| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm13mm@live.com

 

 

 

السبت 6/12/ 2008



مهرجان كلاويز للثقافة الكردية
الحرية مرت من هنا

عبدالمنعم الاعسم

مهما احطتَ المهرجان الثقافي، اي مهرجان ثقافي في حال مثل احوال العراق، بحصانة النوع ورقابة التخصص فان السياسة ستكون هناك. وبكلمة، فان السياسة تملك مهارة اقتحام الميادين الاخرى بسهولة لافتة، فكيف اذا كان هذا الميدان يتخذ من الثقافة عنوانا له، فيما بين السياسة والثقافة مصاهرة ابدية، كما يقول البير كامو؟.

لكن الحديث هنا، وفي مايلي، سيتجنب الخوض في شعاب تعريفات الثقافة والسياسية، وسيلتقط منهما اوراقا ومعاينات تصلح كشهادة واحدة (بانتظار شهادات اخرى) لمهرجان كلاويز الثقافي في مدينة السليمانية(من 20 الى 27 نوفمبر 2009) اذ اجتاز هذا العام معبره الثاني عشر.

ماذا ينفع فعالية ثقافية، مثل فعالية كلاويز، تقدم، طوال ستة ايام، اجيالا من المولودات الادبية والفنية، ان تقول انها كانت ناجحة؟ هذا ما تخرج به حين تشد على يد الاستاذ ملا بختيار، مسؤول المهرجان، غداة كل فقرة بالقول: "انها فعالية ناجحة" فيرد عليك بسرعة وتواضع جم: "بوجودكم.." وطبعا لا يقلل من شأن ذلك الاستنتاج وهذه الحميمية بعض الملاحظات والمآخذ ذات الصلة بالتنظيم والمقروءات، ويعقب رئيس لجنة المهرجان عبدالله طاهر برزنجي على الانتقادات التي تفر من افئدة مشاركين مخلصين: "لا تنسوا ايها الاخوان اننا من العالم الثالث".

لكن المهم، قبل وبعد هذا المهرجان، ان ثمة خيط نور ساطع تلتقطه المعاينة الموضوعية يتصل بالاصرار على فتح باب المشاركة على مصراعيه، ويقولون لك، في كل مرة "ان هذا ليس بالضرورة افضل ما لدينا"و "ان ثقافة الاقصاء لا تجدي نفعا" ثم تقرأ في استهلالات المهرجان المدوّنة: "انه منبر حر لكافة الثقافات المتنوعة، واصيص لتفتح الورود الملونة الزاهية" وايضا: "ان حضنه مفتوح لمبدعي الشعوب المتآخية، ومثقفي المنطقة من الكرد والعرب والفرس والترك" .

هذا العام، كانت مشاركة الادباء العرب من العراق(ومن خارج العراق) اوسع و"اثقل" من جميع المهرجات الاحد عشرة، في العدد والقراءات والتفاعل(حوالي الاربعين مدعوا) وقد وصفها الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب العراقيين الاستاذ فاضل ثامر بالانتقالة الجديرة بالاهتمام، مقارنة بالسنوات السابقة، والامر اللافت ان الكثير من المشاركين العرب كانوا يحرصون على الاستماع الى القراءات الكردية(من دون ترجمة) ويمكثون على اماكنهم لساعات طويلة، وقال لي احدهم، عن صواب: "اننا نلتقط بآذاننا موسيقى الشعر الكردي ونتفاعل معها، ونتابع اجواء المناقشات الادبية والفكرية بلغة اهلها، والمهم، اننا نعوّد آذاننا على استقبال اللغة الكردية الشقيقة إذ تترسب الكثير من مفرداتها في الذاكرة حتى تصبح اللغة نفسها اليفة ومحببة" وإذّاك تذكرت ما كان يردده رسول حمزاتوف بالقول انْ "ليس لدي مشكلة مع لغات الامم التي احبها.. وطبعا لا اكره اية امة".

2

افتتاح مهرجان كلاويز كان بمثابة رسالة لمن يعنيه الوقوف عند اللحظة التاريخية التي تمر فيها الشراكة العربية الكردية، وهذه المرة في بعدها الثقافي، وقد ساهمت كلمات الرئيس جلال طالباني(القاها جلال الماشطة) باسم الدولة العراقية الاتحادية وملا بختيار بإسم مركز كلاويز وبرهم صالح باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، ووزير الثقافة لاقليم كردستان فلك الدين كاكه يي على التوالي، في التحريض على حماية هذه الشراكة مما يتهددها من علامات انكفاء في مسيرة التغيير، وفي تعمير الثقة في المستقبل على اساس جملة من المحصلات والمنجزات، ليس اقلها شأنا هذه اللقاءات الثقافية الطليقة.

وإذ انشغل الحضور بهموم المرحلة وصراع الخيارات في كلمات المسؤولين فقد داهمهم الشعر ليذكرهم بجدوى الامل، وجدارة البشر على ان يتآخوا وان يصنعوا عالما اكثر جمالا وروعة.

لكن الاكثر تعبيرا عن روح الشراكة الكردية العربية الثقافية برزت في تلك القصائد والمساجلات واللوحات والاغاني والنصوص الابداعية التي اثثت ايام المهرجان بالحميمية والتحليق، ولخصت نفسها في رجاء العمل المثابر من اجل عقد حقيقي لحياة “نتساوى فيها جميعا” وإثرائها في فعاليات لا تعرف المجاملة ونصوص لا تنكفئ الى الريبة، فيما ظهرت العينات الابداعية الكردية، على تنوعها وتفاوت متانة عودها، بافضل حلة عصرية، واوضح حساسية حيال التقليد، وذلك ما وجدنا اثره المسبق في دليل المهرجان الذي اشار الى انه “في هذا الظرف والواقع الحالي للثقافة الكردية ينبغي ان نأخذ بنظر الاعتبار مستجدات العصر الثقافية والكردية”.

لكن يوما من ايام المهرجان(السبت 22/11) كان قد سجل نفسه في عداد الايام الاكثر تحليقا خارج الخصوصيت، والادق، انه حلق بالخصوصيات وصبواتها الى فضاء مفتوح، واشتغل في رسم لوحة انسانية عميقة المعاني ساهمت فيها اصوات شعرية كردية وعربية وفارسية، فاتحدت السلالات والايقاعات والصور في نشيد وجداني يعبر من فوق اللغات وبواسطتها الى الحضور، ومنه الى تاريخ، شعريّ وابداعي، ذي شأن لامم تعايشت طويلا وانتجت ثقافات لا تنطفئ.

ومن القراءات الشعرية الى صالات الفن التشكيلي، الى معارض الكتب، الى اصبوحات البحوث والمناقشات، الى اماسي الغناء والموسيقى، الى اللقاءات وحلقات الجدل وتبادل الآراء الصغيرة، الى سيل الكتب والمجلات التي توزع على المشاركين، الى الصور التذكارية وتبادل العناوين والاصدارات، كانت ايام كلاويز الثقافية تتسارع نحو تشييد حقل للتسامح، من تجارب متباينة في ما بينها، ومدارس مختلفة في اتجاهاتها، ورؤى متمايزة عن بعضها.. انه التنوع حين يحظى بالاحترام والرعاية والحماية، وهو الحرية حين تجد من يدافع عنها ويتمثلها في اشكال ابداعية، وهو، الى ذلك كله، مناسبة بدت فيها السليمانية حاضرة عريقة للثقافة الوطنية الكردية، ومضافة لشهود عصر جديد من ثقافات اخرى.

3

لم تكن اللقاءات وحلقات الخواطر والمناقشات الجانبية التي عقدت على هامش مهرجان كلاويز، وشارك فيها ادباء ومبدعون من جميع الاجيال والمدارس والتجارب، باقل اهمية من فقرات برنامج المهرجان نفسه، فقد بدت من زاوية معينة كمهرجان آخر لكلاويز، او قل انها كانت حشوة اضافية لزخم المجادلات والافكار التي جرت على المنصات حول فروض تصويب النظرة الى الابداع والمبدعين في عالم متغير.

ومن الثقافة الى السياسة، ومنهما الى الحياة والمسؤولية عنها، كانت الاراء تتشابك، وهي تدور على طاولات صغيرة في بهو (فندق آشتي) وفي مقاهي ومطاعم وزوايا، هنا وهناك.. تتفق، تنأى عن بعضها، تحلق بعيدا، ثم تدور على نفسها بحثا عن الوجوب والاختيار والحرية، وكانت حافات الافكار تصطدم ببعضها، فيتصاعد دخان السكاير، وتتصاعد معه حمية اللوم واللوم المتبادل. العزة بالاثم بالعزة بالولاء. التزام المقولات بالتزام المراجعة. حرية المبدع. الاحسان. الاذلال. الاعتقالات. التهديدات. الخارج. الداخل.. الى آخر ما ينشق عن هذه العناوين من شظايا.

وهكذا، فما (ومَن) لم يحظ بفرصة وحظ المناقشة في حصص البرنامج المزدحمة يحد فرصته من النقاش خارج القاعة. ومن تلك الحلقات المتناثرة الى غرف النوم تنتقل حرارة المناقشات، لكنها هذه المرة تخف، تنبسط، تسترخي، وتستسلم الى نداء الشراكة الحميم في انقاذ الضمير المبدع وحمايته من العوز والانتقام والتلوث والخوف.

المشهد الثقافي الكردي، باسئلته ورموزه وعلاماته، كان موضوعا يتصدر الموضوعات المتداولة، وكانت التخطيطات والمداخلات والاشارات المنشورة في مجلة كلاويز ومطبوعات اخرى، وطائفة كثيرة من الكتب والاصدارات (وعدد كبير منها مكتوب بالعربية او مترجم لها) حول ملامح واتجاهات هذا المشهد قد ساعدت على تركيز الجدل واثرائه وعلى التقاط محسوسات النمو المضطرد في الكم الثقافي الابداعي على ميتوى اقليم كردستان، والاهم، في تسهيل التعرف الى الاصوات الجديدة للمنجز الثقافي الكردي، والاكثر اهمية يتمثل في تلك الحلقات التي جمعت ادباء من محافظات العراق(ومعتربين)بالكثير من الاسماء الجديدة في الابداع الثقافي الكردي.

وإذ اتجنب توثيق هذه الانتباهات بالاسماء والاعلام التي حضرت وساهمت في المناقشات ذات الصلة، خشية ان تخذلني الذاكرة فاعبر اسما اوعلما، فانني لا بد ان اشير الى اسماء مهمة في عالم الادب الكردي غابت عن المهرجان فيما هي قريبة منه، في الجغرافيا والابداع، اذكر منها الشاعر الكبير شيركو بيكه س وصديقي الشاعر المبدع رفيق صابر والكاتب الرصين محيي الدين زنكنة، فيما علمت بالاسباب الصحية لغياب الاديب الكبير مصطفى رسول، وقد حملت حزني ثقيلا إذ غادرت مدينة السليمانية .. مدينة النجمة كلاويز.. دون ان اعوده في منزله، متمنيا له الشفاء العاجل ليعود الى بقعة الضوء التي ائتلقت طويلا باوراقه وافكاره.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
القليل المستمر يملأ حافظة النقود”
                                 مثل انكليزي
 

free web counter