الدول او افتتاح منشآتها الأحدث فيها، كما في اكبر مجمّع عالمي اميركي ـ الماني لتقنية الكومبيوتر المقام في الهند، مجمّع صناعات مرسيدس بنز المقام في تركيا . .
من ناحية أخرى، لم تعد الإحتكارات النفطية الغربية الكبرى على وحدتها و احتكارها و فرضها السابق الأصم لشروطها بعد ان اهترأ النظام الإقتصادي العالمي السابق . . و برزت اتحادات و مساهمات و احتكارات اسيوية كثيرة القوة، قد تفوق تلك الإحتكارات قوة من نواحي متنوعة كالصينية و الروسية و الهندية و الكورية وغيرها، اضافة الى العربية و الإيرانية و التركية الكثيرة النفوذ و التاثير، ليس مالياً او ادارياً او تجارياً فقط . . و انما بادوارها العنفية (نظامية و غير نظامية) و بفعلها الموظّف للدين و المذهب و الطائفة، في ظروف المدّ الديني . . في المناطق الأكثر ستراتيجية للنفط الخام و الغاز و الطاقة، وللذهب و اليورانيوم و الماس . .
في وقت اخذت فيه سياسات تعامل الدول فيما بينها تأخذ شكل اجندة . . فهي تتفق مع بعض في عدد منها و تختلف و تتصارع في عدد آخر منها، تحت مظلة علاقات دبلوماسية طبيعية مستمرة. الأمر الذي يسري في منطقتنا ايضاً . فدول المنطقة تتعاون و تتخادم بينها في اجندة و تتقاتل بينها في اجندة اخرى سواء بادوات لايكشف عنها او بادوات مستعدة لتلبية الطلبات عند الحاجة مهما كانت، او بأزمات تتسبب بصدامات علنية تتوقف او تستمر وفق درجة تلبية المصالح المعيّنة . .
و صارت تنشأ لذلك تحالفات و اصطفافات لتلبية اهداف لقضية او مرحلة ما و تنتهي، لتبدأ اصطفافات جديدة على اهداف مستجدة، في تتالي يستمر . . في زمان يتزعم فيه مبدأ الربح على السياسات و المبادئ و العقائد و المواقف الأخلاقية . . و لايفسد كل ذلك للود قضية بينها !!
و فيما تتعدد اسباب عملية الإدارة الأميركية على انهاء دكتاتورية صدام بالغزو العسكري، يرى عدد كبير من المتخصصين ان الأميركان دخلوا العراق على امل احتكاره بثرواته لهم وحدهم من جهة، وكي لايقع بثرواته و تأثيراته الكبيرة المتنوعة اقليمياً و دولياً، بقبضة منظمة القاعدة الأرهابية بعد ان لجأ الدكتاتور الى اعتماد ما اسماه بـ " الحملة الإيمانية " لإدامة حكمه، اثر تصاعد اعتماد الدين كوسيلة لمعارضة حكمه الدموي .
و لمواجهة الأخطار التوسعية الإيرانية المتنوعة في المنطقة، التي بدا وكأن دوائر فيها تسعى لأستعادة دور اكبر و اوسع من دور شرطي الخليج السابق الذي اوكل لشاه ايران المنهار، بدون حساب ضوابط المصالح الإقليمية و مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، في احسن تقدير .
و يرى كثيرون ان فعل السفير بريمر، الحاكم المطلق الصلاحيات من قبل ادارة الرئيس السابق بوش الإبن في العراق . . فعله المدمّر او غير المحسوب بدقة بتعبير اوساط، على حلّ القوات المسلحة العراقية و الدولة، واعلانه حالة الإحتلال ـ التي لها ضوابط قانونية دولية في الحقوق و الواجبات ـ و التي وظّفها في اطلاق يده بالتصرّف بحياة البلاد كلها بارضها و شعبها و ثرواتها، دون رقيب قانوني معترف به و معترف بسلطته . .
قد تسبب بنشوء حالة فوضى غير مسبوقة ـ رغم تسميتها بالفوضى الخلاقة ـ جعلت كل اصحاب المصالح و المرتكزات الآلية و البشرية المستخدمة سابقاً او التي نشأت اثر او بسبب الغزو من دول الجوار . . جعلتهم ينشطون نشاطاً سريعاً لأغتنام الفرصة الذهبية سواء اقتصاديا وفي جانب كبير منه بالنهب، من نهب اموال نقدية و ممتلكات الدولة الغالية الثمن و بالسيطرة على مواقع و آليات تهريب النفط الخام . .
آليات التهريب ـ او الآليات شبه القانونية او المغضوض النظر عنها ـ التي كانت قد نظّمتها الدولة العراقية في زمن الدكتاتورية قبل انهيارها، لتسويق النفط الخام العراقي و استيراد السلع بسبب الحصار، والتي نشأت بسببها مئات المشاريع و الشركات الكبيرة و الصغيرة و حققت للقائمين عليها ملايين فلكية . . و التي عاشت و تعيش عليها عشرات آلاف عوائل عاطلين عن العمل منذ اواخر الثمانينات . . سواء في سوريا، الأردن، ايران و تركيا او في كل دول الخليج . . اضافة الى العوائل التي تعيش في الجانب العراقي من اقصاه الى اقصاه، حين كان النفط الخام العراقي يسوّق بكميات هائلة الى شركات وسيطة محمية و مترابطة مع الإحتكارات النفطية الدولية الغربية و الآسيوية . . لتحقيق ارباح خيالية خارج البورصات النفطية العالمية الرسمية .
و تسببت تلك الفوضى بدخول اعداد و مجاميع لاتحصى من كل دول الجوار بالتفاهم مع اوساط عراقية ذات نفس المصلحة في النهب . . مجاميع تسلّحت من ترسانة الدولة المنهارة التي تبعثرت اسلحتها و آلياتها في كل مناطق البلاد، تسلّحت لحماية رجالها القائمين على عمليات النهب و لحماية المنهوبات، وصارت جسوراً لأنواع النشاطات لمن يدفع اكثر .
و جسوراً لكل المجاميع التي نشطت لمواجهة " احتلال عسكري اميركي لأحدى ابرز قلاع المنطقة العربية ـ الإسلامية " على اساس ان ذلك رد فعل طبيعي اقرّته و تقرّه كل الشرائع البشرية عموماً و الإقليمية خصوصاً . . بل و اتفق به حتى الرئيس الأميركي السابق بوش الإبن . التي شجّعتها دوائر و حكومات المنطقة التي وجدت فيها فرصة ذهبية لتوجيه انظار معارضاتها الداخلية عنها ذاتها .
و ساندتها بكل الطرق المباشرة و غير المباشرة و بمختلف واجهات و امكانات اجهزة دولها التي لاتقلّ محلياً عن امكانات الولايات المتحدة و الجيوش المتحالفة الغريبة المتواجدة في البلاد . . ضاربة عرض الحائط بأن حق مقاومة المحتل مكفول لأبناء البلد المحتل و ليس لمن ليس من ابنائه .
و تمهدت سريعاً بذلك طرق و قواعد لأنواع منظمات الإرهاب الإقليمي و العربي و الدولي، التي تفاعلت و تخادمت مع كل ما امكن لتحقيق انواع الأهداف السياسية و العنفية و الإقتصادية، بشعارات التمييز الديني و الطائفي و العرقي التي خدمت و تخدم اغراض دولية و اقليمية و بالتالي داخلية . . داخل و خارج العملية السياسية التي تم الشروع بها منذ سقوط الدكتاتورية . . وسقطت بسببها و لاتزال ارواح مئات الآلاف من المدنيين العراقيين رجالاً و نساءاً و اطفالاً و شيوخاً . .

(يتبع)
 



11 / 5 / 2010


 



 

free web counter