| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الأربعاء 8/9/ 2010

 

بلير في كتابه..
توطئة

عبد المنعم الاعسم 

قليلون يعرفون لماذا ذهب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بنفسه الى مدينة دبلن في ايرلندا لكي يوقع على كتابه (رحلة) المثير للجدل، إذْ استـُقبل بمائتين من الشباب الغاضبين، المناهضين لحرب العراق والمطالبين بمحاكمته لمسؤوليته عن مقتل179 جنديا بريطانيا في غضون ست سنوات من تلك الحرب، ومقتل وتشريد عراقيين، وقد رشقته بعض عائلات الضحايا بالحجارة والبيض الفاسد والقناني البلاستيكية الفارغة فيما كان يبتسم، وهو يردد، "انه لامر طبيعي ان يعبر بعض الناس عن معارضتهم لتلك الحرب..ومع ذلك، كان من الضروري إزالة دكتاتورية صدام".

اما سبب اصرار بلير على ان يطلق كتابه الى المكتبات والقراء من عاصمة ايرلندا المعروفة بعدائها لحرب العراق وسياسة الولايات المتحدة ونهج بلير فيعود بالمقام الاول الى مكونات شخصية رئيس الوزراء السابق “الاقتحامية” التي لا تعرف الاستسلام، وشغفه دائما في مواجهة منتقديه وخصومه في عقر دارهم، وموهبته في إحداث الصدمات والإنشقاق في صفوف الطبقة السياسية البريطانية، ولم يكن ليتراجع عن قناعته مع كل الضغوط التي تعرض لها حتى من مندوبه الشخصي الى العراق الدبلوماسي غرينستوك الذي حمل له “صورة قاتمة” عما جري في العراق غداة اطاحة صدام حسين.

ويقول معلقون بريطانيون ان بلير، بالرغم من الاخطاء السياسية التي ارتكبها، واعترافه ببعضها في كتابه المثير، فانه اثار اعجاب “وطنيين بريطانيين عريقين” يعتقدون انه “سيُنصّب بطلا تاريخيا يوما ما” على غرار ونستون تشرتشل وذلك بعد ان يستتب الوضع في العراق، ونقل برنامج للبي بي سي عن احد المعلقين البريطانيين من مدرسة لندن الدبلوماسية قوله “نعم، لا استبعد ذلك، فالتاريخ يقول إن في كل مائة عام يولد في بريطانيا بطل" ويشير المعلق الى ان المؤرخ البريطاني جفري بست كشف عن سيرة تشرتشل المليئة بالتناقضات في مرحلة تاريخية نادرة “وهكذا هم الابطال” ويعتقد معلق آخر ان بريطانيا الحديثة بحاجة الى بطل تاريخي إذ اخفقت السيدة الحديدية مارغريت تاتشر في ان تحمل هذا اللقب “بطل اسمه على كل لسان” ويشار هنا الى تداعيات تركتها اكثر المسرحيات شعبية في تاريخ المسرح البريطاني الحديث عنوانها "البطل ينهض" لجون آردن حيث تسأل شخصيتها المتمردة “ولسون”:
اذا كنتم جاهلين من أنا... عليكم ان تشعروا بالعار".

في غضون ذلك لم يدخر مناهضو بلير صفة سلبية إلا واطلقوها عليه بمناسبة صدور كتابه المكرس ليوميات حرب العراق، وبرع رسامو الكارتير في الصحف البريطانية الكبرى في توليف تشكيلات ايحائية قاسية عن “صفاقة” رئيس الوزراء السابق وهو يكفكف دموعه على ضحايا تلك الحرب التي ما يزال يدافع بحمية لافتة عن مبرراتها، وذهب الكاتب سايمون جنكيز الى تبسيط الامر بتحشيد ارقام الضحايا الذين تساقطوا في العراق حول رقبة توني بلير، اما اندرو راونسلي فقد شيّع حزب العمال البريطاني الى مثواه الاخير بكتاب مكرس لحرب العراق بعنوان “نهاية حزب” وذلك وسط غليان من الغضب الذي تثيره الجماعات العمالية واليسارية والعاطلين عن العمل ومنظمات المهاجرين المتحدرين من العالم الاسلامي حيال الكتاب، وبخاصة إعلان بلير أنه سيقدم المبلغ المسبق الذي دفع له لنشر المذكرات، والذي يبلغ حوالي تسعة ملايين دولار امريكي، وكل الأرباح التي سيجنيها من الكتاب، لفيلق في الجيش البريطاني يعنى بالجنود المصابين، وقد خاطب معارضيه بالقول: ”هل تعتقدون فعلا أنني لا آبه، ولا أشعر، ولا أندم بكل قطرة من كياني لخسارة أولئك الذين ماتوا؟.”.

بلير، باختصار، اغلق معركة العراق، وفتح معركته الشخصية مع التاريخ.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
لا يشكل الأسد الشبعان أي خطر"
                                 برنارد شو


جريدة( الاتحاد) بغداد

 

free web counter