| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         السبت 9/7/ 2011

 

فشـل الخطاب الامني

عبد المنعم الاعسم 

الخطاب الامني من اعقد واخطر وظائف الحكومة لمحاصرة الجريمة وتعبئة المواطنين حيالها، وقد ينقلب الى الضد من وظيفته إذا ما قـُدم بعجالة وتخبط وتضارب، بل وقد يكون عاملا في ترويج الجريمة والتغطية عليها حين يكون هذا الخطاب بيد موظفين غير مهنيين او غير متخصصين او غير مؤتمنين على حياة المواطن ومصالح البلاد.
الدول الحريصة على امنها تعكف على بناء خطاب امني منهجي صارم يقوم على كيمياء المصداقية والاقناع واحترام العقل ويتجنب اللف والدوران وانصاف الحقائق واستغفال الجمهور ودس معلومات اضافية وغير واقعية ضد “العدو” كما انها تعهد مسؤولية الخطاب الامني الى خبراء في التعبئة والاعلام ممن يمتلكون معارف في القانون الجنائي واللغة والسايكولوجيا وعلم المخاطبة وكفاءة التنبؤ واحتساب الحساسيات والمخاطر لضمان التأثير في الجمهور وكسبه.
لننظر كيف تعامل، ويتعامل، الخطاب الامني العراقي الحكومي مع الحرائق التي تنشب في المؤسسات الحكومية، وآخرها حريق وزارة التعليم العالي. انه بدأ –كما في بقية الحرائق- بتصريح من مسؤول كبير يقلل فيه من شأن الحادث فنكتشف انه حادث خطير وخسائره فادحة، أو ينفي احتمال التعمد ويلقي الحادث على عاتق “الاسباب الفنية” وانه لم يطل وثائق وعقودا وفواتير وملفات تحقيق في فساد، ثم يأتي الخطاب الامني ليدور على حواشي نفس الجملة الامنية، ثم ليتناقض معها، بعد ان يكون معروفا بان الحرائق مدبرة وموجهة الى اتلاف بصمات تخص مخالفين ومخالـَفات، فيما يفوت اصحاب هذا الخطاب العقيم، دائما، بان عقل السامع والمشاهد ينصرف الى تلك البقع الغامضة في كومة المعلومات المضطربة التي يتلقاها ليربطها بخلفيات الحدث وما كان قد نشر عن وجود مخالفات وتلاعب وفساد في الوزارة، ولا أحد يستطيع ان يمنع المواطن من الاعتقاد بان “الجملة الامنية” الحكومية بعد كل ذلك تكذب عليه.
هذا السيناريو جرى في حوادث امنية خطيرة اخرى(حادث البنك المركزي. هروب سجناء البصرة. حادث سجن التسفيرات. تفجيرات المحافظات. اغتيالات الكواتم..الخ) سوى ان الحكومة تعلن عن تشكيل “لجان تحقيق” لا احد يعرف الى ماذا توصلت، بل ان الخطاب الامني استمر، كما في كل مرة، في اللهاث وراء الاحداث واطلاق الديباجات الباردة عن الاقتدار الامني للدولة ونجاح المفارز الامنية في تفكيك خلايا الارهاب او القبض على ارهابيين، وتتبعها الخدمة التلفزيونية الحكومية او الموالية التي تقدم الى الجمهور طائفة من اللقطات والاعترافات والمتابعات الامنية الخالية من الاتقان الحرفي ومن عناصر الاقناع، ثم تتبعها خدمة اخرى “معاكسة” تتولى تقديمها اقنية ربطت نفسها بمشروع تهديم العراق حجرا فوق حجر لتتحدث عن وقائع وروايات ومستمسكات سرعان ما يصدقها جمهور واسع قبل ان يكتشف غشها.
باختصار شديد، يمكن القول ان ثمة فجوة بين المواطن العراقي والخطاب الامني، وثمة، بالمقابل، إصرار عجيب على تقديم الجملة الاعلامية الامنية على خطى ابجدية الاعلام الدعائي المستهلـَك الذي تعوّد الاعلان بعد كل هزيمة: الرئيس سالما. انتصرنا.

“من يجلس فوق مقعدين يسقط بينهما
”.
                                              حكمة ايرانية

جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

free web counter