| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ميسون أسدي

 

 

 

الأربعاء 30/7/ 2008



قصة قصيرة

عصفور باليد...

ميسون أسدي

..وأدرك شاهين أنها رهن إشارته.. بدأ يخلع ملابسه قطعة قطعة، وإذ به يكاد يتعرى تمامًا أمامها، وانقض على نهديها جائعًا بنهم وبدأ يلتصق بها ويلهث قائلا: إنزعي ملابسك حتى افرش لك الطيب مني بين نهديك.

قفزت من مكانها كفريسة تفر من وحش كاسر، رجعت إلى الوراء وسترت صدرها بصرامة وقالت له: لن يمضي هذا اليوم على خير.. نظر إليها وتضاعف ابتهاجه قائلا: تتمتعين بجمال خفي وأنت غاضبة.

لم تتوقع رباب أنه فور دخولها إلى الصالون، سوف يلح على الاقتراب منها، حاولت الابتعاد عنه برفق، لكنه لم يحررها، بل زاد ضغطا على جسدها وروحها. هذه أول مرة يتصرف بها على هذا النحو.. شاهين بنظرها شاب متفهم، مهذب مع النساء ويعرف كيف يتعامل معهن.. هذه المرة كان على عجلة من أمره، مما زادها ارتباكا.. تأججت غضبا، ودفعته بهدوء بعيدا عنها، وتمكنت من الافلات من قبضته والجلوس بعيدا عن الأريكة الزرقاء التي تقاسماها في صالون أحد أصدقائه. فقال مندهشا، بصوت يفيض غنجا واغراء، ويعرف انه يثيرها: لماذا تتهربين مني؟
- لا شيء..
- لا تغضبي مني ربابتي.. أفقد عقلي عندما التقي بك؟
- لا تتعامل معي وكأني دمية؟
- متأسف؟
- تمهل.. أعطني فسحة من الوقت؟
- آسف يا حبيبتي،آسف
-.لا ابتغي علاقة عابرة، أيها الأناني..
- ربابتي، تعالي، اقتربي مني واغفري لي حماقتي..
- لم يعد عندي رغبة في الاقتراب..

عندما ينوي شاهين أن ينال مأربه يبدا بأستعمال عقله بذكاء..وحتى يحقق مبتغاه يصبح ذا قدرة خارقة في الاستيلاء على النساء المنيعات جدا، يخضعن له بسهولة، يبذل ما بوسعه لكي يغويهن، ولا يجلب لهن المتاعب ويغفرن له زلاته.
أضاء لها شاهين عدة شموع، وأسمعها موسيقيى كلاسيكية وأحضر كأسين من النبيذ وقطع تفاحتين وبعض حبات الفراولة والجبنة البيضاء، وجهز مائدة صغيرة لإرضائها، وعاد من جديد بين رشفة نبيذ وأخرى لتقبيل جبينها وانهال على وجهها وفمها وعنقها، وهي تتمنع متكدرة المزاج، تفكر في الأسلوب الذي لاقاها به، فهمس في أذنها وأنفاسه تتقطع شوقا ولهفة، وبدأ بوابل القبل والكلام المعسول قائلا: أحبك ربابتي، كم أعشقك أيتها الأنثى، كم أنا مفتون بجسدك يا أمراة، إنك تفجرينني من جديد في كل لقاء.

***
إلتقت رباب وشاهين صدفة في إحدى الندوات الشعرية، وكان هو أكثر الشعراء ثرثرة، لم يكن مقنعا، بل منفرا بثرثرته، وكان ينظر اليها بين الفينة والأخرى وكأنه يجتهد لأجلها.. رأت به للوهلة الأولى، شابًا بهي الطلعة، بوجه مليح وجسد فاتن. استلطفته كثيرا، وسألها عن رأيها حول شعره، فمنحته وجبة غرور دسمة، ثم توطدت العلاقة بينهما. لم تكن رباب صعبة المنال فهي تعرف تماما ماذا تريد وكانت سعيدة به. وتكررت اللقاءات، فنشأت بينهما قصة ذات رغبات جامحة..ألهبت كليهما بنفس الحاجة والمقدار.
اليوم عيد ميلادها.والجو ماطر وعاصف، كما تحبه،هاتفها شاهين للقائها، استمعت إليه عبر الهاتف بأذنين عاشقتين، لم تفكر رباب ولو لهنيهة واحدة، استقلت أول حافلة، والطريق اليه تستغرق مدة ساعتين سفر.

***
استمر شاهين بحديثه الشيق.. لم يمل.. أحيانا يبدي آسفه وأحيانا أخرى يحكي عن جوعه لها وعشقه لروحها وذوبانه على نغمات صوتها، ويقرأ لها من أشعار نزار قباني، ما استطاع إليه وصولا.. ويغني لها بصوت عذب.

الأجواء الساحرة التي ابتكرها شاهين، أضحكتها وأنستها غضبها.. سامحته وذابت بين يديه من جديد، وقالت:
- خذني إلى السرير وليس فوق هذه الأريكة الضيقة؟
- لنبقى هنا.. تحرري من قيودك؟
- لا استطيع ان أتحرر وأنا فوق هذه الأريكة.

لم يفهم شاهين إصرارها وبقي مضطجعا على الأريكة، يداعب جسده المتأجج الذي كان يبدو في أوج متعته، وأدرك أن كل شيء مباح له وأنه موعود بكل شيء ضمناً ومقدماً.
اقتربت منه وبدأت تتحايل عليه بثرثرة مستفيضة.. تتحسس جسده بأناملها وتقبله، وضعت يدها في شعره وقالت: هيا بنا الى السرير يا شاهين..

قررت رباب أن لا تعود إلى بيتها بخفي حنين، بدأت تتحايل عليه وعلى نفسها، وبدأ جسدها يتحرر تدريجيا بين يديه، التحم الجسدان معا في كل مناطق الالتحام وتشابكت الأيدي، وانسجما ليصبحا جسدا واحدا، لم يصادف شاهين أي مقاومة، كان مذهولا من نفسه ومنها، مذهولا من عري المرأة الهاجعة تحته.
ونسيت ذاتها وهي بين يديه، وأرخت لنفسها العنان وأكدت له شوقها: "أوه كم أنت عاشق مجنون".. وكلما نم عنها صوت أو تأوه، سألها شاهين هل انتهيت؟ كبتت أنفاسها وأصواتها، واستيقظت من نشوتها. فقال بصوت ممزوج بالغضب الخافت:لا أستطيع الانتظار يا رباب.. لم أعد احتمل الصمود مع حرارتك اللاسعة، أنت امرأة بطيئة.. لم أصادف في حياتي امرأة مثلك.. كم من الوقت تحتاجين.. لا يوجد رجل يستطيع ان يقاوم طيلة هذه المدة.
لم تمر ثوان.. والا بشاهين قد سلم أمره اليها، ففار فورة أخيرة ثم كبا هادئا،انكفأ على بطنه وخلد الى نوم عميق، وبقيت رباب بقربه في السرير تحدق في سماء الغرفة، ولا زال سعير جسدها الملتهب يملأ فضاء الغرفة، ولم تجد الحرارة والعرق منافذها لتتسرب من جسمها خارجا.

استيقظ شاهين بعد مرور نصف ساعة من الوقت على صوت هاتفه المحمول، وأجاب المتصل: سأكون عندك بعد ساعة.. ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة وبادرت إلى إنهاء اللقاء والعودة ثانية إلى بيتها خاوية الوفاض.

عادت مكتئبة ذليلة، مشمئزة منه، محبطة. وأخذت تقول لنفسها بغضب "لن ألقاه مرة أخرى.. لن اسمح له باستغلالي.. لن أسامحه.."شاهين" ينشد علاقة عابرة، وأنا أحلم بالدفئ، حاولت مجاراته والسير معه في نفس التيار، ولم أكن سعيدة، وهو يتهمني باختلاق المشاكل وتعقيد الأمور وأحيانا أخرى يربكني بقوله: أنا رهن أشارتك.. أفعلي بي ما شئت..
بقيت على هذه الحال حتى أوت إلى فراشها في ساعات الليل المتأخرة وإذا بيد زوجها تحتضنها بحب كبير وتأن، بدأ يعزف على أوتار جسدها بهدوء وسكينة تماما كما تحب، وهو يردد على مسمعها خذي ما شئت من الوقت فانا معك ولك فقط.
نظرت رباب الى زوجها بعينين عاشقتين ومليئتين بالحزن، فتمعنت في وجه الصارم والرجولة المنبثقة بانسياب في كل لمحة من لمحاته، وأمسكت بكفتي يديه وقبلتهما عشرات المرات باشتياق وكأنها تشكره على ما منحها اياه من متعة وقالت له معاتبة والدموع تنهمل بغزارة من عينيها: لماذا تركتني وحيدة وضائعة؟ فأنا بحاجة اليك..مضت أربعة أعوام ولم يفارقني منظرك تنقلب بسيارتك وانا معك، ثم تفارق الحياة بين يدي.

لم يمض أسبوع حتى اتصل بها شاهين ثانية، وبصوت عذب قال لها: "اشتقت إليك ربابتي". شعرت بالأريج يعبق في نسيم الهواء.. سعادة غمرتها، طارت إليه فرحة، واستقلت الحافلة الأولى، إلى بيت صديق آخر وصالون آخر.

قالت لنفسها بصوت مرتفع: سأواصل لقائي مع شاهين كلما سنحت لي الفرصة، ليواصل الهمس في أذني بكل أنواع الغزل والفجور.. وتواصل حديثها بنبرة أقل حدة وتردد:ربما ما يمنحني إياه شاهين، لن تحظى به أرملة اخرى، وسأبقى مزهوة من جديد بالفرح الذي يمد به جسدي وكياني؟ ما زلت نابضة بالحياة وليس للحياة من حدود".

(حيفا)


تفانين للاعلام الفني والثقافي الفلسطيني
www.tfaneen.co.il
 


 

free web counter