| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الأربعاء 8/12/ 2010

 

“الدوني” إذا استقوى

عبد المنعم الاعسم 

توقفت عن كتابة القصة القصيرة منذ ما يزيد على الاربعين سنة، قبل ان اتجه الى الصحافة والكتابة السياسية، واتذكر ان آخر محاولة قصصية لي لم تكتمل وكانت تتضمن محاولة موظف صغير “عيّن بالواسطة” وترقى بالمصادفة وصار يتحكم بزملائه ويمعن في إذلالهم، لكنه بقي يشعر بالدونية بسبب مؤهلاته المتدنية وكفاءته الضعيفة، بل ان الكثير من زملائه كانوا ينعتونه سرا فيما بينهم بما يشبه الوشوشة بـ”الدوني” فجاء الدوني، وذهب الدوني، وتغيّب الدوني، ويريدك الدوني، وقال لي الدوني..وهكذا، وقد توقفت عن اتمام القصة، عند هذا الحد، بعد ان اخفقتُ في تطوير الحدث وتنمية شخصية البطل قدما نحو الهدف الذي وضعته للقصة، آنذاك، وهو التحذير من الكلب إذا استكلب، ومن الدوني إذا استقوى.
الكثير من الناس المكافحين، الصادقين مع انفسهم، المشهود لهم بالكفاءة والمثابرة والنزاهة والنضال والفروسية، الواثقين من انفسهم، يمكن ان يترقوا، ويصعدوا سلالم الوظائف، او ان يشقّوا طريقهم الى ذرى المواقع الوظيفية او الاجتماعية، وهم يكسون موقعهم الرفيع بالحياء والتواضع ونكران الذات والعفة، ويتصرفون كما لو ان المرتبة العليا قد تزول يوما، وان فلك الاقدار قد يدور على نفسه خارج ما هو متوقع او منظور، فيسقط الاعلون اذلاء، ويرتفع الادنون كرماء، ويحل الحساب بمن تجبّر وطغى، فلم يجد اياما كافية للبكاء، وتجازي الحياة مَن عَدِل وعفّ فيجد متسعا من الوقت للحبور والرضى عن الحال والاعتزاز بالنفس. يلوم نفسه الناكر للجميل، الفاتك بالضعفاء، ويقنع بمصيره سليم السيرة نظيف الضمير، والقضية، في نهاية المطاف، لا تتعلق بملامة النفس او امتداحها، ولا بحظوظ الصعود والسقوط، بل (اصلا) في الشعور بالدونية حيال النفس، او الشعور بالوفاء حيال الاخرين.
في تلك القصة، التي بقيت عالقة في منتصف الطريق، طوال اربعين سنة، يركب الدوني كل ريح حتى وإن كانت تلك الريح صادرة عن مروحة، وهو يُظهِر لك وجها بشوشا وكلاما ناعما لمّا يكون مغلوبا، ويشهر لك اسنانا وخناجر حين ينقلب غالبا.
تربكه السلطة حين لا تكون في متناول يديه، وتسكره السلطة حين يمسك بخناقها. يحترمك بافراط لمّا تدوس على رقبته وهو في موقع الضعف، ويبطش بك بلا رحمة حين تطأ ذيل ثوبه وهو في موقع القوة. مشرع الابواب حين لا نحتاج اليه، وبلا ابواب عندما يعتلي اقدارنا. ينادينا بالنشامى عندما يريد ان يصعد على اكتافنا، ويسمينا بالنفايات حين ندافع عن حقنا في ان نعيش بكرامة.
القصة التي كتبتُ بدايتها قبل اربعين سنة لم تكتمل، مثلما ترون، كما لو اني اكتبها الآن، إذ يقف الدوني بيني وبين الخاتمة.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
كلنا كالقمر، له جانب مظلم"
                            حكمة فلكية


 

جريدة(الاتحاد) بغداد
 

free web counter