موقع الناس     http://al-nnas.com/

عزيز السماوي ... شاعر القصيدة الشعبية الملحمية المبدع

 

ماجد لفته العبيدي

الاربعاء 14 / 6/ 2006

يعتبر عزيز السماوي واحد من اعمدة الشعر الشعبي العراقي الذين اضافوا للقصيدة الشعبية العراقية اضافات جديدة ,عبر قصائده الملحمية التي جسدت تأثره منذ الصبا في الاجواء الشعرية والفلكلورية الشعبيه والطقوس الدينية المختلفة , ومنذ ان شق عزيز السماوي طريقه كشاعر شعبي في 1965 اثناء دراسته في معهد الهندسة التطبيقية العالي في جامعة بغداد , كان يتلألأ في سماء العراق نجوم شعرية انارت سماء العراق واسست للقصيدة الشعبية المعاصرة , من امثال رواد القصيدة الشعبية مظفر النواب وعريان السيد خلف وزامل سعيد فتاح وكاظم الركابي وكاظم السماوي وشاكر السماوي وعلي الشباني وكاظم اسماعيل الكاطع وطارق ياسين واسماعيل محمد اسماعيل وابو سرحان وغيرهما , وذكر هؤلاء الشعراء على سبيل التحديد لانهم من الشعراء  .
ولكن الذي ميز شاعرنا عزيز السماوي كتابته للقصيدة الملحمية التي سجل حضوره فيها في ديوانه الاول مع عدد من الشعراء العراقيين الشعبيين [ قصائد للمعركة ] 1968 والتي كتبت قصائده تضامنا ودعما للثورة الفلسطينية , ثم اصدر ديوانه الثاني 1970مع شاعرين مبدعين من الفرات الاوسط الاول الشاعر على الشباني والشاعر الغنائي طارق هاشم بعنوان [ خطوات على الماء] .
ويعتبر عزيز السماوي شحيح الانتاج الشعري وغني الابداع فله ثلاثة دواوين[ اغاني الدرويش 1973, لون الثلج والورد بالليل عام 1980 , النهر الاعمى 1995 ] بين عام 1973 الى عام 2001 - 8 حزيران حيث فارق الحياة دون ان تتكحل عينه بالعراق ودفن في لندن عاصمة الضباب.
ديوانه النهر الاعمى , واحد من اهم الدواوين الشعرية التي كتب قصيدته الاولى حزيران 1980 بعنوان [ هموم عراقية ] يقول الشاعر فيها :
اهيس جرحي
بجفوفك ..
جمر ينباس
خيط الدم
يروح ابعيد
يمتد ابطول الفرات..
ابعيد
ان الصورة الشعرية التي يرسمها الشعار تجسد حالة صراع الانسان وتضحيته وهي محاورة بين الشاعر وحبيبته عبر صور شعرية مختلفه , تحضر فيها الحبيبة والوطن والدم والخيول والاطفال والحمام , محاولا عبرهذه الاسماء رسم صور جيدة تتجاوز الاطار الخارجي لمعنى الكلمات لتغوص في اعماق محتواها لتحل رموزها وطلاسمها اللغوية .
وفي قصيدة [ نشيد الريح ] في ديوان النهر الاعمى , يحاول الشاعر رسم صورة الوطن الوجدانية عبر صورة شعرية ملحمية ترسم خوفه على الوطن الذي يشكل وحشته في الغربة :
وطن
وطن
دخن دم بصابيعي دم
ياهو العلم انهارك على الذله
غضب كلش فراته .. او دم صرخ ..دجله
كبل الغبشه ..مهر الليل .. يخطف بالدمع كحله
علمني ليش الهجر .. وكت الوصل يحله
احلم بيك وتسله
وفي قصيدة اخرى يشدوا الشاعر فيها لمدينته الديوانية التي ترعرع فيها الشاعر في شبابه وصباه وتأثرفي اجوائها وشخصياتها :

اخ ..
لا ظلمة تضحك بعد
لا...ولا...
ليل الديوانية .. كَمرها ..ايعود
مذعور الشعر درويش عنيد او ياخذ الظلمة لهب ويزيد
عالماي انكتب اسمه ..عزيز ..ابكل حلم موجود
يهيم الصوت بجفوفه ..اغاني .. اتفز عليها .. انهود
او يطيح اردود
نزيف اعله الرصيف
او نهر ممدود

لقد استخدم الشاعر عزيز السماوي التشبيه بشكل واسع في قصيدته الشعبية ليغير من خلاله محتوي الاطار الخارجي للجملة الشعرية للتعطي معنى وتبدوا غريبة بعض الشئ للقارئ والمتذوق للشعر الشعبي مثل قصيدته [ صهيل الاصابع ] :
ظلمة ..ابلا وطن .. بس كَلي وين الكَاك
اهد اجفوفي ..بالغربة .. حمامة امن الفرح .. لهناك
نجمة .. ابلا صبحْ ..ذكراك
وين الكَاك ..؟
ان الشاعر عزيز السماوي كان يملك مواقف انسانيه تهزه كثيرا مصائب شعبه , كتب في قصيدته [ جبل الاحلام ] وهذه القصيدة تشبه الفلم الوثائقي في تصويرها للمأساة حلبجة الشهيدة:
صلًيت الحلبجه او جن ً اجفوفي عرًَك من نار
حِزين الجبل يتنفس سموم العار
كل شهكَة طفل
صوت
او ذبح
غدار
صراخ الناس .. بالظلمة
نجوم
امن الغضب والنار
ليس لهذه المقاطع الموجزة ان تغطي مسيرة شعار امتدت لفترة 36 عاما عاش فيها انسان مناضل من اجل العدالة الاجتماعية عاش 21عاما في ديار الغربة مطارد كغيره من اليساريين والديمقراطيين والوطنيين العراقيين , ويترك الشاعر انطباعا لدى القارى و المتتبع للشعر الشعبي والنقاد الكثير من الانطباعات التى يجسدها الشعار في قصائده وهي محاولته الجادة لتأسيس لمفهوم جديد للشعر الشعبي بالخروج من فناء القصيدة المحكية الرومانسية المقطعية الى فناء القصيدة الملحمية التي حول فيها الممازجة بين اللغة الدارجة واللغة الفصحى , محاولا عبر بنائه الداخلي للقصيدة الشعبية ان يرسم اشكاله التي لونها في اللون الاحمر [ الدم] والاسود [ الظلمة] والازق والاخضر اللذان يمثلان دورة الحياة وامل المستقبل .
تميز الشاعر عزيز السماوي بشفافية عالية من خلال تكوينه الجمل الشعرية التي تميزت بالانسيابية مما يوحي لك ان ايقاع الموسيقى لايفارق الكلمات فقد بات يزاحمها ويرتفع احيانا لتضيع في ثناياه الصور الشعرية , فقد كان الشاعر عزيز السماوي يؤمن ان القصيدة الشعبية [ باللغة المحكية] لاتقل اهمية عن القصيدة الحديثة باللغة الفصحى في عالم الشعر الفسيح .
ان دراسة تجربة الشاعر عزيز السماوي بصورة نقدية ووضع بين يدي الشعراء الشباب مهمة جدا ويوازيها في الاهمية اعطاء الشاعر حقه من قبل المؤسسات العراقية المهتمة في شؤون الثقافة , فالشاعر حمل الوطن في قلبه على طول ترحاله في الغربة الموحشة , فليس عليه كلمة شكر بكثيرة وانصافه من قبل مثقفينا افرادا ومؤسسات شعبية ورسمية.