|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 24/4/ 2012                                      أ.د. محمد الربيعي                             كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

نهاية مهمة وزير

أ.د. محمد الربيعي

قبل فترة قصيرة ترك الاستاذ الدكتور دلاور عبد العزيز علاء الدين عمله الرسمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في اقليم كردستان، وبهذا يسدل الستار على اول تجربة جريئة في كردستان بمغادرة اول وزير في العراق حمل عند استيزاره منصب بروفسور في جامعة بريطانية.

لابد لي من الاشادة بجهود الصديق والزميل البروفسور دلاور العضو المؤسس لشبكة العلماء العراقيين في الخارج (نيسا)، وقيادته الحكيمة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة اقليم كردستان، رغم صعوبة العمل في الوزارة، واعرب عن تقديري له لما بذله في خدمة الجامعات الكردستانية واساتذتها وطلبتها.

خسارة كبيرة لكردستان ان يرحل دلاور بهذه السرعة، الا انه سيظل نجما يتلألأ في سماءها والتعليم العالي اللتان يعشقهما معا، وكوكبا من كواكب العلم في الجامعات الغربية. وكلنا ثقة بأننا سنبقى نتابع عطاء دلاور في المجال الذي سيكون إبداعه فيه أكثر تألقا، فقد اكتسب خبرة كبيرة وتعمقت لديه التجربة الإنسانية والمعاناة التي مرت بها الجامعات ولازالت إلى الآن.

خلال السنتين الماضيتين واجهت فيه بكل تأكيد وزارة التعليم العالي وعلى رأسها الوزير دلاور صعوبات إستثنائية بسبب الاصلاحات التي اقدم عليها الوزير، والتي نجح في تحقيقها بصبره ومثابرته على المضي قدما بعمل الوزارة إلى يوم انتهاء مهمته. تعامل الوزير بمسئولية أمام التحديات التي واجهت الوزارة، وقام بدور رئيسي في تطوير التعليم الجامعي، ووضع اللبنات الاساسية لتحقيق مبدأ استقلالية الجامعة، وتطبيق الاسس العالمية لتحسين الجودة، وتحقيق الاعتماد الاكاديمي، وابتعاث مئات من الطلبة الى جامعات الدول المتطورة لاكمال دراساتهم العليا.

إن نجاح وزارة التعليم العالي في تحقيق الاصلاحات لهو مؤشر على نجاح التعليم، الأمر الذي يجعل منها صمام أمان للتقدم العلمي والتكنولوجي، خاصة إذا ما أحسن إدارة الجامعات وحمايتها من التسيب والتردد في تطبيق احدث الاساليب التربوية في التدريس، وإستخدام أدوات وآليات العمل التي تكفل التطوير المستمر لكفاءة التدريسين. وحسب علمي ان الوزير السابق قد فتح المجال لجميع منتسبي الجامعات لتطوير قابلياتهم، وأكد مبدأ التعامل في الوزارة وفقا للمصلحة العامة، ووفقا للقانون، ومن اجل مواكبة روح العصر والتطور الحضاري العالمي، وكان همه هو الابتعاد كل البعد عن تسييس العمل، ولم تكن تهمه الخلفيات السياسية والحزبية، أو القومية المتطرفة، واستطاع التعامل بنجاح لحل العقد السياسية التي واجهت التعليم العالي نتيجة اصراره على المضي في تطبيق الاصلاحات.

وقد اعتمدت هذه الاصلاحات على خارطة طريق وضعها دلاور بنفسه لتحسين النوعية وضمانها، تضمنت استراتيجية جديدة  شكلت اساسا لخطة طويلة الامد، ودخلت حيز التنفيذ بصورة تدريجية، وعلى عدة محاور اهمها وضع نظام متطور لضمان الجودة والارتقاء بالمستوى العلمي للاساتذة، وتجديد مناهج التعليم على ضوء حاجة السوق، ورفع مستوى نوعية التدريس والبحث، ووضع معايير عالمية للتقييم، وتعديل نظام قبول الطلبة، وانشاء نظام جديد لدراسة الدكتوراه تستند على الاشراف المشترك بين اساتذة الداخل والخارج، وتوسيع شبكة العلوم وفتح قنوات الإتصال بين العلماء ونظرائهم في الخارج، وإعطاء الحرية للجامعات لتطوير نفسها ورفع مستوى نوعيتها. واهم مظاهر الستراتيجية هو:

·        إدخال إصلاحات على البحوث لتشجيع الابداع وايجاد روابط بين باحثي الإقليم ونظرائهم في المراكز العالمية المتقدمة.

·        الاستثمار في مجال التعليم العالي لتحسين البنية التحتية ورفع القدرات البشرية.

·        إنشاء نظام لتقييم الجامعات ومنح الترخيص والإعتمادية.

·        إصلاح هيكلة الجامعات والهيئات لوقف هدر الأموال ودفع المؤسسات إلى الإدارة الذاتية.

·        إصلاح الإدارة للحد من الروتين وتسهيل شؤون المواطنين.

·        حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين بيئة التعليم.

ومن الانجازات المتميزة خلال عهده هو تطبيق نظام القبول المركزي الالكتروني، والذي شكل نقلة نوعية في تاريخ التعليم العالي في العراق. وحال تطبيق النظام الجديد صرح الوزير دلاور باستعداد الوزارة لوضع خبراتها في هذا المجال (بخدمة شقيقتها الكبرى وزارة التعليم العالي الاتحادية في بغداد)، وهو بذلك يؤكد رغبته الدائمة في تطوير التعليم العالي في كل انحاء العراق بشكل متجانس، وحبه للعراق، لكي تتفوق الجامعات العراقية وتتفاعل مع بعضها في بلد واحد تتعاون كل اطرافه ومؤسساته من اجل تحقيق التقدم والازدهار.

ولغرض تنشيط البجث العلمي وتشبيك الجامعات الكردستانية مع الجامعات العالمية عقد في اربيل في كانون الاول 2010 مؤتمر دولي لدعم نظام دراسة الدكتوراه والبحث العلمي الجديد،  وتم تحقيق هدف المؤتمر في تمكين باحثي الإقليم من إقامة علاقات دولية، وإيجاد مشرفين لطلبة دراسة الدكتوراه، ومقيمين خارجيين للتعليم الجامعي الأولي، والإستفادة من هذه العلاقات لإتمام البحوث العلمية، وقضاء مدة تفرغ علمي في المراكز العالمية. ووضع دلاور ثقته الكبيرة وامله في امكانية العلماء الخارجيين من لعب دور هام في دعم برنامج بناء القدرات في الإقليم عن طريق تقديم تسهيلات للطلبة الدارسين، والاشراف المزدوج، وتقديم الخبرة، والاستشارة.

ومن باكورة الاعمال التي يعتز بها دلاور هو مشروع قانون التعليم العالي والبجث العلمي لاقليم كردستان العراق، والذي نأمل اقراره من قبل البرلمان الكردستاني قريبا، بالرغم من علمنا بوجود معارضة لا ترغب بالتغيير، خصوصا اذا كان هذا التغيير يهدف الى منح الجامعات استقلالية في تسير امورها بنفسها وفي اختيار قياداتها. واهمية القانون تكمن في تبنيه اسلوبا عالميا معاصرا للنهوض بمستويات التعليم والبحث العلمي وفق منهجية علمية قادرة على مواجهة تحديات العصر والأرتقاء بها بما يتفق مع متطلبات التنمية، والى مواكبة التطورات العالمية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، و ضمان الأنسجام والتكامل بين اهداف التعليم العالي وبين أحتياجات الأقليم من الكوادر العلمية والفنية الكفؤة. ويكفل القانون استقلالية الجامعة من خلال تشكيل ثلاث مجالس تشريعية وتنفيذية لكل جامعة، بالاضافة الى هياكل مرنة قابلة للتغير. ومما هو جدير بالذكر تضمين اعلى مجلس في الجامعة وهو مجلس السنات على اعضاء عالميون من علماء ذو خبرة عالية ليكونوا اعضاء في المجلس، ومثل هذا لم يحدث ابدا في تاريخ العراق وفي اي مؤسسة من مؤسسات الدولة العراقية، ولاول مرة سيتبؤا علماء مرموقين من خارج العراق مناصب بالاضافة لوظيفتهم في الاجهزة التشريعية للجامعات العراقية.

حقا لقد خسرته كردستان، فقد أسر الجميع باخلاقه وتواضعه، واقدم بكل جرأة وتحدي على تحقيق مشروع كبير لنهضة الجامعات والتعليم العالي، ونذر نفسه لخدمة ابناء جيله والاجيال القادمة بكل كفاءة واقتدار. وهو الذي قال عنه احد سفراء الدول الغربية بأن العراق لو يملك عشرة من امثاله لكان البلد بأتم خير.

واخيرا، نرجو للوزير الجديد الدكتور علي سعيد كل خير وموفقية في عمله والاستمرار في نهج الاصلاحات والتطوير وأن يكون خير خلف لخير سلف.

 

22 /4 /2012

 

  

..

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter