| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

الأحد 7/9/ 2008



الاهابات والوعود..
هل تعيد اللاجئين والنخب المثقفة؟

عبدالمنعم الاعسم

لا بد، اولا، من الفصل المنهجي بين قضية اللاجئين العراقيين الى كل كل من سوريا والاردن وبعض دول المنطقة، وبين ملف النخب العراقية المهاجرة من الاكاديميين والعلماء والمهنيين والمثقفين ورجال الاعمال، لأن لكل منهما ظروفه واسبابه وحلوله، وثانيا، ان الاهابات والدعوات العاطفية والمناشدات والوعود لم تعد تنفع في اقناع ملايين العراقيين المغتربين بسلامة وضرورة العودة الى الوطن إن لم تكن مسبوقة باجراءات ملموسة تستوعب مشاطلهم ومتطلباتهم.. تلك هي المشكلة.

والآن، تتفاعل مشكلة اللاجئين (النازحين) العراقيين في كل من سوريا والاردن مع اقتراب بدء العام الدراسي الجديد، اذ يواجه عشرات الالوف من تلاميذ وطلاب مختلف الدراسات مصائر مجهولة، وصعوبات مالية ومعيشية كبيرة فوق طاقة عائلاتهم، فضلا عما يترتب على مخالفات الاقامة والحاجة اليومية للسكن والطعام وطرق ملاحقة اللاجئين ممن يتعذر عليهم تسديد الفواتير المتناسلة للمخالفات، وثمة الكثير من الروايات والحوادث المفجعة والمخيفة والجديرة بالتأمل عن تلك التبعات والتداعيات.

على ان ثمة هروب من المشكلة من جانب الجهات العراقية المعنية بالقول انها مشكلة مالية او معيشية تتصل بصعوبة كلفة اللجوء وعجز مليوني عراقي عن تأمين اجور العودة الى بلادهم، او تغطية مخالفات الاقامة في البلدين المجاورين، ويحرص اصحاب هذه النظرة، على الظهور كمحسنين يبادرون الى اقتراح(وتخصيص) مبالغ مالية تساعد العائلات المهاجرة على العودة الى الوطن، وقد تابعنا طوال اكثر من عام وقائع تلك المبادرات التي سرعان ما ترتطم بجدران الفشل فترتد الى السؤال الوجيه: اين المشكلة؟.

اما تكرار القول بان الوضع الامني في العراق تحسن كثيرا وان العوائق الامنية ازيلت من امام الراغبين في العودة الى بلداتهم واحيائهم ومنازلهم، فانه لا يعدو عن نصف الحقيقة، فيما النصف الآخر يتمثل في اثار التهجير الطائفي للعائلات وضعف الاجراءات التي اتخذت لنزع فتيل الاحتقان الطائفي في قوس من الاحياء المختلطة، وسوء موقف الجهات الامنية والحكومية حيال ضحايا التهجير، وانعدام التوازن والحيادية في تقديم الخدمات الاستثنائية للتخفيف من مصاعب العائلات المنكوبة، من الطائفتين، وعدم الالتفات الى المناشدات التي اطلقها سكان مناطق تعرضت الى اكتساح المليشيات بوجوب إنصافهم وتأمين معيشتهم واستمرار وظائف معيليهم، اسوة بضحايا هجمات العصابات التكفيرية في مناطق واحياء اخرى.

ان ضعف الاستجابة لمبادرات الحكومة العراقية المتكررة لجهة اعادة اللاجئين العراقيين في البلدين المجاورين، وقلة عدد العائدين بالرغم من الظروف القاسية التي يعانيها اللاجئون، وتتفاقم كل يوم، ينبغي ان يكون موضع مراجعة وبحق، بروح المسؤولية الوطنية، لطرق وسبل واجراءات التعامل مع هذا الملف، والانطلاق، اولا وقبل كل شئ، من الاسباب(على الارض العراقية) التي تحول دون عودة آمنة وكريمة للاجئين، وذلك في ابعادها السياسية والاجتماعية والمالية، المتشابكة في حالة الامن وبخاصة في ما يتعلق بانضباط التعامل المتوازن مع العائدين.

وينبغي ان لا نقلل من شأن الدور السلبي الذي تلعبه سلطات الدولتين المجاورتين في تعميق المصاعب التي تعانيها العائلات العراقية وابنائها، وتكرار التراجع عن وعودها وقراراتها بالتخفيف من سياسة الزجر والتضييق والملاحقة (والتمييز) ضد من تسميهم مجازا 'الضيوف' العراقيين، وبلغ الامر بهما الى دفع هذه المضافة، كورقة ابتزاز الى طاولة العلاقات الاقتصادية(شمّوا رائحة النفط) بين البلدين، لتتحول من قضية الى سلعة.. وثمة هناك، مَن هم اشطر منا في البازار.

اما دعوة رئيس الوزراء الاخيرة الى 'النخب العراقية المثقفة في الخارج' للعودة الى الوطن والمشاركة في عمليات الاعمار والتغيير فانها ليست جديدة، إذ يمكن ضمها الى سلسلة من المبادرات والندوات والمؤتمرات التي جرت طوال عام، في الداخل والخارج، وذلك ارتباطا بتراجع اعمال العنف في البلاد، ثم بانحسار سيطرة الجماعات الخارجة على القانون، واخيرا باعادة تشكيل الفريق الحكومي وإملاء الحقائب الوزارية الشاغرة.

وتعتبر اسئلة ساذجا، القول: لماذا لم تستجب تلك النخب الى الدعوات الرسمية المتكررة؟ او: لماذا لم تترجم الى اجراءات تلك التوصيات والافكار والمقترحات العملية التي قدمت الى الجهات المعنية حول تسهيل عودة (والاستفادة من)النخب العراقية المثقفة؟ بل، ولماذا عاد صفر اليدين(وبمرارات) الى اماكن هجرتهم الالوف من الاكاديميين والمهنيين والخريجين والعاملين في مجالات الثقافة والفن والصحافة والابداع؟ ثم: الم تقتنع الجهات المعنية، حتى الآن، بفشل الإهابات العاطفية لاقناع النخب العراقية بالعودة الى الوطن؟.

نعم، لقد عاد بضعة مئات من الاطباء والمهنيين والخبراء، ووجدوا طريقهم الى مراكز عمل وبناء (وهناك شكاوى من تعامل يواجهها العديد منهم)غير ان الامر يتعلق بمئات الالوف من الكفاءات العلمية والمهنية ممن تحتاجها(او تفتقر لها) الدولة وحركة البناء والتغيير في جميع المجالات، فيما انحسرت، الى حد بعيد، تلك الحساسيات الاهلية المبكرة حيال المغتربين والكفاءات العائدة، وبعض المخاوف من المزاحمة على المراكز والفرص، بعد ان اصبح واضحا بان العراق الجديد بحاجة الى ملايين من الكفاءات والخبرات الوطنية التي تتوفر لدى المغتربين.

وبصراحة، فان العائق الاداري الاول(عدا عن الظروف الامنية العامة) يتمثل في طبيعة واثر قواعد المحاصصة الفئوية السياسية في شبكة ادارة الدولة، إذ يصطدم الهائدون (والذين ينوون العودة) وغالبيتهم الساحقة من المستقلين وغير المحسوبين على القوى المتنفذة في الحكم، بضيق(وطائفية وفئوية) الاقنية التي يدخلون منها الى الخدمة، فلكل قناة مدخل، ولكل مدخل قابض ارواح، ولكل قابض ارواح حارس، ولكل حارس صيغة واليات وقواعد وتعليمات وحبربشية.. والكلام كثير عن ذلك، لا تتسعه مجلدات.

وليس من دون مغزى ان يُعارَض (او يُهمل) الاقتراح العملي الذي تقدمة جميع المؤتمرات والندوات المتخصصة بالنخب بتشكيل مركز وطني او مرجعية ادارية وطنية، واحدة، مهنية ومستقلة وبصلاحيات واضحة، لتنظيم استقبال العائدين ومراجعاتهم وتسهيل تعيينهم او إشراكهم في عملية البناء ومرافق العمل، وذلك بديلا عما يجري بترك العائدين يطرقون ابواب الوزارات والادارات (المؤجرة للاحزاب) لتتفنن في التعامل معهم بوسائل الزجر والتشكيك والتطفيش، وتضطرهم الى خيانة قيمهم وكفاءاتهم العلمية باللجوء الى الرشوة والواسطات.

اغلب الظن، ان احدا من هذه النخب لا ينتظر ان يستقبل بالحفاوة والتصفيق، لكن لا يصح ان يستقبل بمن يقول له: إشجابك، يمعوّد.. مو كاعد ومستريح؟.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
تاج القيصر لا يمكن ان يحميه من الصداع"
                   
                   مثل روسي



 

free web counter