| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مهند البراك

 

 

 

                                                                                    السبت 10/12/ 2011



"الربيع" و الشباب . . اليسار و التمدن
(2)

د. مهند البراك       
 

لقد وجدت حكومات المنطقة المستبدة التي غلب عليها الطابع القومي المحافظ طيلة عقود . . وجدت بالقوى السياسية المتأسلمة خير معين لها في محاربة اليسار و الديمقراطية و الليبرالية . . حيث بقيت تحظى بالرعاية و التقريب و غض النظر و خاصة الإسلامية المعتدلة اللاعنفية منها ـ رغم مواجهات عنيفة جرت و تجري بينهما بين حين و آخر ـ ، الأمر الذي يساعد القوى الإسلامية اليوم على ملئ الفراغ الحاصل اثر سقوط حكومات الإستبداد السياسي الحاكم، بشرط عدم المس بجوهر تلك الأنظمة التي سقطت حكوماتها .

و فيما انتقدت وكالات انباء غربية دولية الرئيس اوباما بسبب خطابه في القاهرة في حزيران عام 2009 بدعوى أنه يهادن الإسلام السياسي في مصر، فان تلك الإنتقادات خفتت لأنه " بتخلصه من العجرفة الأمريكية المكروهه من شعوب المنطقة، استطاع تغيير الموقف الشعبي في مصر تجاه الولايات المتحدة، وسهّل على الحركات الإسلامية المارة الذكر إمكانية ان تظهر كحركات تعبّر عن الاعتزاز الوطني و القومي، وليس كحركات مناهضة للغرب. " وفق تعبير محللين غربيين . . ـ
عن الإندبندنت البريطانية / ايلول 2011 ـ .

و اعتبروا خطاب الرئيس اوباما ذلك بكونه بداية لمنعطف كبير في سياسة الغرب في محاولة لسحب البساط من تحت اقدام منظمة القاعدة الإرهابية و المنظمات الإسلامية المتطرفة . . حتى انه صار يقترب من ان يكون نهجاً لسياسة الغرب تجاه عموم المنطقة ـ وفق ملموسيات دولها ـ في المرحلة الحالية على الأقل، ان وافقت الحركات الإسلامية تلك على تحقيق ضمانات لأستثماراته و تحقيق عقود جديدة مع احتكاراته (1). . رغم تواصل شعاراته ـ الغرب ـ بالتلويح بالديمقراطية من جهة، و غضه النظر و تشجيعه لجماعات تسعى لأفشال البدائل الديمقراطية حديثة العهد او لجعلها تراوح بجمود في مكانها، من جهة اخرى . . مادام نفط المنطقة مستمراً على الجريان بأمان لصالحها كماً و نوعاً و اسعاراً و ارباحاً !!

و يرى خبراء و ستراتيجيون ان التطرف الإسلامي الطائفي الشيعي الإيراني يلعب دوراً كبيراً في عودة الولايات المتحدة للتعاون مع القوى الإسلامية السنيّة كالأخوان المسلمين بضمانات (2) بعد حساب حجم خسائرها في حربي العراق و افغانستان . . خاصة وانهم يشكّلون بتلك الضمانات، بديلاً (يمكن ان يكون مقبولاً) مدني ـ لاعسكري ـ (3) في الظرف القائم بتقديرهم، لمواجهة التوسع الإسلامي الإيراني الشيعي من جهة، و لقطع الطريق على تطور و نهوض التيار الثوري الديمقراطي و اليساري و الليبرالي النهضوي و منظماتها الاجتماعية المطالبة بالتغيير الجذري بفعل ربيع المنطقة الذي يتصاعد، من جهة اخرى . . و لدعم اهداف دوائر متنفذة لديها ـ الولايات المتحدة ـ في محاولتها اقصار الديمقراطية على الانتخابات و تغيير الرئيس دوريا، بدلاً من تحطيم النظام القديم و اقامة نظام برلماني مؤسساتي حقيقي قابل للتطور ديمقراطياً بدله . .

في وقت يرى فيه مجربون و كثير من الأوساط التقدمية في المنطقة بكون منظمة الاخوان المسلمين، عرفت بصفقاتها مع الانظمة المتوالية على الحكم ـ رغم انها لم تكن مجازة قانوناً قبل سقوط مبارك ـ، و عرفت بكونها جزء فاعل في النظام المصري السابق . . و بأن قادة المجلس العسكري لديهم نفس السلوك المحافظ المناوئ للتغيير، و يميلون الى الحكم خلف ستار، و يرى قسم آخر ان صداما قد يقع بين الإسلاميين و المجلس العسكري الذي لايقبل تسليمهم كل المقاليد . .

و فيما تحاول القوى الإسلامية من خلال مشاركتها المتأخرة في الإحتجاجات المدنية التي غلب عليها الشباب . . الوصول الى السلطة موظفة لذلك تشكيلها احزاب ذات طابع (مدني) كحزب "الحرية و العدالة" المصري، محاولة تقليد " حزب العدالة و التنمية" التركي ناسية ان الأخير يعيش على ارث المسيرة التركية الطويلة العنفية المعقدة و يواصلها، بانواع التجاوزات على الحريات الفردية و الحقوق القومية و الدينية التي لم يستطع ايجاد حلول لها، والتي لم تستطع تركيا بسببها ان تكون عضوة في الإتحاد الأوروبي رغم الحاحها المتواصل لحد الآن . . في وقت يحاول فيه رئيس الحكومة اردوغان تهدئة المشاعر الشعبية التركية باظهاره نشاطاً و تضامناً مع ربيع المنطقة ـ في اطار بحثه عن اسواق جديدة للبضائع التركية ارضاءً لبيوت المال فيها ـ . . خوفاً من انتشار عدوى الربيع الى الشعب التركي بقومياته و احزابه، خاصة بعد انتشار مثاله الى شباب الغرب (4).

و يرى العديد من المراقبين، ان النهوض الشعبي المتواصل في المنطقة الذي يشارك فيه بفاعلية شباب اليوم رجالاً و نساءً و الذي تغلب عليه مطالبات حياة اليوم في التمدّن و التقدم الإجتماعي ، رغم مواجهته لأنواع المخططات الإقليمية و الدولية للحد منه او لأبقائه في منتصف الطريق بانواع البدائل، كالبديل الإسلامي آنف الذكر . . قد قطع اشواطاً و دقّ اسساً قوية للمواصلة . .

فاذا كان سقوط مبارك مثلاً، قد لا يعني دخول مصر عهد ينهي النظام القديم و يبني الديمقراطية الآن، فإن الديناميكية و النهوض الشعبي المنتصر و دور الشباب و مشاركة المرأة الفاعلة و بروز قوى و تجمعات تقدمية و يسارية جديدة من نضالات الشارع، التي احدثت ذلك السقوط و تجذّر بها مفهوم الديمقراطية من الأسفل . . هو الذي يتمخض عنه تواصل المطالبات الجماهيرية في ميدان التحرير في قلب القاهرة، و يتسبب بتواصل و تزايد موجة احتجاجات شعوب المنطقة على الأنظمة المستبدة لذات الاسباب . .

من جانب آخر، فقد اثبت ربيع المنطقة ان بديل سلطة الإستبداد أن عجزت او انهارت بتأثير احتجاجات و اعتصامات الشارع ، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن السلطة ستسقط في يد من يستحقها . .
الأمر الذي يطرح بالحاح تحويل الشعارات و المطالب إلى برامج ملموسة تؤطرها و تتبناها أحزاب عصرية، فالإنترنت و تقنياته تحمل و توصل الوعي و تنشره، الاّ انها لايمكن ان تكون بديلاً لأحزاب و قوى ناشطة و تتعامل على الأرض (5).

و فيما يلمس كثيرون، تزايد انسحاب اوساط متنوعة من احزاب الإسلام السياسي، بسبب طروحاتها المتطرفة اللاواقعية في البديل المنشود للإستبداد، و بسبب فشل من بيده الحكم منها في تقديم بديل افضل من انظمة الدكتاتورية و الفقر و الخوف، و فشلها في بناء الدولة الحديثة التي تحقق لمواطنها تقدّم و امان و درجة من رخاء .
يرى آخرون ان وصول احزاب اسلامية للحكم تسعى لبناء دولة الخلافة الإسلامية او دولة ولاية الفقيه، مهما شجّعت على ذلك اقطاب متنفذة في المنطقة و العالم، فانها قد لاتتمكن من ذلك بسبب كل ظروف عالم اليوم و شبابه التي مرّ ذكرها، و بسبب النهوض الشعبي المتواصل في المنطقة . . حيث ستكون دهاليز حكمها معروضة على شاشات و اعلام كل دول و شعوب و منظمات العالم اليوم حيث لايدع الإنترنت و الموبايل و الفيسبوك و اليوتيوب اسراراً كاسرار السابق . . وهي حالة لاتحدث تلقائياً و انما في حالة تواصل اليقضة و الضغط و الفعاليات و الوحدة الشعبية من اجل التقدم.

و ان محاولات احزاب الإسلام السياسي الحاكمة في مراعاة اوضاع عالم اليوم، لن تؤدي الاّ الى تصدّع صفوفها هي في مواجهة التمدّن، اضافة الى تصدّعها المتواصل بسبب صراعات رجالها على المكاسب الفردية و اغراءات ماتقدمه كراسي الحكم لفئات دون اخرى، اضافة الى الصراع بين الفقراء و الأغنياء رغم مظلة الإسلام الجامعة لهم . . بسبب شيوع الفساد

(يتبع)

9/ 12 / 2011

 

(1) وقد وافقت على ذلك، وفق التصريحات الأخيرة لناطقين باسم منظمة الأخوان المسلمين " حزب الحرية و العدالة " في مصر و حزب النهضة الإسلامي المعتدل التونسي، اللذين حصلا اصوات عالية في إنتخابات البلدين .
(2) تتناقل وكالات أنباء دولية ان الضمانات التي يشترطها الغرب على القوى الإسلامية و يلقى منها استجابات هي: نبذ العنف كطريق للسلطة، امن اسرائيل، الإنفتاح الإستثماري على الغرب، و توجد ضغوط اوروبية تؤكد على ضرورة احترام الحريات ؟!
(3) حيث يعتبر الجيش المصري نفسه مثلاً، العمود الفقري للبلاد منذ اطاحة العسكريين بحكم الملك فاروق عام 1952 و استلامهم للسلطة و استمرارهم عليها .
(4) جرت المسيرة التركية على نهج مؤسس تركيا الحديثة المارشال اتاتورك الذي اسس لدولة علمانية اثر اعلانه انتهاء دولة الخلافة العثمانية، في ظروف وظّف فيها الصراع الدموي المرير بين الدولة السوفيتية الناشئة و دول الغرب الرأسمالية الإمبريالية آنذاك اثر شنّها " حروب التدخل" ضد الدولة الإشتراكية الناشئة . . حيث وظّف تسهيلاته التكتيكية للجانب السوفيتي لتهديد الغرب بها و تلويحه بالإنضمام الى السوفيات ان لم يزد الغرب من دعمه له، في غمار ثورات و انتفاضات القوميات و خاصة الأرمن و الكورد ضد النير الشوفيني التركي و انتفاضات و اضرابات الشغيلة التركية المتنوعة المطالبة بالإشتراكية . . مسيرة ادّت بمآسيها و محصلاتها الى قيام دستور علماني يحميه المجلس العسكري التركي الأعلى بتواجد قوات و ضمانات غربية متنوعة اهمها عضوية المجلس المذكور في حلف الناتو كاساس لحماية الدستور العلماني ـ راجع مذكرات مس بيل " صفحات من تأريخ العراق القريب"، " الأرشيف البريطاني عن تأسيس الدولة التركية" ـ .
(5) و يشبّه مجربون و خبراء عسكريون ذلك بالجيوش المتحاربة التي مهما كانت اسلحتها بعيدة المدى و تقنياتها عالية التطور . . الاّ ان الحسم النهائي للصراع هو بيد قوّات المشاة الميكانيكية المتواجدة على ساحة الصراع .



"الربيع" و الشباب . . اليسار و التمدن (1)

 

 

 

free web counter