| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ماجد لفته العبيدي

Majid.sha61@hotmail.com

 

 

 

 

الجمعة  8/ 12/ 2006

 

 

الخطاب الإعلامي والثقافي العراقي وتحديات الإرهاب

ماجد لفته العبيدي

منذ إن رحلت الديكتاتورية وهي تجر خلفها أذيال الخزي والعار , مرتكبة اكبر جريمة في تاريخ العراق القديم والحديث , فاقت في ذلك جريمة تسليم مفاتيح بغداد في العصر العباسي , عندما تخلى الخليفة العباسي عن الدفاع عن الخلافة العباسية , وجبن عن الدفاع عن وطنه واستسلم خوفا على حياته , ومثله أيضا فعل الديكتاتور صدام حسين المتشدق بالوطنية , فترك وطنه ينهبه المحتلون واختبأ في حفرة جرذ مذعور, بعد إن كان مستأسدا على شعبه العراقي .
منذ ذلك الوقت سقطت الديكتاتورية, وسقطت معها مؤسساتها اللاعلامية والثقافية, وخرج الشعب العراقي من طوق العزلة التي كانت تفرضه عليه , و من الحصار الجائر التي تفرضه عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها , ليقع في برثات الاحتلال والحرب الطائفية الكارثة , ليضاف حرب رابعة لحروب الديكتاتورية, ولتبقى كارثة العراق , (حرب تلد حرب أخرى ) , ولكن على الرغم من كل هذه الإشكالات والإرهاصات الجدية التي خلقتها الديكتاتورية والاحتلال معا للشعب العراقي , الاان أجواء الحريات النسبية التي أعقبت سقوط النظام الصدامي , سمحت بصدور مئات الصحف والمجلات التي فرضتها القوى السياسية والاجتماعية في ظل الأمر الواقع , ونشأت عشرات المؤسسات الإعلامية والثقافية , والعديد من القنوات الفضائية , وتعددت مراكز الخطاب الإعلامي والثقافي طبقا للتعدد مراكز القوى السياسية المؤثرة على الساحة السياسية , وظل الخطاب البعثي الصدامي , والتكفيري الطائفي , والطائفي والشوفيني والانعزال , يهيمن على مساحة واسعة من الخارطة الإعلامية والثقافية في ظل خطاب أعلامي ثقافي وطني واهن , جرى تهميشه من القوى الطائفية والانعزالية والشوفنية , بحكم امتلاكها للقوة والسلطة في الشارع السياسي العراقي , وكانت ملامح المشهد العام توشير إلى انقسام الخطاب الثقافي والإعلامي العراقي إلى قسمين:
الأول : الخطاب الذي يؤمن في العملية السياسية السلمية ويسعى للمشاركة في ظل تواجد المحتل , وهو أيضا متعدد الأوجه ويحمل رؤيا وتصورات مختلف , تتحكم فيه المحاصصة السياسية الطائفية , وضم قوى وأحزاب وتيارات سياسية ذات اتجاهات فكرية ومذهبية ولثنية مختلفة .
الثاني : يمثل الخطاب الإعلامي والثقافي للقوى المعارضة للعملية السياسية , والتي يؤمن بعضها في العنف المسلح والوسائل الإرهابية , ويحمل اغلبها اتجاهات إسلامية طائفية متطرفة وشوفنية صدامية , اما البعض الأخر فيعتمد النضال السياسي وتتشباك مصالحه مع الجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية والمليشيات ,ويطرح في خطابه الإعلامي والثقافي تبريرات للأعمال الديكتاتورية الفاشية الصدامية ,ويدعو للاستعادة الديكتاتورية زمام الامورمن جديد , أو قيام ديكتاتورية شمولية بلباس قومي _ ديني , ويتفق هولاء جميعا في رفضهم الكامل للعملية السياسية الراهنة بكل تفاصيلها , ويتمحور خطابهم الثقافي الإعلامي المشترك حول هذه القضية .
في ظل هذه التعقيدات التي تشوب الصراع السياسي , واتجاهات تطوره الجديد, حيث تلوح في الأفق بوادر الحرب الطائفية السياسية الغير معلنة , يتعرض المثقفون والإعلاميون إلى أكبر هجمة شرسة من قبل الجماعات التكفيرية والظلامية , سقط فيها مئات المثقفين حتى الان , من لم يقترفوا إي ذنب سوى دفاعهم عن وطنيتهم , و الخطاب الإعلامي والثقافي الوطني العراقي ,والوقوف بوجه الهجمة الظلامية والتكفيرية التي تجتاح بلادهم , وكان اخر ضحايا هذه الهجمة , الفنان وليد حسن والمخرج عبد الوهاب الدايني .
ولكن هذه الحملة العدوانية , لم تجعل المثقف يركن إلى النكوص ويترك مواقعه للطائفية والإرهاب , بل زاد ته عزما على المواصلة و المواجهة اليومية للأفكار الطائفية السياسية والشوفنية العنصرية والإرهابية التكفيرية , وجعلته بتماس أكثر مع واقع الحياة الاجتماعية , ووضعت أعماله الإبداعية والأدبية والفنية والفكرية على المحك المباشر للإحداث اليومية , ولم يتهيب المثقفون من اتخاذ المواقف الواضحة في ظل هذه التعقيدات السياسية , على الرغم من فقدان المرجعية الوطنية واختلال التوازن بين المثقفين الوطنين المسالمين , والجماعات الإرهابية والمليشيوية البلطجية المدججة بالسلاح ,وهم يعيون إن الدولة بضعفها الحالي وفقدانها السيطرة على زمام الأمور لن توفر لهم الحماية من رصاص الإرهاب الغادر ,وسوف يتعرضون إلى اكبر المخاطر في ظل التكالب الطائفي السياسي , وشيوع الشوفنية والانعزالية, ولا وطنية , والتكفير .
هذه الأجواء التي يعيشها الإعلاميون والمثقفون , حيث تشن ضدهم بعض القوى حملاتها المتواصلة , من خلال التشهير بهم عبر استخدام وثائق المخابرات وإلامن السابقة الأصلية والمزورة , لغرض إسكاتهم من خلال رسائل التهديد والوعيد الالكترونية , و مضايقتهم يوميا من قبل قوات الأمن والشرطة والمليشيات والجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة , بسبب تحذيراتهم من التدخل الإقليمي في العراق, وموقفهم من المليشيات والاحتلال, وانتقادهم للفساد والسرقة والفوضى والتكفير والتهجير والاغتيالات وغيرها من الإجراءات والأعمال اللااخلاقية والإجرامية , إضافة الى تعطيل عمل منظماتهم وأتحاداتهم الأدبية والفنية الإبداعية .
وكانت حصيلة مواجهة وتحدي الاعلامين والمثقفين للإرهاب والطائفيين , المزيد من التفجير والتفخيخ لمؤسساتهم الإعلامية والثقافية والعلمية , والاغتيالات والاعتداءات المتواصلة التي تطالهم في أماكن العمل والسكن والأماكن العامة , لمنعهم من القيام بدورهم الطبيعي في نشر الوعي العلمي التقدمي , لأن أعداء العلم والتقدم الاجتماعي , يخافون من انتشار الوعي بين جماهير الشعب , الذي يسهم في نهوضها للأخذ زمام المبادرة الإطاحة بأصنام الطائفية والإرهاب .
أن وهولاء يستهدفون المثقفين بصورة منظمة, لأنهم يدركون دورهم في رسم مستقبل العراقي , وسعيهم للإعداد الأجيال الجديد ة من المثقفين العراقيين , ليكونوا أكثر عازما على المواصلة والمثابرة و اخذ زمام المبادرة , للأحياء أعياد السبعينات الثقافية والفكرية من جديد , ولهذا هم مذعورون كالفئران من عودة المثقفين لممارسة دورهم الواعي الحضاري, ومواجهتهم وتفنيدهم للأفكار الطائفية والإرهاب .
إن قوى التخلف والظلام على الرغم من محاولتها إضفاء القدسية على خطابها السياسي الإعلامي و الثقافي , لكنها غير قادرة على مواجهة الحجة في الحجة , ومواجهة الأفكار العقلانية , بأفكار مثلها , لأنهم لا يملكون إلا الأفكار الحجرية والخشبية النقلية , وعجزهم عن المواجهة العقلانية السلمية , يجعلهم يلجؤن إلى الهجوم البربري من خلال مسلسل التصفيات المنظمة للمئات المثقفين, ووفق قوائمهم التي ورثوها عن النظام السابق , والتي سجل فيها حركاتهم وسكناتهم و حتى أنفاسهم , والادهى من هذا , إن من يقود هذه الحملة ضد المثقفين و يتصدرها هم نفس الأشخاص الذين كانوا شرطة للثقافة وجلادي المثقفين والشعب العراقي , هم أنفسهم الان من يقودون فرق الموت والتصفيات الجسدية , ولكن الفارق أنهم تخلوا عن الزيتوني , وارتدوا الأسود الذي يشبه قلوبهم , والأبيض القصير الذي يكشف عن عورتهم السياسية , وتصرفاتهم الإجرامية الوحشية .
إن هولاء يواصلون هجومهم على الثقافة الوطنية الديمقراطية ورموزها , عبر حملات التصفية السياسية التي تشارك فيه أطراف عديدة ومختلفة ,تريد إن تخلي الساحة الثقافية والسياسية من القوى الواعية والطليعية في المجتمع العراقي , وتسعى إلى تشويه المشهد الثقافي و الإنساني العراقي , لتفرض ثقافتها الشوفنية والانعزالية والطائفية , وتشريع قوانينها الوحشية وعنفها وإرهابها , فهي تعي ماذا تفعل !! وماذا تريد !!؟ تريد تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني الذي يحتمي به الإعلامي والمثقف الوطني الذي يقف في مواجهة هذا التراجع الثقافي والحضاري , و تريد القضاء على الذين يفضحون الطائفية السياسية المقيتة, ويتصدون للإرهاب الذي تمارسه هذه الجماعات بحق عموم ابناء الشعب العراقي .
كما أنهم يسعون عبر نشاطاتهم الإرهابية إلى إجهاض العملية السياسية !!؟ لكن هيهات إن يتحقق لهم ما يريدون , لأن ذلك يعني السير بالضد من مجرى التطور التاريخي, والوقوف في وجه التطور الطبيعي للبشرية والإنسانية , وهم لم يتعلموا من تاريخ العراق والإنسانية !! بأنهم لم يستطيعوا فل عزيمة المثقف والإعلامي الوطني العراقي الذي جربته الديكتاتورية الفاشية من قبلهم معه شتى الأساليب للاسكاته خلال 35 سنه الماضية , فحصدت الديكتاتورية الفاشية الفشل الذر يع , ولم تستطيع إن تثنيه عن مهماته ومسؤولياته التاريخية إزاء شعبه , على رغم من استخدامها جميع وسائل العنف والإرهاب الوحشية .
لقد استطاع المثقفون والإعلاميون , إن يعبروا عن موقفهم وأرائهم عبر أعمالهم الفنية والأدبية والصحفية ونتاجا تهم الفكرية , مستخدما أدواتهم البسيطة وإمكانيتهم الشحيحة لمواجهة الطائفية السياسية والإرهاب التكفيري , الذين يملكون حماته الإمكانيات المادية الوفيرة و ماكينة دعائية وإعلامية تقف ورائها الإمكانيات الهائلة للدول الإقليمية النفطية على وجهة التحديد , التي تبغي تحقيق أهدافها ومحاولاتها المسعورة لترويج الثقافة الطائفية المقيتة , وبذر الكراهية بين المكونات الاجتماعية والسياسية العراقية , ويصطف معها أيضا قوى عديدة تدفع باتجاه تقسيم العراق , وتمزيق هويته الوطنية , و تشويه ثقافته الإنسانية , والعمل على ترويج ثقافة العنف الطائفي والإرهاب والانعزالية والتقسيم و الحرب الأهلية , لذا ترى في المثقفين والاعلامين المجاهدين من اجل صيانة وحماية الثقافة الوطنية المتنوعة , من خلال أعمالهم الأدبية والفنية والصحفية والفكرية والسياسية , يتشكلون قوة غير منظمة تتصدى لهم بشكل مكشوف, وتسد الطريق على القوى السياسية والاجتماعية صاحبة المشروع الطائفي , ويدفعون من خلال جهودهم المتواصلة في عربة المشروع الوطني الديمقراطي إلى الأمام , للقوى الحريصة على وحدة الوطن والمخلصة لمصالح الشعب العراقي, ونفس الوقت يدفع موقف الاعلامين والمثقف المدافع عن الهوية الوطنية للشعب العراقي , كل القوى الخيرة للقيام بمهامها وتحمل مسؤولياتها الوطنية , في مواجهة القوى الطائفية والجماعات الإرهابية الرامية إلى نشر ثقافة الظلام والتخلف والعنف .
ويجتمع العد يدون من أعداء الثقافة الوطنية العراقية في جبهة واحد على الرغم من اختلاف مصالحهم , تحت يافطة جبهة اغتيال الثقافة الوطنية الديمقراطية وخنق الأعلام الوطني , فيقفون لهم المثقفين والإعلاميين الوطنين الديمقراطيين بالمرصاد, من خلال أعمالهم ونتاجا تهم الإبداعية , التي تسليط الاضواء على طبيعة الصراعات والحروب , وتنبيه إلى مخاطرها ونتائجها الكارثية , داعين إلى السلم الأهلي , والتآخي بين القوميات , وضمان الحرية للجميع دون تميز أو استثناء , وبناء خطاب ثقافي إعلامي ينسجم مع روح الوحدة الوطنية في العراق الاتحادي الديمقراطي .