نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

 

السبت 11 / 3 / 2006

 

 

 

الأزمة الراهنة !

 

د. مهند البراك

اسفرت نتائج الأنتخابات الأخيرة، وعدم الأتفاق على تشكيل الحكومة، بعد ثلاث سنوات على سقوط الدكتاتورية . . عن تزايد مريع لتدهور الأمن وعن تزايد الخوف والقلق لدى اوسع الأوساط، بعد ان تحوّل العراق الى ساحة حرب للقوى غير العراقية دوليا واقليمياً، ومحاولات كل منها جرّ العراقيين الى جانبها والى التخندق ومواجهة بعضهم البعض على تلك الوجهة.
ورغم الجهود الكبيرة التي بذلت وتبذل بين الأطراف العراقية، الاّ ان العملية التفاوضية طالت، ولم تصل إلى اتفاق حول التشكيلة الحكومية، ولا الى من يقود الحكومة، برنامجها المستقبلي و توزيع المسؤوليات. ووصلت المفاوضات إلى حالة ازمة. ويعبّر ابرز الأطراف عن ان الخروج من هذه الأزمة يحتاج إلى آلية تكميلية جديدة، من اجل لمّ شمل الجميع حول مائدة مستديرة.
آلية تؤمن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بما يضمن المشاركة في صنع القرار السياسي، المشاركة التي تكتسب معناها الحقيقي حينما تتاح الفرصة لمختلف الأطراف الأساسية، للمشاركة في صنع القرار السياسي، دون التجاوز على نتائج الأستحقاق الانتخابي . وان لا تكون مشاركتهم في حكومة الوحدة الوطنية شخصية، بل فعلية . . ومن شأنها أن تُؤمن آلية مشاركة الجميع في صنع القرار، الأمر الضروري لتحديد واجبات وحقوق ؛ الرئاسة، مجلس الوزراء و البرلمان، كلّ وفق الأختصاصات المثبتة له في الدستور.
في ظروف صارت فيها البلاد مسرحاً لمعارك غير اهلها، ولأعمال دموية لاتبالي ولا تقدّر آلام ومعاناة شعب العراق بكل اطيافه والوانه، ووسط سيادة اسلوب موروث تلقائي من دكتاتورية صدام المنهارة ومن اساليب استيلاء مكوّن واحد على السلطة بالعنف، وصارت اوساط واسعة فيها تقر الآن ليس بماهية مستوى الشارع فحسب وانما بماهية مستوى الأحزاب التي لم تتجدد ولم تحدّث منطقها وادائها بشكل عام . . في ظرف تغيرت فيه ظروف وحاجات البلاد، اضافة الى التغيّرات السريعة التي جرت وتجري في العالم والمنطقة.
وتسببت بمحاولات لم تعد خافية على انكفاء وركون كل جزء على ذاته ومحاولاته للحصول على شئ له او لوسطه الذي دعمه في مراحل مضت، دون النظر الى التغييرات العاصفة التي تعصف بالكل وبالتالي بوسطه ذاته، في محاولة لتفادي شرور قد لا طاقة له على المشاركة في تفاديها او مواجهتها، وعلى اساس الحكمة الشعبية المصرية (ابعد عن الشر وغنيّ له) او على اساس التعبئة بالمزيد مما دعى اليه وعبأ له في زمان النضال ضد الدكتاتورية او لتحقيق مكاسب ضيّقة او شخصية . . خاصة وان القوة العظمى تعمل لوحدها وتطلب من الجميع التفاهم ؟ وفق تصريحات متنوعة لعدد غير قليل من وجوه المرحلة، في ظروف عزّت فيها الشفافية والمصارحة، وسادت فيها درجة غير مسبوقة من منافقة الجماهير ثم الوقوف امامها عاجزاً.
واليوم وبعد ثلاثة سنوات على سقوط الدكتاتورية وتحول العراق الى ساحة حرب لقوى غير عراقية، تحاول كل منها جرّ جزء من المكوّن العراقي الى جانبها في صراعها، من اغراءات بدعمه لأستلام السلطة، الى التمويل والتسليح، الى تحطيم الأضرحة المقدسة وبيوت العبادة من جوامع وحسينيات وكنائس في ظرف لم تمر به البلاد من قبل في تأريخها الحديث، ولم تمر به دول الشرق الأوسط على عنف الصراعات المسلحة التي اشتعلت فيها سواءا حول القضية الفلسطينية او الحرب اللبنانية وغيرها، والتي لم يجرأ حتى شاه ايران ان يقوم بها رغم تهديداته لأيقاف المد الشعبي للثورة الأيرانية آنذاك.
ويرى محللون واقتصاديون، ان الملف العراقي هو الأكثر عنفاً لأنه يشكّل نقطة الصدام الأساسية في صراع رؤوس الأموال وبيوت المال العربية والأيرانية والأسرائيلية، المرتبط وثيقاً بالصراع الدولي الغربي ـ الغربي والغربي ـ الآسيوي على اسواق النفط والتكنولوجيا والسلاح من جهة. ووجهة صراع اقليمي تسعى لعرقلة استقرار العراق ذي الموارد الهائلة خوفاً من امكاناته التي تؤهله ليكون قطباً فاعلاً ومنافساً كبير التأثير في محيطه الأقليمي وفي بعده الدولي سواءاً في اسواق النفط واوبك او في اسواق الأستثمار والصناعة او بتأثيره الفكري والثقافي . .
وتعمل على تحطيم مكونات بنيته التحتية وتحاول الضغط وحرف الجهود الساعية لبناء الموقف الوطني العراقي على اساس الأستقلال ورفض منطق الحروب الأقليمية. وتحويلها الى جهود تعمل على جرّ العراق وتضييعه في الأزمة الأقليمية، وتحاول ابقائه على الحال الذي كان عليه في زمان الدكتاتورية، بتحويله من بؤرة لتصدير عدم الأستقرار، الى بؤرة تُصدّر اليها عوامل عدم استقرار الأقطاب الأقليمية، ولأبعاد الجهات الراغبة في الأستثمار فيه عنه، وابقائه في موقع التابع الأقليمي
(1) مهما كان الثمن وحتى ولو كان على اساس تحطمه على اساس طائفي، بلا مبالاة بارواح ابنائه وبناته وبامنهم وسلامتهم، وبمأساته التي تستمر منذ عقود طويلة .
ورغم تأكيد الواقع على عدم رغبة العراقيين بالأنجرار الى صراع بعضهم بعضا رغم مسلسل الجرائم المؤلمة الذي لاينقطع، لعلمهم بالمعاناة المأساوية لجميع الأطياف والمكونات، ولعلمهم بالهاوية السحيقة التي تحاول جهات متنوعة جرّهم وبلادهم اليها، فان الرعب ودوام التدهور المخيف يدلل على ان الأنتخابات ونتائجها لم تستطع ان تحل ازمة السلطة، في وقت لم تتوصل السلطة الأنتقالية فيه الى تحديد الأرهاب ولا الى الطريق الموصل الى تعريف وتحديد دور قوات التحالف والمدى الزمني للتواجد الأجنبي في البلاد.
وفي الوقت الذي لم يتم التوصل فيه الى تشكيل الحكومة الى الآن، رغم مرور ثلاثة شهور على اعلان النتائج . . ولكل ما تقدم وللتوصل الى حل من اجل :
ـ عودة الأمن وتفعيل دور الجماهير للدفاع عن حقوقها ومن اجل الرقابة على المليشيات المسلحة تمهيداً لحلّها او اخضاعها لقيادة القوات المسلحة الوطنية لوجستياً وعملياتياً .
ـ الشروع في تطبيق حلول لضائقة الخدمات والبطالة والفساد الأداري وانتشار المخدرات.
ـ بناء الأرادة الوطنية الموحدة على اساس التوافق، للشروع بتحديد اسباب وآلية والسقف الزمني لوجود القوات الأجنبية وحدود دورها ومسؤولياتها وبرمجة اسس انسحابها، ورفض المشاركة في مخططات تستهدف اشعال حروب اقليمية او تقع في الأراضي الأقليمية.
ـ انقاذ ثروات البلاد النفطية المهددة في البلاد وفي السوق العالمية لتكون اساسا للأستقلال الوطني ولحل الضائقة الأقتصادية لأوسع الفئات، وايقاف نزيف الطاقة وضياعها وتدهور حالتها .
مع الأخذ بالأعتبار عامل الزمن الذي لكل الظروف انفة الذكر لايجري لصالح البلاد، بوجود الأرهاب الأصولي وعصابات الجريمة ولغياب وجود حكومة . . على ارضية ماخلفته عقود طويلة من الظلم والوحشية والتشوه والحروب، في بيئة اقليمية لاتمد يد العون لأستقرار البلاد وكما مرّ.
ان يصار الى تشكيل هيئة عليا
(2) تحدد واجباتها بحماية تطبيق المبادئ الأساسية التي تم الأتفاق والتصويت عليها في بناء الحكم البرلماني الفدرالي التعددي، على اساس المبادئ الدولية للديمقراطية وحقوق الأنسان، التي تمّ الأتفاق عليها وجرى التصويت لها في مسودة الدستور، والتي شكّلت الخطوة الأولى على ذلك الطريق. وعلى اساس ان البرلمان اداة دائمة لأحتواء صراع كل المكوّنات وتوجيهه وبلورته على اساس الصالح الوطني، وليس اداة او وسيلة يستخدمها مكوّن ما للأستيلاء على السلطة وعلى بقية المكونات، من جهة.
ومن جهة اخرى، ان يكون على اساس كونه مجلس مصغّر لقادة الأحزاب والقوى السياسية العراقية ذات الفعل، على اساس الأستحقاق الوطني . . من اجل التوصل الى صيغة للتعامل المتكافئ مع التحالف على اساس المنافع المتبادلة وبلورة وصيانة الأستقلال الوطني. وان تبقى الى زوال الأرهاب والحالة الأستثنائية والبدء بالأعتماد على القوات المسلحة الوطنية وشروع القوات المتعددة الجنسية بالأنسحاب.
وهي آليه ليست شاذة او فريدة، او تشكّل خرقاً لنتائج الأنتخابات وانما آلية معمول بها في عدد بارز من الدول المتحضّرة منها المانيا الأتحادية، حيث تدعى بمجلس حماية الدستور " البوندس رات "، الذي يحق له ايقاف فعل القرارات التي تخرج عن مبادئ الدستور، او نقضها. وعلى اساس ضمان تلك الآلية يجري العمل في عدد من الدول الصناعية والبرلمانية العريقة بمبدأ مجلس اللوردات ومجلس العموم.
وهو امر موجود ومعمول به في الدول الأسلامية، في الماضي والحاضر، ففي الدستور اليتيم الذي دفعت به الأتحاد والترقي، صيغ البرلمان على اساس مجلسين، مجلس المبعوثان الذي سمىّ اعضاؤه على اساس الأنتخابات، ومجلس الأعيان (الشيوخ) الذي كان بثلث حجم الأول، تشكّل من اعضاء عرفوا بدورهم الوطني ومكانتهم السياسية والأدارية في اعمال الدولة ووزاراتها وخبراتها الضرورية التي لاغنى عنها .
(3)
ورغم اختلاف الآليات والظروف وتفاصيل تخص الواقع المختلف هناك، فان الأمر ذاته موجود في دستور الجمهورية الأسلامية الأيرانية، حيث تسمى هناك بـ " هيئة تشخيص مصلحة النظام " ، بعد ان رسى الأمر هناك على نظام ولاية الفقيه، الأمر الذي يحدد الأنتخابات ونتائجها وتغيرات المسيرة السياسية هناك بمدى عدم خروجها عن مبادئ الدستور الأسلامي، دستور ولاية الفقيه هناك .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الموقع الذي دفع صدام البلاد اليه بعد تبذيره ثروات وامكانات العراق وبيعها بابخس الأثمان للحفاظ على كرسيه .
(2) سمّاها عدد من السياسيين الوطنيين والمراقبين بـ " هيئة اهل الحل والعقد "، وسمّاها آخرون بـ " مجلس الأمن الوطني " .
(3) راجع بحث لنفس الكاتب " المجتمعات العربية . . قرن ونصف من الدساتير" المنشور في مجلة
" الديمقراطية " المصرية، العدد 19 ، 2005 . بالعربية والأنكليزية .