| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 7/4/ 2008



 دكتاتور في كتاب استثنائي لكاتب استثنائي

عبدالمنعم الاعسم

هل يمكنك ان تقرأ طوال خمسين سنة، وتعبّ مئات الروايات والدواوين وكتب علم الاجتماع والدراسات المستقبلية وتصبر على اكمال قراءة موبي ديك وخطب صدام حسين ومؤلفات اسحاق دويتشر وبرزان التكريتي والمركيز دي ساد ونيتشة وامهات كتب التراث، بثلاث لغات حية، العربية والانكيزية والروسية ثم تؤلف كتابا واحدا لا تتجاوز صفحاته على المائة والاربعين صفحة عن صدام حسين إذ يتدحرج في مثل هذه الايام الى خارج المعادلة بعد ان تسببت حماقاته في احتلال العراق ؟.

باختصار هذا ما حدث لرياض رمزي.. العراقي الذي دخل اول مرة، قبل اقل من عام، تجربة التأليف، وربما الكتابة، على الرغم من انه قادر على التاليف لسعة ما انجزه في المجال الاكاديمي، ومقتدر على الكتابة لكثرة ما يحتفظ من انتباهات وشروحات وخواططر واوراق وربما صفحات مكتوبة .

اعرف رياض رمزي منذ ما يقارب السبعة والاربعين سنة. كنا، في بغداد، مجموعة من الاصدقاء جمعتنا صبوات النضال والتغيير والثقافة، ورصّتنا ببعضنا اكثر قراءة المؤلفات، وقل سباق الركض فوق امهات كتب المرحلة في مختلف اجناسها، سوى ان رياض تأخر عن الكثير منا في الالتحاق بالكتابة وبالصحافة، لكنه سبق الكثير منا الى التهام الكتب ومعارفها، فوق تعليقاته التي اشتهرت بخفة الروح، وطرافة الملاحظة، وليس في الامر غرابة كثيرة اذا ما عرفنا بان رياض رمزي جاء شلتنا من عائلة علم ونضال، اشير بذلك الى والده، طيب الذكر، المناضل والمربي والكاتب عيسى غيدان ، والى شقيقه عصام غيدان الباحث الرصين في شؤون العمارة والبيئة، وقد زاملت الوالد حين عمل مصححا لغويا في جريدة 'طريق الشعب' في سبعينات القرن الماضي، كما عرفت الشقيق من خلال حضوره المثابر في المجالات النقابية والاكاديمية.

وحين قلّبت كتاب رياض رمزي (الدكتاتور فنانا) الصادر عن دار الساقي في لندن – 2007 تساءلت مع نفسي قبل ان احفل بمضامين الكتاب: ما الذي اقنع رياض اخيرا ان يدخل تجربة التاليف؟ وسرعان ما اعانني الصديق الصحفي سعدي عبداللطيف العارف بالامر على الاجابة عن السؤال، فقد بعث الكاتب بمقالة الى مجلة (ابواب) التي تصدر في العاصمة البريطانية فلفت موضوعها العميق والاستثنائي انتباه محرر المجلة الكاتب اللبناني حازم صاغية لكي يتبنى فكرة الكتاب ويحض اصدقاء الكاتب ومعارفه على 'انتزاع' الهتاف الدفين من فؤاد رياض رمزي، اما هو فقد اضاف الى ذلك القول 'كان اخي عصام غيدان اكثر هؤلاء ثقة بنجاح مغامرة كهذه' ويعطيه دور دليل الرحلة المضنية 'وعندما استدير اجده واقفا يشير بيده الى المكان ويراقب النتيجة بفضول.' كما فاض بالاعتراف بجميل موقف شريكته وحرصها على حماية المغامرة بالقلق الغريزي عليها.

والآن، ماهي مغامرة رياض رمزي بالتحديد، وقد كتب عن صدام حسين شيئا مختلفا عما كتبه الكثيرون بأمتياز.. انه باختصار دخل على خلوة الدكتاتور ورصد من هناك حركاته تحت سطوة الاحلام الروائية الشائهة، وفوق الكرسي 'لكني وجدت ان من يجلس على الكرسي قبالتي لم يكن غير بلادي'.

عندما تقترب من شخصية صدام حسين لتحللها وتخرج في تعريف وجيز لها (ونحن في ايام سقوطه المدوي) عليك ان تتفحص ادوات الحفر التي تحملها جيدا، وان تحتسب للاسئلة الهامشية التي تعترضك سبيلك، على الرغم من ان الكثير من تلك الاسئلة ستبدو مضرجة بالدم، فثمة دماء على رداء رئيس الدولة السابق ليست، بالضرورة، دالة دكتاتوريته ودمويته وشناعة اعماله.

واحسب ان هذا حصرا كان قد ورد في بال رياض رمزي وهو يتجه الى تلك المهمة الشاقة في كتابه (الدكتاتور فنانا) يقول:" كنت ادرك انه شخصية عصية على التعريف، ولا يمكن إلا الحدس بما ينوي فعله، إذ برغم سهولة الوصول الى صوره وانصاب تماثيله التي ملأت ارجاء البلاد، يكاد يكون استخلاص منهجه في الحياة مستحيلا. لم تكن سلطته الموحلة تشبه غير ارض وعرة المسالك ومجموعة استثناءات من غير الممكن القياس عليها، فهو لم يجلس قبالة كاتب سيرة كي يساعده على الافصاح عن نفسه، بل استعان باثنين رسما صورة له وفق ما يشتهي هو، فلم يظفرا إلا بوجه من وجوهه العديدة، كقيصر الذي فضل قبل موته ان يتلفع وجهه الفعلي بحجاب. كان علي البحث عن وجه الوجوه ذلك ".

ثم يمضي الكاتب في الحفر.." عندما تفحصت طريقته في الاداء وجدت انها تشي بوجود سر، ولم اكن اعرف ذلك السر، لكنني كنت اتشمم وجوده مثل سماع ترددات مبهمة لنغم بعيد لا يستطيع المرء ان يتعرف الى ايقاعه، إلا بايقاظ لحنه الغافي في الذاكرة، عن طريق طرق متواصل بمقدم حذائه... بيد اني كنت حذرا من إعلان وجود سر لغياب وسيلة فكرية تكشف عن طريقة تتيح الوصول اليه. تعين علي التريث طويلا بانتظار ان تستسلم العقدة وتُحل، هكذا كنت اشعر بوجود معنى مراوغ يفلت مني عندما اكون على وشك الامساك به.."

ويتقبل الباحث شروط التحدي، إزاء 'بطل' ادمن اثارة العواصف الرملية.. 'ان حربا طويلة خاضها البطل على مدى ثماني سنوات جعلته متمرسا في اثارة الخلافات. وما كان لخصام ان يحدث من دون ان تكون له حصة فيه. عندما انتهت الحرب مع ايران، كان البطل يبحث عن تلك الحروب السعيدة، فدعم المسيحيين في لبنان ضد سوريا، وهدد بحرق نصف اسرائيل، دخل في مواجهة مع بريطانيا عندما اعدم الصحافي البريطاني بازوفت، كان يتمنى المواجهات التي اطلق عليها تسمية شعبية (الكونة) بتوسل يضارع الابتهال' ويتوقف الكاتب ليذكرنا بالاتي: " ان طفلا اصيب بعلة خطيرة في طفولته سينتج بطلا يوقف النمو الطبيعي لصانعه... عندما كان هذا الطفل يتشاجر مع آخرين كان الحدث لا ينتهي بانتهاء الشجار، بل يبدأ بانتهائه ".. 'عندما بدأت عمليات (ثعلب الصحراء) قال البيان الرسمي انهم جبناء لا يقاتلون وجها لوجه.. الممواجهة لديه معارك محورها الوحيد شجاعة بدنية وارادة' ويخلص هنا الى القول 'هذه هي دراما انقياد الشخص الى ظله. الجري وراء صورة بطله التي ابتدعها في حكاياته. عليه ان يضفي قوة غير عادية على بطله لادخال خوف غير اعتيادي لدى اعداء يظهرون قباله في المنعطفات'.

ودائما يعيد رياض رمزي في مهمته القارئ الى محطات في سيرة بطله، الدكتاتور، ومن هناك يطلق حزمة ضوء على ما سيفعله هذا الشخص برهينته.. العراق.



 


 

Counters