| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ماجد لفته العبيدي

Majid.sha61@hotmail.com

 

 

 

                                                                                     الأثنين 27/2/ 2012



اتجاهات التجديد والتغيير في سياسة الحزب الشيوعي العراقي

ماجد لفته العبيدي

يطرح الحزب الشيوعي العراقي للنقاش العلني ، وثيقة الموضوعات السياسية التي تعتبر واحدة من أهم الوثائق التي سوف يناقشها مندوبو المؤتمر الوطني التاسع ، وتعبر هذه الوثيقة عن الرؤيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحزب الشيوعي العراقي وسياسته المستقبلية، ومواقفه من أسباب الأزمة العامة التي تمر فيها بلادنا، مع تصوراته للحلول الممكنة للخروج منها، وسبيل الإصلاح والتغير الديمقراطي الحقيقي.

لقد أنتظر الشيوعيون العراقيون ومعهم كل القوى الديمقراطية واليسارية العراقية هذه الخطوة الجادة، منذ المؤتمر الوطني الخامس لإعطاء مساحة أكبر للقواعد الحزبية والجماهيرية في مناقشة سياسة الحزب ، و المساهمة في صياغتها وتقييمها وتطويرها ، وتقييم طريقة عمل وأداء قيادته، بل كان لدى الأقلية في الحزب طموحات أكبر من ذلك ، لقيام قيادة الحزب بطرح وثيقة تقرير اللجنة المركزية للنقاش العام قبل إقرارها في اجتماعاتها الدورية، لاغنائها وتطويرها ولتأخذ طابعا جماهيريا ، وكذلك نشر تقييم علني لأداء العقل الجماعي المصغر بين المؤتمرين ، ليكون تقليدا جديدا للشيوعيين ، و قدوة لقوى اليسار والديمقراطية، ومثالا جديدا على الشفافية في العمل الحزبي وتجسيدا حقيقيا للديمقراطية الحزبية الداخلية .

إن طرح وثيقة الموضوعات السياسية بشكلها العلني للنقاش العام ومن قبلها الوثائق الأخرى ، يفسح المجال لكل المتقاطعين والمختلفين والمعارضين لسياسية الحزب ومواقفه، إن يتحاوروا معه وفق هذه الوثيقة ويدلون بدلوهم حولها، بدلا من استخدام سياسية التشهير والقذف وخلط الأوراق ، التي ينتهجها البعض بشكل منظم ،والتي لم تؤد إلا إلى المزيد من تشرذم قوى اليسار والديمقراطية .

ولا يختلف الكثيرون حول سعة الوثيقة وعرضها المستفيض لمختلف القضايا ، وقراءتها للإحداث والأشياء والظواهر وفق النهج الماركسي ، ولكن ذلك لم يمنع من تسجيل ملاحظتنا عليها ، حيث تفتقد الى تحليل اللوحة الطبقية الاجتماعية للمجتمع العراقي، وتحديد طبيعة الصراع الطبقي القائم بين الطبقات والقوى الاجتماعية في المرحلة الراهنة .

إن أهمية هذه القضية تكمن في معرفة الاصطفافات الطبقية وطبيعة الحراك السياسي الراهن واتجاهاته المستقبلية، وتسهم أيضا في تحديد طبيعة التحالفات السياسية والاجتماعية القائمة والمستقبلية وموقف الحزب منها ، وكذلك تساعد ايضا على قراءة أفاق الصراع الطبقي الناشب واتجاهات تطوره، و كل تلك القضايا تلعب دورا حاسما في تحديد طبيعة النظام السياسي وشكل بناء الدولة العراقية .

لقد عرضت الوثيقة إشكاليات وإرهاصات العملية السياسية الجارية بشكل واضح ومفصل ، ولكن غاب عنها تقيم مواقف الحزب وأدائه فيها وماهية الحصيلة العامة لمشاركته في السلطة ، والايجابيات والسلبيات التي شابت التحالفات السياسية والانتخابية ، وتحديد الأسباب التي دعت الحزب للانتقال للمعارضة السلمية .

كما تناولت الموضوعة شللية الدولة العراقية وعدم قدرة مؤسساتها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، و ضعف المؤسسات العسكرية والأمنية وعد م جهازيتها ومحاولة إضفاء طابع جهوي طائفي عليها ، والتي تشكل محور الأزمة السياسية العامة التي تعصف ببلادنا .

إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب أعادة النظر بمجمل العملية السياسية وفي مقدمتها إلغاء المحاصصة الطائفية ،ولكن ذلك لا يتحقق عبر التمنيات على القوى المتنفذة التي هي محور الأزمة إن تتخلى مصالحها الأنانية الضيقة ، ذلك يضع سياستنا في موقع يمين السياسية الإصلاحية ، لأننا ندرك إن تحقيق التغيير في أطار التطور الرأسمالي لا يمكن أن يتم من دون تبني سياسة أصلاحية ، ولذا نسجل على الموضوعات في هذا الجانب أنها قد صيغة بنفس إصلاحي وضع نفسه خارج الصراع الدائر ويخاطب القوى المتنفذة بشكل محايد ..!!؟

ويمكن أن نتلمس ذلك بدعوة الوثيقة إلى تغيير قانون الانتخابات كواحد من الامثله على هذا التصور ، فالدعوة موجهة إلى مجلس النواب الذي جاء على عربة هذا القانون، وعدد غير قليل من أعضائه حصل على عشرات الأصوات وفازوا بتزكية قوائمهم للعبور إلى كابينة مجلس النواب ، فهل يعقل في مثل هكذا تركيبة لمجلس النواب ، وفي ظل حكومة المالكي ، والتي تعارض تمرير أي قانون جديد للانتخابات وأي إصلاحات حقيقية للعملية السياسية ، كتغيير قانون الانتخابات وصياغة قانون ديمقراطي جديد !!؟ في الوقت التي صنعت هذه الأحزاب وخصوصا حزب السلطة وتحالفها الوطني هذه القوانين، وفصلتها على قياسها، وشاركها في صياغة تلك القوانين والتصويت عليها ، كل من التحالف الكوردستاني وتحالف العراقية وفق أجندتهما الرامية إلى بقاء نفوذ أحزابهم وتكريس سياسية المحاصصة الطائفية .

أن خيار الشيوعيين العراقيين ومعهم كل القوى الديمقراطية واليسارية لسياسية للإصلاح والتغيير المنشود ، لا يمر عبر يمين الإصلاح و لا عبر التطرف اليساري العدمي ، بل يأتي عبر تطوير أدواتنا لتحريك الشارع السياسي و معه الاغلبية الصامتة ،وتبني التحركات الجماهيرية في تحقيق مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية ، إي بمعنى أخر تجذير هذه التحركات الجماهيرية والتعويل عليها في أحداث الاصلاح والتغيير ، على الرغم من وجود أشكاليات جدية تواجه عمل ونشاط الحزب والقوى اليسارية والديمقراطية في مضمار العمل الجماهيري.

إن تحقيق خيارنا الثالث للتغيير الديمقراطي ، يتطلب الوقوف بحزم ضد محاولة تكريس الدكتاتورية الطائفية المرتدية عباءة ديمقراطية ، و ضد عودة الدكتاتورية الصدامية المقبورة، هذا الخيار للإصلاح والتغيير الديمقراطي ، لا يمكن تحقيقه بدون الحسم الكامل لخيارنا الرامي إلى الانتقال السلمي المعارض لسياسية المحاصصة الطائفية ، وهيكلة الحزب وتنظيماته لخوض هذا النضال وانتهاج هذا الطريق ، ورسم البرامج والخطط الآنية الرامية إلى تحقيق التغيير الديمقراطي الحقيقي المنشود.

من هذا المنطلق يتطلب أن تكون رؤية الحزب واضحة من تداعيات الصراع بين المركز والإطراف ، والتي تشكل حلقة من حلقات الصراع الدائر حول بناء الدولة العراقية ومستقبل الحكم الفيدرالي الاتحادي، في الوقت الذي يتجه هذا الصراع إلى اتخاذ طابع تناحري يهدد وحدة البلاد وسلامتها وأمنها وسيادتها واستقلالها الوطني .

هذا الصراع يضع الشيوعيين في موقف معقد يتطلب أيجاد التوازن بين ما هو وطني وما هو أممي ، وعدم النظر الى القضايا من وجهة نظر الحزب الشيوعي الكوردستاني المحكوم بالتزاماته القومية ، بل النظر إليها بمنظار الحزب الشيوعي العراقي ، ووفق سياسته الوطنية العامة .

لقد تناولت مسودة الموضوعات القضايا الاقتصادية والاجتماعية بشكل شامل ومدعوم بإحصائيات توضح الاسباب الكامنة وراء الازمة العامة التي تواجه البلاد ، ولكن غاب عنها الإشارة إلى تحالف البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الطفيلية ، اللذين يدفعان في اتجاه إطلاق سياسة السوق الحر المدمرة للاقتصاد الوطني العراقي ، ويدفعان في اتجاه تحطيم رأسمالية الدولة ، والإسراع ألجنوني في الخصخصة.

وتلقى سياستهما الاقتصادية الاجتماعية كل الدعم من قبل القوى الليبرالية الجديدة في البلدان الرأسمالية ، وتتمثل في توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والمتعلقة في هيكلة الاقتصاد الوطني العراقي ،وعلى الرغم من محاولات التطبيق ألقسري لهذه السياسة من قبل حكومة المحاصصة الطائفية، وبمساندة أحزابها المتنفذة، ألا أنها تواجه مقاومة محدودة من قبل الشغيلة والكادحين وسائر الطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة ، وترجع محدودية و ضعف هذه المقاومة، الى ضعف ومحدودية امكانيات قوى اليسار والديمقراطية ، وان البديل الافضل لسياسية السوق الرأسمالية الحرة ،هو سياسة السوق الرأسمالية الاجتماعية .

كما أشارت الوثيقة الى التحديات الثقافية التي تواجه اليسار والقوى الديمقراطية ، تحديات كبيرة جدا، بعد أن صبغت القوى الرجعية الظلامية والسلفية ، الثقافة الوطنية بصبغة دينية سياسية ، وألبستها هالة مقدسة ، وأعيد الصراع إلى الماضي السحيق في القرون الوسطي ، المتمثل بالصراع بين وجهة النظر الداعية إلى الدولة المدنية ، ووجهة النظر الأخرى الداعية إلى الدولة الدينية .

أن هذه المعركة ، معركة غير متكافئة لما تملكه القوى السياسية الدينية من إمكانيات مادية وإعلامية وروحية إنسانية تسخرها في حسم لصراع لصالحها، ويسهل لها المهمة الواقع الاجتماعي المتخلف الذي يساعدها على تمرير أجندتها الثقافية ، ويجعلها في البداية تكسب المعركة ، ولكن القضية الأهم في هذا الجانب هل تستطيع الحفاظ على هذا النصر حتى النهاية ، هناك أمثله صارخة على هذه التحديات مثل ( السودان ،ايران ، السعودية ) على الرغم من خصوصيات هذه التجارب.

لقد عالجت الوثيقة بشكل تفصيلي ثورات الربيع العربي وذهبت الوثيقة في الكثير من جوانبها إلى تلمس التحليل الصحيح للإحداث وتداعياتها ، ولكن الأهم بالنسبة لنا ماهية الدروس التي تعلمناها من هذه الثورات ، والتي أكدتها هذه التجارب وهي :
الدرس الاول : تشتت القوى الديمقراطية واليسارية افقدها الكثير من الفرص للاستعادة جزء من مواقعها في الشارع السياسي ، ومكن قوى الاسلام السياسي التي استفادة من فرصة المد الديني الراهن وظروفها الموضوعية والذاتية لتحقيق انتصارات فاقت توقعات القوى السياسية الدينية .

الدرس الثاني : لعبت دول الشرعية الوراثية ( قطر ، السعودية ، وباقي دول الخليج ) دورا حاسما وفاعلا بالتحالف مع الامبريالية العالمية وشركاتها العابرة للقارات ،باحتواء ثورات الربيع العربي والاستفادة منها لترتيب الخارطة الجيوسياسية بما يضمن تمرير مخطط السوق الشرق أوسطي الجديد، الذي يخدم مصالح إسرائيل وتركيا ودول الخليج في مقدمتهم قطر، والولايات المتحدة وحلفائهم الامبرياليين .

الدرس الثالث : لقد أدت هذه الثورات من دون إرادتها إلى تقزيم الصراع الطبقي الاجتماعي وتحويله إلى صراع قبلي وطائفي ، بعد تحطيم الدولة وظهور القبيلة والطائفة ومكونات ما قبل تشكيل الدولة كبديل للأداء وظائفها الاجتماعية ، وبدل من استعادة السيادة الحقيقة لهذه الدول والشعوب ، فقد جرى تشديد استعبادها بشكل شمولي من قبل الامبريالية المعولمة .

والدرس الرابع : اتجهت القوى والأحزاب السياسية الإسلامية إلى تكريس سلطتها والارتداد عن وعودها والانقلاب على شرعية القوانين الحقوقية السابقة، بل استخدمت الموروث الرجعي للأنظمة المنهارة في قمع القوى الوطنية والديمقراطية ومصادرة الحريات العامة والخاصة.

الدرس الخامس : أكدت هذه الانتفاضات والثورات التي حدثت في العالم العربي من المحيط إلى الخليج ، إن قوى التحرر والديمقراطية تملك إمكانيات ثورية هائلة وطاقات لازالت لم تستخدم ، وأنها أفرزت قوى جديد تخطت القوى التقليدية التي بات عليها أعادة حساباتها والنظر في طرق عملها وأساليبها ووسائلها للحاق في ركب تطور الحركة الثورية الشعبية ، وإن لا خيار لتحقيق الإصلاح والتغير إلا في استمرار التحركات الجماهيرية المدافعة عن مصالح الشغيلة والكادحين وسائر الطبقات الاجتماعية الأخرى المناضلة من اجل التقدم الاجتماعي والديمقراطي والعدالة الاجتماعية .

 

 

 

free web counter