موقع الناس     http://al-nnas.com/

الحزب الشيوعي العراقي نحو المؤتمر الوطني الثامن

( من أجل تفعيل وتطوير عملية الصراع الفكري )
 


ماجد لفته العبيدي

الأثنين 13 /3/ 2006

يتوجه الشيوعيين العراقيين نحو عقد مؤتمرهم الثامن الذي يشكل مرحلة هامة من مراحل نضال الحزب الشيوعي العراقي الذي يخوض نضاله في ظل ظروف سياسية مركبة وبالغة التعقيد يشكل الاحتلال والارهاب والطائفية السياسية والفساد عناصرها الاساسية , بالاضافة الى حزمة من المشاكل والاشكالات الرئيسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانسانية والبيئية المرتبطة بها , وفي ظل كل هذا يجهد الشيوعيين العراقيين ومعهم أنصارهم و أصدقائهم من الديمقراطيين الوطنيين الى رسم سياساتهم من خلال حوارات العقل الجماعي لمؤوسستهم السياسية بجهودها الفردية والجماعية والذي لايخلوا من الهفوات والمطبات , مما يجعل من عملية تنظيم الصراع الفكري وتطوير طرائقه مهمة أساسية للعمل الفكري في داخل الحزب وضرورة ماسة لاستمرار التجديد ودمقرطة الحياة الحزبية الداخلية , التي لابد أن تنعكس في مختلف نشاطات الحزب وأداءه السياسي وعمله اليومي ومقدار تأثير خطابه بالساحة السياسية العراقية , ويتطلب بادئ ذي بدء أن تتمظهر نتائج هذا الصراع في أداء عقله الجماعي المصغر المشرف على مهام قيادته اليومية [ قيادة الحزب] , مما يضع أمامها بالحاح وبشكل يومي مهمة تنظيم العلاقة بين الاقلية والاكثرية وحقوقهما وسبل ممارستها لهذه الحقوق والواجبات والالية التنظيمية الرافعة لتنظيم هذه العملية داخل المؤسسات الحزبية ومدى شرعيتها وكيفية
التحكم بعملية الصراع بين الاقلية والاكثرية في المؤوسسة الحزبية والذي يتحكم بها جملة من العوامل الذاتية والموضوعية التي تعتمد على طبيعة الصراع والقوى المشاركة والمسيطرة على العلاقات المفصليه لحركته ومديات ومستويات تطوره , ولاتجري هذه العملية بمعزل عن مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحضاري لبلادنا .
ويسعى كلا الطرفين [الاقلية والاكثرية ] الى صياغة خطابهما السياسي وفق تصوراتهما و فهمهما للواقع وأشكالاته وأرهاصاته وأيجاد الرافعة التنظيمية المناسبة التي تنفذ هذا الخطاب عبر طرق وأساليب تعبر عن طبيعة فهم كلا الطرفين لهذه العملية المعقدة التي تتأثر بهذا الشكل أوذاك بالمؤثر الخارجي الذي يعكس طبيعة التأثيرات العالمية للصراعات الايديولوجية والسياسية في ظل العولمة الامبريالية التي تعتمد النيولبرالية كأطار سياسي وأيديولوجي لها لتبرير سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية .
ويمتد تاريخ الصراع بين الاقلية والاكثرية في الحركة الاشتراكية والشيوعية العالمية الى نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين حيث ظهور الصراع بين المنشفيك والبلشفيك [ بين الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين ] وأمتداده ليشمل عموم الحركة الاشتراكية الديمقراطية وليحسم في النهاية الى خروج الشيوعيين من الاممية الثانية وتكوين الاممية الثالثة ( الشيوعية ) , وقد أتسم الصراع بطابعه الاقصائي الذي خلف وراءه طرق وأساليب عقيمة لعلاج الصراعات الفكرية أتخذت طابعا دمويا في ظل الستالينية والماوية والبول بوتية وغيرهما من الاتجاهات التي ظهرت في الحركة الشيوعية والعمالية العالمية والتي شوهت الاشتراكية والماركسية على حد سواء .
ولم تكن الحركة الشيوعية العراقية وحركة اليسار بشكلها العام بمعزل عن هذا التراث وتأثيراته وأرهاصاته , فمنذ الخلافات الاولى حول أنعقاد المؤتمر الاول للحزب الشيوعي العراقي في الاربعينيات والتي تمحورت حول سياسة الحزب والسرية والعلنية في عمله وطرقه وأساليبه النضالية الكفاحية والتي لخصها الرفيق الخالد فهد في مؤلفه [ حزب شيوعي لا إشتراكية ديمقراطية]’ ومنذ تلك المحطة المهمة بتاريخ الحركة الشيوعية العراقية توالت الانشقاقات والتكتلات بعدها ومنها [ تكتل وحدة النضال , وراية الشغيلة , وجماعة داود الصائغ , وخط اب, والقيادة المركزية , وجماعة المنبر ] , كل هذه الصراعات والانشقاقات عكست طبيعة الصراع الدائر بين الاغلبية والاكثرية والذي ساده الطابع الاقصائي من قبل الاكثرية للاقلية في منتصف الاربعينات في المؤتمر الاول 1945 , وأيجاد صيغة توافقية مع الاقلية بجهود الرفيق سلام عادل لبناء وحدة الحزب في الكونفرس الثاني 1956 , ومحاولة الاقلية لفرض خطابها السياسي في1964 على أكثرية الحزب الرافضة للخط اب , ومحاولة الاكثرية [القيادة المركزية ] مصادرة حق الاقلية [ اللجنة المركزية ] بفرض عليها خطاب أيديولوجي وخط سياسي محدد1967- 1970 , وفي عام 1984 خرجت الاقلية على الخطاب السياسي للحزب الشيوعي وطرحت تصوراتها الداعية الى الدفاع عن الوطن والتفاوض مع الديكتاتورية وأعتبرت الكفاح المسلح نزعة ارادوية وشككت في أمكانية الانتفاضة الشعبية المسلحة لاسقاط الديكتاتورية وطرحت الحل السلمي كخيار لانهاء الديكتاتورية , ولكن الجديد في هذه العملية التشرذم الذي أصاب هذه الاقلية وعدم وجود هيكل تنظيمي وقد وجدت على شكل مجاميع صغيرة , فكانت تجمعاتها ليس لها علاقة بطبيعة المنظمة وطرقها التنظيمية المتعارف عليها , وقد ناصبت الاقلية الحزب العداء وتعاونت مع القوى المعادية نكاية بالحزب ومن هذه المجاميع [ المنبر الديمقراطي - باقر أبراهيم ], الذي أتسمت مواقفه بالمتناقضة من قضية الحرب العراقية الايرانية وعملية غزو الكويت وتطورات الاحتلال الاخيرة والتي دعت في جلها للتفاوض مع الديكتاتورية بحجة الدفاع عن الوطن, أضافة الى ذلك ظهرت مجموعة صغيرة بعد المؤتمر الوطني الرابع وهي
[ الحزب الشيوعي - القاعدة - بهاء الدين نوري] [ الحزب الشيوعي - التجديد - ماجد عبد الرضا , يوسف حمدان] وفي 1990 - 1992 جرت نقاشات واسعة مع الاقلية التي طرحت تصوراتها حول التطور الراهن للقضية الكوردية وتدويلها وأجتهدت لوجود حزب شيوعي كوردستاني مستقل يدافع عن مصالح الشغيلة والكادحين الاكراد في حالة حصولهم على حقهم في تقرير المصير ,طالما أن الاتجاه الراهن للعولمة الجديدة هو أعادة صياغة الخارطة الجيو- سياسية للعالم , وقد تم ربط ذلك في الموقف الماركسي حول تقرير المصير وعملية التجديد والديمقراطية التي يخوض غمارها الحزب بعد مؤتمره الوطني الرابع والذي أنقسمت فيه هذه الاقلية الى قسمين القسم الاول الذي يدعو الى الانفصال الكامل عن الحزب الشيوعي العراقي وتكوين حزب مستقل وقد خرجت هذه المجموعة مع ابو حكمت[ يوسف حنا ] ووريا أحمد ومحمد الحلاق لتشكل حزب العمل الكوردستاني , أما القسم الاخر فقد فضل خوض الصراع من داخل الحزب لتشكيل الحزب الشيوعي الكوردستاني ليتمتع بعلاقة [ كونفدرالية مع الحزب الشيوعي العراقي] , وليكون له نظامه الداخلي الخاص وبرنامجه السياسي وجعل هذا الحزب فصيل من فصائل الحركة التحريرية الكوردستانية وفي مقدمة هؤلاء الرفاق , الرفيق عزيز محمد السكرتير العام السابق , والرفيق كريم أحمد الداود , والرفيق كمال شاكر , والرفيق حيدر فيلي , وعدد غير قليل من كوادر الحزب المحلية التي بدأت تتداول هذه القضية عقب عملية الانفال 1987- 1988 وقد أعلن عن تشكيل الحزب الشيوعي الكوردستاني في 30 حزيران 1993 .
لقد عالج المؤتمر الوطني الرابع 1984 والخامس 1991 والسادس 1997والسابع 2001 قضية حقوق الاقلية الفكرية في المادة الاولى [ مبادىء بناء تنظيم الحزب ونشاطه ] الفقرة (ج)
( حق الاقلية في مناقشة سياسة الحزب وشؤونه الداخلية , وأبداء أعتراضاتها عليها أمام المراجع الحزبية المسؤولة بما فيها المؤتمر , والتعبير عن رأيها في القضايا الفكرية السياسية والاعلان عنه في الصحافة الحزبية , على أن لايعيق ذلك التزامها بتنفيذ هذه القرارات وبما لايضر بسلامة الحزب ), ظلت هذه المعالجة تصطدم في العبارة الاخيرة والتقديرات المختلفة حولها مثلها مثل أصطدام الديمقراطية الداخلية وتطبيقاتها بواقع العمل السري , ولكن في الممارسات العملية جرى أعطاء الاقلية في بعض الاحيان فسحة للتعبير عن رأيها وفي الغالب تم وصد الباب عليها وتم معالجة العديد من القضايا المفصلية عبر اخذ رأي الحزب بشكل عام ذلك يشكل ممارسة صحيحة لتقويم سياسة الحزب وأشراك العقل الجماعي في رسم سياسته العامة وقد تجلى ذلك في التصويت على [ الانسحاب من المؤتمر الوطني , والاشتراك في مؤتمر لندن , وفي مجلس الحكم , وفي الدخول في القائمة الوطنية العراقية ] ولكن هذه الاستفتاءات لم يجري الاعداد الكافي لها وظلت مقصورة على مفاصل العمل الحزبي القيادي وأستثني العضو العادي من غالبيتها ولم تعطى فسحة للاقلية في التعبير عن أرائها بالشكل الكافي في منابر الحزب الاعلامية مما حدا بجزء من هذه الاقلية الى أستخدام المنابر الديمقراطية واليسارية للتعبير عن تصوراتها في بعض القضايا العقدية والاشكالية , وتواجه الاقلية اشكالية جدية في ممارسة حقها المسطر في النظام الداخلي بسسب المشروعية الحزبية للاكثرية التي تعتبر نفسها في مكان [الحارس الامين ]على تطبيق سياسة الحزب والذي يجعل الاقلية في موقع المتهم بالخروج على الاجماع , أضافة الى العملية التبسيطية للتجديد السائدة التي تجعل الصراع الفكري غير منتج ويأخذ طابع شكلي ينعكس على فسحة حرية الاقلية وأمكانيات تحركها مما يدعوالى منح الاقلية مجال أكبر لتطوير خطابنا السياسي وأدائنا التنظيمي مع تعزيز الديمقراطية الحزبية والمضي في عملية التجديد التي تتطلب ان تأخذ أبعاد أوسع مما عليه الان والتصدي للقوى المحافظة التي تعطل مسارها تحت ذريعة مستوى وعي الجماهير العراقية التي تعاني من تدني مستوى الوعي بسسب الدكتاتورية والحصار الجائر وعملية التجهيل التي تمارسها بعض قوى الاسلام السياسي لاستمرار سيطرتها ونفوذها السياسي .
ان تطوير الصراع الفكري في الحركة الشيوعية وحركة اليسار العراقي يصب في المحصلة الاخيرة في عملية تجذير وتعريق الديمقراطية السياسية في بلاد الرافدين , من خلال دمقرطة الحياة الداخلية لهذه الحركة الذي يجعل منها قوة ذات فعالية وتاثير أكثروأكبر وقدرة خلاقة على مواجهة الخطاب السياسي الرجعي الذي يتلاعب بمشاعر الجماهير الشعبية وعواطفها تحت مسميات أثنية وعرقية ودينية ليشل قدرتها ويعطل طاقاتها الخلاقة ويستخدمها كأدة رجعية ويعطل فعلها الوطني لانجاز مهامها التاريخية في تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي الذي يتطلب من الشوعيين ومعهم اليساريين والديمقراطيين على أختلاف مشاربهم الفكرية وأنتماءاتهم الحزبية أن يكونوا اللولب الرئيسي لهذه الحركه الجبارة .