| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

الثلاثاء 9 /1/ 2007

 



استدراكات في اعدام صدام
الخطأ والصواب..وردود الافعال


عبدالمنعم الاعسم

اعدام صدام حسين بالكيفية والتوقيت وضوابط العدالة ومجريات القانون والتداعيات يثير اسئلة لا حصر لها، ربما لا تتحصل على جواب شافٍ، الآن، وقد يتجنب الكثيرون اطلاقها او الخوض في تعقيداتها لصلة الامر بالاجواء السياسية والاعلامية وحتى الدبلوماسية المشحونة بالتحدي والملاسنات والتهديد والانشقاق، في العراق ودول الجوار وفي دائرة اوسع من ذلك.
على ان ثمة اسئلة اكبر من ان تُلجم، او تؤجل، او تتماهى في المجاملة او التواطؤ، من مثل السؤال ذي الصلة بدواعي الاصرار على تنفيذ الاعدام، في اول يوم من ايام عيد الاضحى، وهو سؤال لا يبرئ صدام حسين، طبعا، من مسؤولية اعدام وقتل وسبي عشرات الالوف من العراقيين في اربعين عيدا للاضحى مرت على العراق تحت قبضته الدموية، كما ان هذا السؤال لم ينتسب فقط الى انصار الدكتاتور السابق، ولم يحمل بصمات القوى والعواصم التي تنظر بعين الريبة الى عملية التغيير في العراق وحدها، ولم تحتكره الفئات التي تنطلق من الاعتبارات الطائفية باعتبار ان توقيت التنفيذ، وإخراجه، وبعض مظاهر الاحتفاء به، ليست بعيدة عن اللون الطائفي الضيق.
بل ان الكثير، حتى من اصدقاء العراق والعملية السياسية العراقية وجدوا انفسهم في دوامة السؤال عن الحكمة في اختيار يوم “شديد الخصوصية والحساسية” لتنفيذ عملية الاعدام، والبعض اطلق السؤال على الوجه التالي: لقد تعامل الساسة العراقيون بروح من الصبر مع مجريات المحاكمة واعطوا للدفاع والشهود والتحقيق اطول وقت ممكن، زاد على العامين، على الرغم من ضغط الاحداث وإمعان انصار صدام حسين في الكثير من الجرائم المروعة واعمال التفجير والتخريب والاختطاف والذبح، فما الذي دفعهم ان لا يصبروا اسبوعا واحدا، ليدفعوا به بعد ذلك الى حبل المشنقة، وهو القصاص العادل لحاكم معلقة في رقبته مليون مشنقة عن مليون ضحية بريئة؟.
والغريب ان الكثير من ساسة واعلاميي الطاقم الحكومي قدموا اجابات متضاربة لتأويل تنفيذ حكم الاعدام بمثل هذه العجالة، وقد تركزت اكثر التأويلات في الخشية من تهريب صدام حسين من زنزانته في وقت تزايدت حالات هروب سجناء خطرين بتواطؤ مع سجانيهم، وذهب بعض المتحدثين شبه الرسميين الى القول ان الاسراع بالتنفيذ جاء لقطع الطريق على الامريكان كي لا يهرّبوا صدام من الزنزانة ويعيدوه –في صفقة- الى الحكم مرة اخرى، مما قذف بالقضية كلها الى ما يشبه الفزورة السياسية، او الى فصل في مسرح اللامعقول، والاغرب ان تصريحات اخرى اختزلت حق القصاص الى اجراء روتيني صادف تطبيقه يوما دينيا على نحو غير مخطط له، وهو عذر اقبح من فعل من زاوية المساحة الزمنية (30 يوما) التي حددت قانونيا كهامش مسموح لاجراء التنفيذ، كما ان الروتين ما كان يوما مغمض العيون، إلا في ظروف لا يراد فيها احتساب ردود الفعل بالصبر وبكفاية استنفاذ السبل الروتينية.
في علم السياسة، تحذير من اتخاذ القرارات بدواعي شفاء الغليل، وفيه فصل يتصل بحساب ورصد واستيعاب ردود الافعال للقرارات التاريخية الصعبة، ومن لا يفكر في تقليل مناسيب الضرر لردود الافعال، فانه -كما يقول ريمون بولان استاذ السياسة السابق في السوربون- كمن لا يفكر في اهمية تلك القرارات، ولا في خطورتها، ولا في وجوب حماية شرعيتها، اما عدم المبالاة إزاء ردود الافعال فهو التوصيف المخفف لشفاء الغليل، في حين ان الحكمة وشفاء الغليل لا يجتمعان، فاذا حلت الحكمة وُضع شفاء الغليل جانبا، واصبح بالامكان ادارة اخطر المعارك المصيرية بنجاح.
وما دمنا في السياسة والتسييس فلا بد من معاينة الحقيقة التالية: في محاكمة الدجيل، وايضا في محاكمة الانفال، كان المتهمون ومحاموهم يحرصون على دفع الوقائع الى قلب السياسة، وعندهم ان ذلك من شأنه ان يسقط الدعوى، وجميع الدعاوى، إذ لا تجيز القوانين الدولية التي تعالج حالات الاحتلال الخارجي للدول اجراءات محاكمات سياسية للمسؤولين السابقين، فيما كانت المحكمة، على اختلاف طواقمها ورؤسائها، تعمل على التزام المهنية القضائية ، قدر المكن، وتحريم الخروج بالمناقشات والاتهامات والدفوع عن الاطر الجنائية، على الرغم من استحالة شطب الاعتبارات السياسية عن تهمة الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية التي يحاكم بها صدام حسين واركان نظامه بها، وقد تحولت المحاكمة في الكثير من فصولها الى تهريج سياسي مكشوف برع خلاله المحامون والمتهمون على حد سواء، وقد تعذر على القاضي في الكثير من الاحيان اعادة ضبط المجريات الجنائية، وحصر المرافعات والاسئلة في حيثيات المخالفات الجنائية.
ومن زاوية معينة بدا للمتابعين الموضوعيين انه كلما مضت المحاكمة في السياق الجنائي الاصولي المهني ضاق صدر هيئة الدفاع التي تلجأ الى افتعال المعارك واثارة الشكاوى والطعن بالمعلومات والوثائق والتشديد على نقل المحكمة الى خارج العراق، بل ان الهيئة تحولت الى مركز علاقات ناشط يتصيّد التصريحات والانشطة الطائفية، ويتولى الاتصالات السياسية بالمنظمات والحكومات وادارة الاعلام والتحشيد لاضفاء الطابع السياسي للمحاكمة وتصوير المتهمين كضحايا للنعرة الطائفية، مقابل انعدام الحد الادنى من الفاعلية الاعلامية للمحكمة، وللهيئات العراقية السياسية والاعلامية التي تناصرها وتعمل على انجاحها، وقد ضاعت، او ضُّيّعت، في هذا الاضطراب حقائق مثيرة عن جرائم لا سابق لبشاعتها سجلت باسم صدام حسين وزمرته الحاكمة انذاك كان ينبغي للرأي العام ان يطلع عليها كجريمة انزال عقوبة الاعدام بثماني وعشرين صبيا دون السن القانوني من المتهمين في قضية الدجيل، وجريمة دفن الاطفال وامهاتهم من سكان كردستان في مقابر جماعية، وكان يمكن لهذه الجرائم الثابتة ان تكون مادة اعلامية ثقيلة تقوم بوظيفة فضح وحشية النظام وكسب الراي العام لو احسن ادارة المعركة الاعلامية بادوات مناسبة وبلغة تتحسب للاثارة الطائفية.
وإذْ خسرت المحكمة المعركة الاعلامية، لاسباب اخرى طبعا، فقد خسرت ايضا صورة كونها محكمة مستقلة عن السلطة السياسية، على الرغم من ان استقلالها هذا يتأكد في معطيات وممارسة وقائع كثيرة، والحق ان بعض تصريحات الطاقم الحكومي والاداء الاعلامي المحسوب عليه لجهة ترسيم قرارات المحكمة وتعيين او تغيير قضاتها واللغة الفئوية الطائفية الضيقة التي استخدمت في توصيف احكامها اعطى المزيد من الذرائع للتشكيك في استقلال القضاء العراقي الجديد واضعف حجج المدافعين عن المحكمة الجنائية العليا باعتبارها مرجع للعدالة في معاينة خطايا النظام السابق، وليس من دون معنى، في هذا الصدد، ان تقف كبريات المنظمات الانسانية والدولية والاقليمية المستقلة، والمرتبطة بالامم المتحدة، موقف الناقد للمحكمة وللاجواء التي احاطتها.
ولعل يوم تنفيذ حكم الاعدام بصدام حسين كشف وحده الى اي حد بلغت العجالة وعدم الاكتراث ومنهج شفاء الغليل والانفعال العاطفي والسياسي والطائفي المعبر عنه بالهتافات السياسية من قبل شهود عملية الاعدام الذين اعدهم الطاقم الحكومي، فضلا عن فيض من “الاستعراضات” السياسية الطائفية التي عرضت بالمناسبة وقدمت على طبق من فضة للحملة المتعاطفة مع الطاغية، واحرجت خصومه، الى حد اضطر بعض مناهضي حكم الدكتاتور الى مجاراة العاصفة، في زمن تضرب هذه العاصفة مواضع العقل والحكمة، والاخلاق ايضا في رقعة واسعة من العالم.
والى هذا فلم تكن ردود الافعال الاقليمية والاسلامية والدولية “الانتقادية” لاعدام صدام حسين مثيرة وغريبة لمن تابع عن كثب “حركة” الدفاع عن الطاغية وخط وخطاب وعناصر الهجوم على المحكمة الجنائية، وعلى مشروعية المحاكمة، كما لم تكن بيانات الاحتجاج واعمال التظاهر مفاجئة لمن يعرف المواقف المسبقة للكثير من العواصم والهيئات العربية من المحاكمة وعملية التغيير في العراق، ولمن يتابع عن كثب الاثار الديناميكية الناجمة عن السمعة المتردية للسياسات الامريكية بين اوساط الرأي العام في المنطقة على تطبيع الاوضاع في العراق وعملية التغيير وحصرا على محاكمة صدام، ومن ثم اعدامه.
والحق ان ثمة ردود افعال، عربية خاصة، جرت خارج التوقعات، وفي احط صور النفاق، بينها سقوط الموقف الرسمي العربي و”توابع” له في التواطؤ مع عاصفة الغبار التي هبت من حي عبدون بالعاصمة الاردنية حيث تقيم رغد صدام حسين، خشية ان تطيح هذه العاصفة بالعروش والانظمة والحكام والمعادلات كما كان وعاظ ودعاة واعلاميون و”محللون” قد زعموا، واطلقوا هذه الكذبة الى مواضع حساسة عقل النظام العربي القائم، وقد تخطت بعض التصريحات والتلميحات واشكال التعاطف الرسمية مع صدام حسين كل ما نعرفه عن الاخلاق والجيرة واحترام السيادة وفروض عدم التدخل، ليس فقط في زيف حرصها على استقلال القضاء ومجريات العدالة، بل وايضا في فيض الدموع الكاذبة التي هرقتها إزاء المساس بقدسية يوم الاضحى، في محاولة بائسة لمسح قطرات الدم على تاريخها في الحبل الذي انهى حياة الطاغية.
وفي الاستطرادات الفاقعة لمواقف بعض الزعامات الحاكمة (اقامة تماثيل لصدام، مشاركة وزراء في التظاهر. تسهيل وتبني حملة التشهير والكراهية. التوسط لدى القوى الدولية. الانحياز لفرقاء الصراعات الطائفية..) جرى، عن دراية او عن غيرها، وضع قواعد جديدة انكفائية وغير مسبوقة، للعلاقات بين دول المنطقة، تتضمن اعادة انتاج الوصاية، بطرق المال والاعلام والسلاح، على الدول الاخرى التي تعاني من مشكلات امنية وسياسية، وهي قواعد تضع جانبا كل المعاهدات والضوابط الاقليمية والدولية لتنظيم استقلال الدول وتهدد بعهد التدخلات السافرة، وستنقلب وبالا على اصحابها والمنطقة، سيما ان هذه الوصاية وجدت تطبيقها الكارثي في اكثر من خاصرة جغرافية، من لبنان حتى الصومال، ما يطرح السؤال التفصيلي التالي: مَن يمنع بعد ذلك اية دولة من تحريض عشيرة (وما اكثر عشائر المنطقة) على التمرد طالما الامر يتم بالاموال والاعلام والسلاح؟ وكم دولة ستنبثق من تحت هذه الوصاية الجديدة؟.
ان حكام المرحلة العربية أعدوا في حمية الدفاع عن رقبة صدام حسين حبلا لرقبة مستقبل المنطقة، ومسحوا تواقيعهم على مدونات والتزامات تحترم ارادة دول الاقليم، ولن يقلل من ذلك كومة الايات القرآنية التي كتبتها اياد ملطخة بالدماء.
وبعيدا عن المواقف الرسمية وشبه الرسمية فقد انتشرت الاعتراضات الاقليمية والدولية على اعدام صدام حسين فوق خارطة واسعة من الاطياف والفئات والجماعات والشخصيات، متضاربة المصالح والخلفيات، وعلى جملة من الزويا والتوصيفات، من التسليم بوجاهة الاعدام واستنكار تنفيذه في اول ايام عيد الاضحى الى اعتبار صدام حسين بمثابة "شهيد" قومي اسلامي، ومن الطعن في سلامة بعض الاجراءات القضائية للمحاكمة والاعدام الى الطعن بوجاهة المحاكمة والقرار واعتبار صدام حسين رئيسا شرعيا.
ويعد البيان الذي اصدره الامين العام الجديد للامم المتحدة بان كي مون بانتقاد اعدام صدام حسين وبوجوب وقف المحاكمات والاعدامات في العراق ذروة ردود الفعل الدولية، فيما عُدّت الخطوة الليبية باقامة تمثال للطاغية في طرابلس الاكثر خروجا على مألوف العلاقات بين دول الجامعة العربية، غير ان العنوان الرئيسي لسعة ردود فعل الراي العام العربي والدولي تمثلَ في اخفاق الجملة الاعلامية والسياسية والدبلوماسية للحكومة العراقية، وتهافت وتضارب وتناقض خطاب الاكثرية البرلمانية في تبرير المحاكمة والاعدام معا، وقد زاد ذلك اضطرابا الحماسة التي ابدتها ايران لعملية اعدام صدام حسين بعد ان كانت تتشكك في تحقيق ذلك.
فقد ساهم هذا الخطاب الازدرائي الفئوي الانفعالي، الذي اتسم بروح شفاء الغليل، في تزييت ماكنة الحملة الدعائية ضد العراق الجديد وسمح لمراكز النظام السابق وفضلاته وانصاره تسويق شبهة الطائفية إزاء القصاص العادل من اكبر طاغية في العصر الحديث على نطاق واسع، بحيث ظهر صدام حسين كما لو انه رمزا سنيا، او ممثلا للسنة العرب، خلافا لحقيقة ان السنة العرب قدموا قائمة طويلة من رقاب ابنائهم طعما للحملات الهمجية الانتقامية التي كان يشنها صدام حسين ضد سكان الموصل وتكريت والرمادي وسامراء والفلوجة، وثمة المئات من الضباط وكبار العسكريين والمعارضين من ابناء هذه المدن تعرضوا للتنكيل والاعدامات والملاحقة وكانوا في عداد ضحايا مثرمة النظام الى جانب ضحايا الانفال والدجيل والانتفاضة.
ومقابل غياب التدبر الوقائي، الاعلامي والسياسي، للحكومة العراقية، فان فلول حزب البعث، فشلت، من جانبها، في تحويل عملية الاعدام وتداعياتها السياسية الى معركة تحسّن مواقعها واداءها وتأثيرها في مجرى الاحداث سواء في معسكر الجماعات المسلحة في العراق او في اطر الانشطة السياسية المعارضة للعملية السياسية في العراق، وباستثناء "مركز رغد" في عمان الذي اختطف كاميرات التلفزيون وبعض اصوات الشفقة، فان بعض اطراف كتلة التوافق وجماعة المطلك البرلمانية كانوا اكثر المستفيدين من الحدث، على الرغم من انهم قدموا اسوأ خطاب اعلامي وسياسي لجهة ازدحامه بالمتناقضات وبالجملة الطائفية والحض على الفتنة والقتال، فيما قدمت بيانات "حزب" هيئة العلماء المسلمين وصفة استفزازية للحرب الاهلية الطائفية المفتوحة بالدعوة الى الانتقام لصدام حسين ومن ثم بحثّها ضباط الجيش السابق، العائدين للخدمة، الى التمرد.
ثمة القليل من انصار الحرية من وقف مثل الناشط الحقوق السوري عمار قربي بقوله انه يعارض من حيث المبدأ حكم الاعدام لكنه يؤيد اعدام صدام حسين كحالة استثنائية بسبب جرائمه المروعة، وهناك الاقل من المحللين مثل الاردني محمد الصبيحي الذي ذهب الى القول بان ردود الافعال العربية على اعدام صدام حسين لن تغير من الوضع شيئا "فالانظمة العربية اتقنت التعامل مع الاحتجاجات".
في كل الاحوال، لقد انتهى صدام حسين، غير ان البعض من شرائح مرحلة انحطاط العقل العربي لا يزال يعتقد انه برحيل صدام حسين خسر العرب فرصة اعادة الاندلس.
ـــــــــــــــــــ
كلام مفيد
ــــــــــــــــــــ
تاج القيصر لا يمكن ان يحميه من الصداع ”.
                                            مثل روسي قديم