موقع الناس     http://al-nnas.com/

أضواء على مشروع المصالحة والحوار الوطني


ماجد لفته العبيدي

الثلاثاء 27 / 6/ 2006

قدم السيد نوري المالكي مشروع المصالحة والحوار الوطني إلى مجلس النواب العراقي في يوم الأحد الماضي وحظي المشروع بتأييد جميع الكتل البرلمانية مع بعض الاعتراضات لهذا الطرف أوذاك على بعض مواد المشروع والذي يتكون من 24 فقرة حاول فيه أصحابه والفريق الذي أعده تقسيمه إلى قسمين :
# آلية المشروع والتي ضمت القوى التالية
1_ مؤسسات الدولة وأجهزتها التي تمثل الراعي التنفيذي للمشروع والقوة القانونية التي تقف خلفه عبر مختلف الإجراءات المتعلقة في التفاوض مع الجماعات المسلحة , وحل المليشيات وإطلاق سراح السجناء وإصدار العفو العام للتمهيد للمبادرة , ومنح التعويضات المادية والمعنوية للضحايا والمتضررين , والتنسيق مع القوات المحتلة لتنفيذ المشروع , إضافة إلى أنها الجهة الوحيدة المسؤولة مباشرة إمام مجلس النواب عن سير هذه العملية والإشكاليات التي تلازمها في التطبيق العملي على الأرض وفي ميادين الصراع المسلح والمناطق الساخنة .
2_ الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في العملية السياسية وحتى تلك التي تقف خارجها معنية جميعا في هذا المشروع المطروح من قبل الحكومة من مشاركتهما في اللجنة العليا أو على صعيد المحافظات مما يعطي للمبادرة مساحة سياسية واسعة للتحرك من خلال هذا الطيف الواسع من القوى السياسية العراقية والتي يشكل القسم الأكبر منها طرفا في الصراعات الدموية الطائفية الراهنة عبر مشاركتها المباشرة عبر أجنحتها العسكرية [ المليشيات , والجماعات المسلحة ] , أو علاقاتها غير المباشرة والداعمة لهذه القوى ماديا ومعنويا .
3_المؤسسة الدينية والتي لم تعد تقف اليوم على الحياد أو تساهم بشكل غير مباشر كالسابق في الصراعات السياسية ,بل اصبحت الأحزاب الدينية السياسية التي تسيطر على الأغلبية في مجلس النواب ذراعا سياسيا لهذه المؤسسة ويجري التنسيق معها في الكثير من الأمور ,بل هناك مرشدين روحين من رجال الدين للعديد من الأحزاب الدينية السياسية , وهم عناصر مؤثرة في قرارات المؤسسة الدينية , ولهذا فان المؤسسة الدينية معنية بشكل مباشر في هذا المشروع وتشكل بفعل الاصطفاف الطائفي أحد طرفي المعادلة التي يسعى المشروع لمد الجسور بينهما والتأسيس لحوار جدي بعيدا عن الحرب الطائفية الدينية السياسية غير المعلنة والتي بلغ ضحاياها إل 50 ألف ضحية وعدد المهجرين 160 ألف مواطن عراقي يعانون من ظروف صعبة لم تتحرك القيادات الدينية لكلا الطائفتين لعقد اجتماع مشترك للإصدار فتوى مشتركة تحرم الحرب الطائفية غير المعلنة وتحرم الدم العراقي وتجرم عصابات القتل على الهوية والاغتيالات والإرهاب والجريمة المنظمة , لهذا يطرح المشروع ضرورة تحديد جميع القوى ومنها المؤسسات الدينية موقفها الواضح من هذه القضايا .
4- مؤسسات المجتمع المدني هي أيضا معنية بالمصالحة والحوار بالرغم من إمكانيات المحدودة , فهذه المؤسسات هي عنوان التغيير الجديد والبديل الذي يمكن التأسيس من خلاله للمشروع الوطني الديمقراطي .
5- وضع المشروع أيضا مهمات على عاتق العشائر العراقية التي تملك اليوم جزءا من سلطة القانون بفعل عوامل عديدة لسنا بصدد ذكرها الان , ولكن المناطق الريفية والحواضر التي تخضع لسطلة العشائر بهذا الشكل أو ذاك تشكل اليوم الوقود البشري للجماعات المسلحة والمليشيات المسلحة , وتشكل أيضا القواعد الخلفية لكل الجماعات المسلحة بما فيها الجماعات التكفيرية والبعثوصدامية - سلفية , وقد خاضت هذه العشائر صراعات مع الجماعات الإرهابية المسلحة ومع القوات المحتلة التي تطاردها وتضررت منهما , مما جعلها طرفا من أطراف الصراع معنية بهذا المشروع وعملية تطبيقه .

# ولمشروع المصالحة مبادئ اساسية أجملها في 10 بنود اعتقد أنها أهم القضايا الأساسية وهي:
1- اعتماد الحوار الشفاف الصريح وإسناد المبادرة والتحرك عبر الشرعية الدستورية من خلال خطاب سياسي عقلاني .
2- إصدار عفو عام عن السجناء الأبرياء , ومنع انتهاكات حقوق الإنسان , وتحديد موقف واضح من الإرهاب.
3_ التعامل مع قضية اجتثاث البعث بشكل مهني وقانوني ومعالجة قضايا الوزارات المنحلة وتقديم العون المادي لهم والاستفادة من خبراتهم .
4_ تفعيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر القاهرة وإيجاد الغطاء والتضامن العربي لهذه للمبادرة ولكل التحركات المستقبلية للحكومة العراقية على الصعيدين العربي والدولي .
5- العمل الجاد والسريع لبناء القوات المسلحة وأعادة النظر في بناء القوات المسلحة على أسس مهنية ووطنية لأنها ستتولى إدارة امن العراق وتتسلم الملف الأمني من القوات المحتله [المتعددة الجنسية], وجعل القوات المسلحة غير خاضعة لنفوذ القوى السياسية المتنافسة وألا تتدخل في الشأن السياسي .
6- تفعيل القرارات لمساندة ضحايا النظام السابق وتعويضهم وتوفير الإمكانيات لتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في المناطق المحرومة في عموم العراق , وتعويض المتضررين من الأعمال الإرهابية والعمليات العسكرية والعنف .
7- تفعيل دور القضاء ومعاقبة المجرمين ، وجعله المرجعية الوحيدة في التعامل مع جرائم ورموز النظام السابق والإرهابيين وعصابات القتل والاختطاف , وعمليات الاعتقال والتفتيش تتم بموجب أوامر قضائية صادرة قبل المداهمة والاعتقال ، واعتماد المعلومات المؤكدة وليس الكيدية وبما لا يتعارض مع حقوق الإنسان وتكون العمليات العسكرية بأوامر رسمية.
8- حل مشكلة الميليشيات والمجموعات المسلحة غير القانونية ومعالجتها سياسياً واقتصادياً وامنياً ,و توحيد الرؤى والمواقف تجاه العناصر والمجموعات الإرهابية التكفيرية التي تعادي العراق والعراقيين .
9- البدء بحملة أعمار واسعة لكل مناطق العراق المتضررة ومعالجة مشكلة البطالة , والعمل على إعادة المهجرين إلى مناطقهم وتتولى الحكومة والأجهزة الأمنية تأمين عودتهم وحمايتهم من المخربين والإرهابيين وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم واعتماد سياسة أمنية حازمة تضمن حماية الناس وعدم خضوعهم للابتزاز والإكراه
10- إن ما أفرزته الانتخابات من برلمان ودستور وحكومة وحدة وطنية تشكل جميع هذه المؤسسات الممثل الشرعي الوحيد لإرادة الشعب العراقي في التعامل مع موضوع السيادة وتواجد قوات متعددة الجنسيات  .

أن القوى المؤثرة على تحقيق مشروع المصالحة والحوار , هي القوى الفعالة المؤثرة على الملف الأمني وعبر ممارساتها وأفعالها يتم الحكم على طبيعة الوضع الأمني واستقرار البلاد برمتها هذه القوى هي [ قوات الاحتلال , الحكومة العراقية , الجماعات المسلحة , المليشيات المسلحة ] و تختلف هذه القوى فيما بينها وتتفق أيضا بحسب اختلاف اجندتها السياسية وإستراتجيتها العسكرية وعلاقاتها المتشابكة مع الأجندة السياسية المحلية والعربية والاقليمية والدولية ومصا لحمها في بلادنا والمنطقة والعالم .
و القراءة الأولية لمواقف القوى السياسية والاجتماعية العراقية وفق ردود أفعالها المنشورة في وسائل الأعلام والصحافة تدل على أنها ذات اتجاهين متناقضين وهما:
أولا: هناك مجاميع سياسية من كلا الفريقين الطائفيين تراهن على جملة من القضايا الأساسية وأهمها , كلا الطرفين يريد الاحتفاظ بمكاسبه على الأرض وتحويلها إلى امر واقع يجري الحوار حولها ومن خلالها تتم المصالحة وهذه هي النقطة ذاتها التي تفجر الخلاف والوضع في مختلف أنحاء العراق , والحديث يجري اليوم عن بغداد باتت مقسمة كرخ سني ورصافة شيعي و نهر دجلة يفصل بينهما وحال الأقليات الدينية في كلا الجانبين لم يختلف في الاضطهاد عن بعضهما البعض , وتسعى هذه القوى أيضا إلى شرعنة المليشيات والجماعات المسلحة لانهما الأوراق الضاغطة لتحقيق المكاسب السياسية وهما أيضا السيوف والكواتم المحشوة للإطاحة بالرؤوس المعارضة لنهج الطائفية والتكفير والإرهاب والداعية لتأسيس مشروع وطني يضع العراق أولا نصب أعينه ويعتمد المواطنة في التنافس الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الشريف .
كما يحاولون أيضا أطلاق سراح المجرمين الملطخة أيديهم بدماء العراقيين تحت يافطة عفى الله عما سلف , وفي ظل عملية بوس اللحى الكاذبة التي تبقي على جمر الإرهاب والطائفية تحت الرماد لتشتعل ثانية مع هبوب الرياح الصفراء المسمومة .
إن هذه القوى ذاتها التي حولت العراق إلى مسلخ بشري وجعلت من مستشفيات بغداد ووزارة صحتها قصور نهاية على شاكلة قصر المقبور ناظم كزار السيئ الصيت .
وتحاول اليوم قتل العمال والكادحين بسيف أبو [ درع] في مدينة الصدر الذي هو نسخة ثانية من مسلسل صدام في السبعينات [ أبو طبر], وهي ذاتها من يوفر الغطاء لبقاء أبو أيوب المصري في فيافي الرمادي وإطرافها, إن هؤلاء غير معنيين في تحقيق المصالحة الحقيقة بين أبناء الشعب العراقي .
ثانيا : على الطرف الثاني تقف القوى السياسية الحقيقية صاحبة المصلحة الحقيقية في تحقيق السلم الاجتماعي , وهي القوى الوطنية والديمقراطية , العلمانية والدينية والاجتماعية وقوى المجتمع المدني الفتية التي ترى في مشروع المصالحة بديلها السلمي لمواجهة الإرهاب والفساد والمضي بالعملية السياسية السلمية إلى الامام , لهذا تدعو إلى التطبيق العملي لهذه المبادرة وتجريدها من الشعاراتية , عبر القيام بخطوات ملموسة مبنية على أسس قانونية تعتمد الدستور كأساس للحل الشامل لجميع القضايا مع الأخذ بنظر الاعتبار القصور الذي يعانيه الدستور ولكنه يصلح كقاعدة عامة لاتفاق الفرقاء على غالبية مواده وبنوده , وتعتبر هذه القوى مشروع المصالحة والحوار يصب في مصلحة الشعب العراقي لأنه يوفر المناخات الحقيقية للشروع بالأعمار وتطبيق برنامج الحكومة وسوف يشكل الأساس لحل الازمة السياسية الاجتماعية الاقتصادية الراهنة ويسد الطريق على عودة الدكتاتورية ثانية ويضمن التداول السلمي للسلطة من خلال خلق معادلة جديدة لتوازن القوى السياسية والاجتماعية , لهذا تعول هذه القوى على المشروع اذا تم التعامل معه وطنيا بعيدا عن المحاصصة الطائفية السياسية مما يضع إمام الدولة مهمة إشراك المواطن العادي في هذه العملية من خلال حمايته أوتوفير الحماية له و تسليحه لحماية مؤسساته الاجتماعية ابتداءا من العائلة وانتهاءا بالمجتمع والوطن الذي بات عرضة للنهب والهتك لكل من هب ودب .
ومن هنا تصبح مهمة القوى الحية في بلادنا صاحبة المصلحة في التطور السلمي للعملية السياسية , مهمة عسيرة جدا في تحويل مشروع المصالحة والحوار الوطني إلى مشروع جذري للتغيير في ظل توازن القوى الراهن , ولكن ذلك لايمنع من توحيد جهودها لدعم هذه المبادرة والاستفادة من أجوائها لتصعيد النضال الديمقراطي دفاعا عن الشغيلة والكادحين ولحماية حقوقهم ومنجزاتهم في استمرار العملية السياسية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم الاجتماعي .