نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ماجد لفته العبيدي

Majid.sha61@hotmail.com

 

 

 

 

الأربعاء 24 / 5/ 2006

 

 

 

اليسار وكتابة التاريخ !!؟

 

ماجد لفته العبيدي

تعتبر مهمة كتابة التاريخ واحدة من أكبر المهام الشاقة في تاريخ البشرية لما فيها من أحداث وشواهد وأعمال متناقضة ومتقاربة ومتباعدة مما يجعل الخوض فيها عصيا على الكتاب والباحثين من دون اعتماد الموضوعية والواقعية باستخدام الوثائق والمستندات والحفريات الأثرية والبحث عن كل الشواهد المتعلقة بالأحداث ومجرياتها وأعتماد الشفوي المحكي والتحريري المكتوب للاسناد تلك التحريات عبر عشرات الشهادات والوثائق بما فيها الأعمال الأدبية والفنية التي تشكل التصوير المكثف لسيره التاريخية والتوثيق الفني للإحداث والأشياء والظواهر بهذا الشكل أو ذاك, واليسار كغيره من الحركات الاجتماعية السياسية لا يبتعد بهذا الشكل أو ذاك عن هذا المنهج الأكاديمي المعمول به والذي يجري من خلاله الكتابة عن التاريخ القديم والحديث, ولكن اليسار وخصوصا اليسار في العالم الثالث وبالتحديد يسارنا في المنطقتين العربية والشرق أوسطية فاته الكثير والكثير في هذا المجال وخسر الكثير من المصادر والوثائق والحفريات التي جرفتها الشواطىْ وبددتها رياح الإرهاب والقمع وطمرتها رمال السجون الصحراوية وجمدتها السراديب الباردة المظلمة المبلولة لدوائر المخابرات والأمن والشرطة السرية في فترات النضال السري وتحت ظل الأنظمة الإرهابية الديكتاتورية والاستبدادية التي حاربت اليسار وقواه السياسية بعنف ووحشية تحت يافطة معاداة الشيوعية واليسار بشكل عام والتعامل مع هذه الحركة الاجتماعية السياسية التقدمية كجسم غريب ومستورد وممنوع من قبل المؤسسات الدينية والحكومية الرسمية التي أصدرت عشرات القوانين والقرارات التي تمنع تناول هذه التجربة الإنسانية في بلدانها وتحريم توثيقها في المؤسسات العلمية البحثية , مما دعا العديد من الكتاب والباحثين على اعتماد وثائق اجهزة المخابرات الدولية والمحلية كجزء من مصادر التوثيق , وعلى الطرف الأخر ظلت جميع الأحزاب والمنظمات والحركات الاجتماعية ترفض توثيق تاريخها أو تمنع توثيقه خوفا من استغلال الأنظمة الحاكمة للا أستخدامه كوسيلة للدعاية المعادية واعتماده كمادة للأجهزة الأمنية لكشف أساليب ووسائل و طرق عمل اليسار وأعتمادها كوثيقة جرمية
ووثائق أدانة ودلائل وقرائن للاثبات التهم الواهية المسندة لمناضلي الحركة اليسارية وقادتها في أروقة محاكم أمن الدولة والمحاكم الخاصة وتوجيه لهم ضربات ممية هنا وهناك على ضوء ذلك , إضافة للظروف والإمكانيات التي تعمل بها وتحتها هذه الأحزاب التي كثيرا ما استخدمتها القيادات التقليدية الرافضة للتجديد من موقع تصدرها للمهام القيادية في رفض كتابة التاريخ بشكل واقعي وموضوعي .
وبما أن الزمن يجر قطار التاريخ الذي يسير بسرعة هائلة ويدفع بصيرورته وفق قوانينه الخاصة التي تحددها المكانية والزما نية , فانه ليس لديه الاستعداد لتوقف ليسمح للمترددين والحالمين والمنتظرين ,إن يختاروا اللحظة المحددة وتوقيتها الزمني ليبدؤا في تدوين وكتابة ما لديهم من شهادات واراء وتقيم لعمل اليسار وحركته بعد فوات الأوان , ومن هنا يأتي القصور الذاتي ويتبعه الظروف الموضوعي الذي هو أشد وقعا من سابقه , فنرى مرة يستشهد الرجال من حملة الكنوز الفكرية والسياسية والصانعين لجزء من هذا التاريخ أمثال الرفيق الخالد فهد وفرج الله الحلو وشهدي عطية وسلام عادل وعبد الخالق محجوب وهاشم جواد وعبد الفتاح إسماعيل وحسين مروة ومهدي عامل وأبو علي مصطفى وجورج حاوي , وتارة أخرى يضيع التاريخ بين غياهب السجون أمثال رياض الترك وصفاء الحافظ وعايدة ياسين وناصر السعيد و أحمد سعدات وآلاف مثلهم من قادة ومناضلي اليسار الذين رزحوا عقود من الدهر في سجون أبو زعبل والمزة أبوغريب وسجون المغرب العربي والخليج العربي والسجون التركية والايرانية والإسرائيلية , بينما رحل الآخرين بصمت بعد أن أثقلتهم عجلة الزمن بزحمتها وتراكضها وأخذت منهم غربة الوطن والغربة خارجه الكثير ولم تفل من عزيمتهم ومواصلتهم النضال من أجل أنتصار العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي , أمثال أحسان طبري وزكي خيري وعامر عبدالله وكان للعديد منهم أنجازنتهم التي خلفوها لتوثيق نضالات حركة اليسار, بينما بقي الكثير منهم صامتا للأسباب مختلف فحمل معه كنزه في صندوق مقفل حتى مثواه الأخير , وبقية الكثير من المحطات والمواقف والقضايا مجهولة من تاريخ اليسار فعلى سبيل المثال لا الحصر علاقة الاحزاب اليسارية التي أستمرت لأكثر من ربع قرن مع الكومنترن تفقد المكتبة العربية والشرق أوسطية الدراسات والبحوث والكتابات الموسوعية حولها وكذلك هي الحال بعلاقة هذه الأحزاب بالبلدان الاشتراكية , وتجارب النضال المسلح في ظفار والصحراء الغربية وأهوار الجنوب وكوردستان , وتجارب المنظمات الديمقراطية الثورية [منظمة فدائي الشعب الايراني , والجبهة الشعبية والديمقراطية الفلسطينية , وجبهة التحرر البحرانية ...ألخ ], إضافة إلى تجارب منظمة الشيوعية العربية ومنظمة العمل الشيوعي اللبناني ,وتجارب الماويين في موريتانيا , على الرغم من وجود من ألاف اليسارين الذين عاصروا هذه التجارب فلازالت المكتبة اليسارية خاوية من مساهماتهم .
أن الإشكالية العصية التي يعاني منها اليسار لاتوجد لديه مؤسسات أبحاث ودراسات أكاديمية تعنى بهذا الجانب وهذه الأحزاب تعتمد على الجهود الفردية في تدوين تاريخها مما يجعلها مجزئة ومجتزئة معبرة عن رؤى شخصية تطل من كوة صغيرة على تاريخ حافل في التضحيات والبطولات الفردية والجماعية وتشكل جزء أساس من التاريخ الإنساني العام , ولايوجد عيب في ذلك ولكن الدراسات والأبحاث والكتابات تصبح ذات رؤى غير متكاملة لتوثيق الإحداث, مما يضع على عاتق القوى اليسارية اليوم مهمة الاستفادة من فترات الانفتاح النسبي الراهنة في بعض البلدان العربية والشرق أوسطية لدفع المقربين من اليسار وأصدقائهم للاستفادة من مؤسسات البحث الأكاديمي للبحث في تاريخ ومستقبل حركتهم وتوثيقها, لتوضع  مثل هذه الدراسات والأبحاث بين ايدي الأجيال المقبلة باعتبارها جزء هام من تاريخ الشعوب المناضلة من أجل التحرر والاستقلال والانعتاق ,أيا ترى هل تستطيع قوى اليسار فعل ذلك !!؟ أنه تساؤل مشروع نترك الزمن يدلنا على أجابته كغيره من الأسئلة الأخرى المقلقة والمحيرة والمطروحة للبحث والدراسة منذ أكثر من نصف قرن ولم نجد لها جواب!!؟


خلاصة الكلام :

مقالي هدية إلى الفنان المبدع الذي يدعوا إلى كسر أرجل من يمنعوا كتابة تاريخ اليسار , دعوة مستجابه !!