| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

الأربعاء 7 /2/ 2007

 

 

ماذا يجري في صفوف حزب البعث


عبدالمنعم الاعسم

ثمة القليل مَن يتفاجأ حين يتابع انباء ووقائع التشرذم في صفوف بقايا تنظيم حزب البعث(العراقي) وعذر هذا القليل ان قبضة صدام حسين الحديدية، ودوره "الملهم" خلال المحكمة وعملية الشنق، والمناسيب الهائلة للعضوية والانصار وافراد التشكيلات المدنية والعسكرية المغلقة(3 ملايين عراقي) ستضمن "صمود" الحزب في وجه ملازم الوضع الجديد وتحول الحزب من السلطة الى المعارضة المسلحة.
وطبقا للبيانات والتقارير الاعلامية والمعلومات التي يجري تداولها في كواليس ونواد واتصالات في دمشق وعمان وصنعاء وبيروت فان الجسم التنظيمي لبقايا حزب صدام حسين توزع، حتى الان، بين خمسة مجموعات متناحرة في الخطاب والمسؤولية عما حدث والنظرة الى المستقبل، ويكن ان نتوقع تزايد التشظي بالطول والعرض في تضاعيف التطورات السياسية في العراق والمنطقة.
على ان اكبر كتلة تنظيمية في حزب البعث، الان، هي المجموعة التي تلتف حول عزت الدوري، نائب ووريث قيادة صدام، وهي تحظى –كما يبدو- بتأييد متحمس من الاحزاب القطرية في الاردن ولبنان، وتاييد غامض من بقية الساحات العربية، وقد اصدرت مجموعة الدوري، هذا الاسبوع، بيانا اتسم بالضعف والتوتر حذرت فيه من استشراء حالة التفتت والتجاذب بين البعثيين، وتوعدت بـ "ردع مَن يقدم على اي تصرف" واستبعدت عقد مؤتمر قطري استثنائي للحزب وقالت ان المطالبة بعقد هذا المؤتمر "مغامرة انتحارية خطيرة جداً" وذلك "لانعدام وجود اية ضمانة لعدم وقوع المؤتمر القطري في الاسر" ويلحظ الراصد ان البيان حفل بالاشارات الى"امن الحزب" وبالاخطاء النحوية، مما لم يسبق في بيانات حزب البعث، وباضفاء صفات "المجاهد" على الدوري، والغمز من قناة الموقف السوري، كما يلاحظ ان هذه المجموعة لا تضم اعضاء من القيادة القطرية السابقة، وان غالبية افرادها من لون طائفي ومناطقي قريب للدوري حصرا.
ويجمع المتابعون لشأن حزب البعث على ان وجود عزت الدوري على رأس هذه المجموعة الرئيسية ينطوي على عنصري قوة وضعف، في آن واحد، فهو يمثل قواعد الشرعية الحزبية بوصفة نائبا لصدام في القيادة، ولا مفر-بالنسبية لاكثرية الحزبيين المتواصلين مع التنظيم- من التزام هذه الشرعية وتأييد ممثلها حتى اجراء انتخابات جديدة، وهو، الى ذلك يعاني من مرض خطير قد ينفق فيه في اية لحظة، وحينها تحل العاصفة في صفوف هذه المجموعة التي تفتقر الى شخص موضع اجماع حزبي ليتبوأ القيادة وتجميع فلول التنظيم، بل وتفتقر الى اسم له شأن في الحياة السياسية والحزبية، ويعتقد انه بموت الدوري ستكون هذه المجموعة في مهب الريح.
قد يقال، انها استحقاقات الهزيمة السياسية والعسكرية، وهو قول ينطوي على نصف الحقيقة، اما النصف الثاني فيمكن رؤيته في الكثير من الحالات التي هزمت فيه احزاب وحكومات وانظمة، اذْ يحظى بعضها بالتعاطف والشفقة وحتى الاحتضان، وسط الجمهور او خارج الحدود، حين تغادر المعادلة السياسية نظيفة الثياب مما يشوبها من ثقوب وجرائم وطعون، فيما تحل اللعنة بالبعض الاخر بالنظر للخطايا والذنوب المعلقة في تاريخها.. اليس حزب البعث من هذا البعض الثاني؟
على ان مقتل الكتلة الرئيسية للحزب برئاسة عزت الدوري يتمثل في انها تحاول ان تعيد الحياة لصدام حسين عن طريق اعادة انتاج افكاره وسياساته وفنون حكمه وترجمتها الى الواقع، في وقت انتهت تلك الافكار والسياسات وفنون الحكم الى كارثة على جميع المستويات ليس اقلها دراماتيكية ما حل بصدام والحلقة الصغيرة من عائلته ، إذ قتل ولدا وحفيده واعدم هو واخاه، وينتظر اثنان مما تبقى من اخوته مصيرا مماثلا، وكان صدام وولداه قد غدرا باثنين من ازواج بناته قتلا، فيما جرّت سياساته كوارث للعراق وشعبه، بينها حرب ابادة للكرد وتهجير للملايين ومشانق وسجون وملاحقة لجميع اصحاب الراي والفكر والمعارضة السياسية، وثلاثة حروب اقليمية واحتلال اجنبي واقتتال طائفي.
هنا يمكن القول بان قيادة الدوري ستجد نفسها، ربما بعد شهور، امام استعصاء ان يكرر التاريخ نفسه، واستحالة المضي على سكة اثبتت الحياة حماقتها، اما اذا اصرت هذه القيادةعلى النفخ في صورة الماضي لنظام الدكتاتورية المقيت، فانها ستدفع ثمن النفخ في قربة مثقوبة.
مقابل هذا فقد نجح عضوان للقيادة القطرية( يونس الاحمد. مطني) في عقد مؤتمر قطري استثنائي للحزب في دمشق حضره حوالي الف من الكوادر الحزبية المدنية والعسكرية، وتفيد التسريبات ان الاتجاه العام لهذه الفعالية يتمثل في الاعتراض على نهج وقيادة وتحالفات العمل المسلح الذي يضطلع به الحزب، وحتى تصدر الى العلن وثائق هذه المبادرة ونتائجها، لا يمكن تأشير مسار وجدية المراجعة المطلوبة لتجربة وسياسات الحزب، وهو الامر الجوهري المطروح على طاولة البحث بالنسبة لجميع الاعضاء الذين ما زالوا على ارتباط بالحزب، في وقت تظهر الى العلن المزيد من الخفايا الرهيبة والمفزعة للمرحلة التي اقام فيها الحزب داخل "العلبة" الممنوع عليها الاتصال بالهواء الطلق.
وغير هاتين المجموعتين يشار الان الى حالة مستقلة يتحرك فيها تنظيم الداخل العراقي للحزب حيث ينخرط في الاعمال المسلحة، مثيرة للجدل واحيانا للازدراء، بسبب مصاهرتها لتنظيم القاعدة ومشاركتها في الهجمات التي طالت المدنيين واتخذت شكل الانتقام الطائفي المتوحش، ويجري الحديث عن تمرد تنظيم الداخل على قيادة الدوري واصحابه والمجموعات الاخرى بحجة انهم جميعا تركوا ساحة المواجهة واختاروا السلامة و"خانوا" الحزب و خذلوا صدام حسين بهروبهم الى الخارج، ويعتقد ان ثقل تنظيم الداخل يتركز بين عسكريين سابقين من القوات الخاصة وكوادر حزبية في بغداد وبلدات تقع الى غرب العراق وديالى والموصل حيث يتمتع النظام السابق بعلاقات وطيدة ببعض عشائرها المتنفذة.
وطبقا لتقارير نشرت في الصحف الاردنية وقصاصات من نشرات سرية متداولة في عمان فان رغد ابنة صدام حسين تتزعم مجموعة حزبية رابعة، صغيرة، لكنها موسرة ومؤثرة، وتتمتع بعلاقات وطيدة على المستوى العربي، وهي تحمّل جميع القيادات والكتل الاخرى مسؤولية نهاية صدام حسين وتحتفظ بسجل عن اسماء القادة والكوادر الذين سرقوا اموال الدولة وتصرفوا بامانات "الوالد" وخذلوه، وتشدد في هجومها على "المجموعة التكريتية" التي استاثرت باسلاب "الحزب والدولة"طبقا للتسريبات.
اما المجموعة الخامسة فهي "الكتلة الصامتة" من القادة والكوادر السابقين، يمثلهم سعدون حمادي. الصحاف. محمد الدوري، وعشرات الحزبيين في الداخل والخارج ممن لا يرون جدوى لنهج حمل السلاح ضمن المشروع الاسلامي المتطرف (القاعدة) وقد انضم اليهم قياديون فصلوا أو انشقوا عن الحزب بين السبعينات والتسعينات، ولم تتبلور بعدُ الملامح السياسية لهذه الكتلة، ويعتقد انها قد تظهر، يوما، الى السطح بمشروع سياسي ضمن معادلة التفتت التي تضرب اوصال حزب البعث، والادق، ما تبقى من حزب البعث.
ـــــــــــــــــــــ
وكلام مفيد:
ـــــــــــــــــــــ
"لا افتح باب الحق لمن يريده ان يبقى موصدا".
                                         كونفوشيوس