| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الثلاثاء 6/4/ 2010

 

رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء المقبل

عبد المنعم الاعسم 

دولة رئيس الوزراء..
اعرف انك وعدتنا كثيرا، واسرفت في هذه الوعود فوق ما تتحمله الظروف، وما يسمح به الواقع، واعرف ان وعود الانتخابات غالبا ما توضع طيّ سجادات السلطة وصفقات الحكم، وان الوعود وحدها لم تكن رافعة وصولك الى الرقم الاول في السلطة التنفيذية، بل ثمة روافع اخرى واقدار معينة وضعتك في منصب خطير، هو من اخطر مناصب الدولة العراقية الجديدة.

واعرف ان برنامجك الوزاري سيلامس الكثير من اشواقنا وشكاوانا، وستزدحم حمولته بالخطط والمشاريع والوعود ايضا، وسيشير الى ما ننتظره من مكافحة الفساد واستعادة دورة الادارة والخدمات، سوى انك ستلقى الكرة في ملعبنا، مرة اخرى، بالقول ان ذلك لن يتحقق من غير دعمنا لك، وستتوجه للذين انتخبوك والذين لم ينتخبوك بالدعوة الى التكاتف من حولك، والى المزيد من التضحية والصبر فوق ما كابدناه من التضحيات الاسطورية والصبر الجميل.

واحسب ان حكومة من ضرع واحد، ومن خيار واحد، ومن معسكر واحد، ومن قائمة واحدة اقرب الى لوازم الديمقراطية في وقت نعدّ لتحضير هذه اللوازم، وهي ايضا اقرب الى كفالات الاستحقاق الانتخابي و التجانسالمطلوب في الحلقة التنفيذية من الحكم، ونحن احوج ما نكون الى التجانس في هيئة اركان السلطة، والديمقراطية في احياة العامةوهي، الى ذلك، اكثر قدرة على تحريك الاقنية المعطلة في ماكنة الدولة، لكن، ما العمل حيال استحالة تشكيل مثل هذه الحكومة؟ بل وما العمل حيال الظرف التاريخي الحرج الذي يتوجب فيه تشكيل حكومة شراكة يتحمل فيها منافسوك في الانتخابات مسؤولية الادارة معك، ويقاسموك سلطة القرار؟

في هذا، دولة رئيس الوزراء المقبل، يكمن التحدي الذي يواجهك، واعني، في ادارة حكومة متنافرة لا يأتمر وزراؤها، فقط، بمشيئتك، فلهم مشيئات واحزاب ومراجع اخرى، وقد لايشاركوك فلسفتك وتصوراتك ومنطلقاتك، فلهم مصادرهم في الفلسفة والتصور والمنطلقات، وفي هذا حصرا، دولة رئيس الوزراء المقبل، عانا سابقوك من رؤساء الحكومات وتخبطوا، واخفقوا، لأن ادارة حكومة متنافرة في الاهواء والاجندات تحتاج الى مهارة كيميائية وسعة صدر، وتدبر، ومرونة، وحكمة، لكي يتحول التنافر هذا الى عامل قوة اضافية للحكومة، وفي ظني، ان حكومة شراكة من قوى مختلفة تستطيع ان تعبر بالعراق الى ضفاف البناء والاستقرار إذا ما كان رقمها الاول قادرا على ضبط هذا التنوع وتحريك شحناته الايجابية نحو عملية البناء، و(ايضا) إذا ما كان الشركاء قد استوعبوا شروط وضرورات واستحقاقات وقواسم الشراكة في حكومة واحدة.
اعرف، ان الامر في غاية الصعوبة، وان للنجاح في مهمة معقدة مثل هذه المهمة سلالم عالية.. وللفشل ثمن باهض، وانك قد تواجه (كما حدث الف مرة سابقا) من بين الوزراء من يتمرد على اوامرك، ومن تعجز عن ترشيده او تقويمه، او تقريبه من دائرة تفكيرك.

يا دولة رئيس الوزراء..
سواء كنت قد جربت الحكم، ام جئته اخيرا، فان محمولات السنوات السبع الماضية غزيرة بالدروس، ولعلي عاجز عن تعدادها جميعا، لكن من بين تلك الدروس، درس مهم اذكّرك به، واحسب انك تعرفه، ويتعلق باهمية مكاشفة الملايين بما يجري وعدم تجهيلها: كن صريحا معنا. لاتخفي عنا الحقائق.. ان الذين لم يمنحوك اصواتهم، مع انصارك، سيلتفون حولك عندما تضعهم امام ما يجري حقا، واعلم ان سياسة انصاف الحقائق تفسح في المجال امام الشائعات السامة لتنتشر في الجو وعلى الشاشات الملونة.. واعلم انها سياسة عقيمة كان رؤساء الوزرات السابقين قد قطفوا ثمارها العلقم، على التوالي.، واعلم ايضا، بان تأييدنا لك ليس ابديا، وبين يديك وقائع مرّ بها كثيرون غيرك، حيث انقلب عليهم المؤيدون قبل المعارضين.

وبصراحة متناهية، لقد فقدنا الثقة باقوال رؤساء الحكومات السابقين، فيما اعمالهم شحيحة قد لاترى بالعين المجردة، وبصراحة اكثر، انهم جعلوا منا مختبرات لتجاربهم الخائبة، ورطاناتهم، وكنا طيبين كفاية، بحيث كنا نصفح عنهم احيانا، ونعود لانتخابهم، ونبتلع وعودهم الغثة، بانتظار ان تتعدل المناهج، وتستقيم الامور، متواكلين على جرعات مورفين من قول جرجي زيدان "لايصح إلا الصحيح" وبدعة داروين "البقاء للاصلح" في حين مر "غير الصحيح" من بين عيوننا، ومكث "غير الاصلح" على رقابنا.

ثم، لاتتستر، يا دولة رئيس الوزراء، على الفاسدين، حتى وإن كانوا من حزبك او من بيتك. انك ستقوى كثيرا في تخلصك من غث الاتباع اللصوص والمهملين والادعياء، والانصار المغشوشين، وللاسف، فقد حمل الكثير من اولئك وهؤلاء اموالنا واحلامنا في اكياس الزبالة وهربوا بها الى ما وراء الحدود، بالافادة من الحصانات والتسهيلات التي تمتعوا بها من غير حق، وكنا نتداول اسماءهم التي تثير الغثيان، واخبارهم التي تثير القرف، ولم تكف الشاشات الملونة عن دسهم في منازلنا بين آن وآخر.

الطريق امامك ليس مفروشا بالزهور، ولا منحدرا سهلا، ومشكلتك، سيدي دولة رئيس الوزراء المقبل، هي الصورة السلبية التي نحملها حيال الحكومات السابقة حيث تفزعنا ارقام المليارات التي اهدرَتها تلك الحكومات في البالوعات والذرائع، ومشكلتك الاخرى، ان جلودنا ازدحمت بآثار السياط، فلم يتبق لك مساحة للجلد، لكن فرصك سانحة للعبورمن فوق كل ذلك الينا. نعم الينا. والفرص تُقتنص.. سيدي.. وحين تأتي لوحدها، مجانا، فستكون متوحشة، ناقمة، لا ترحم اولئك الذين اذلوها مثل "زيارة السيدة العجوز" في مسرحية دورنمات .

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"عندما نعرف ان احدهم يرقص على سلم، فان علينا تهيئة انفسنا الى لحظة سقوطه
"
                                                                                       دانييل دييغو
 

جريدة (الاتحاد) بغداد

 

free web counter