| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

 

الأربعاء 6/6/ 2007

 




قضية شرف عراقية على طاولة البحث
 

عبدالمنعم الاعسم

اعترف اني متردد في الحديث عن هذا الموضوع، مع انه ، بكل خلفياته وابطاله، لا يعدو عن كونه قضية اجتماعية، أو على وجه الدقة ، قضية (عراقية) مأساوية لا يصح ان تبقى اسيرة الحساسية الاخلاقية ، او رهـــن الغيرة على الشـــــرف الرفيع، سيما انها من افرازات الصراع السياسي ، وقل من افرازات الحرب والعنف واعمال الارهاب والطائفية والفساد والبطالة وغياب قيم وفروض حقوق الانسان ، وسأكون كاذبا لو قلت اني سأتحدث ، هنا، عن كل ما اعرفه من اسماء وسماسرة ووقائع وامكنة موصولة بهذا الملف ، لكني اصدق القول في ما سأعرضه من عناوين وجزئيات قد تكون مقدمة لمعالجة الموضوع على نحو اوسع مني ، ومن آخرين ، لا تأخذهم في الحق لومة لائم.
اتحدث عن ظاهرة البغاء في العراق، وتحديدا، عن فصلها الدرامي ذي الصلة بتصدير الفتيات العراقيات الى الدول المجاورة لممارسة هذه المهنة التي يقال انها اقدم مهنة قذرة في التاريخ، وفي حافظتي افلام قصيرة وتقارير موثقة ومصورة عن ذلك ، لكن المهم بالنسبة لي ان اقول التالي : ينبغي لجميع الذين يتصدون لهذه الظاهرة ان يسموا بالنظرة اليها فوق الشعور بالمهانة الوطنية او القبلية او حراجة الشرف العراقي ، فليس ثمة شعب او بلد خال من هذه التجارة التي تتخذ اشكالا معقدة ومختلفة ، ولها اسواق واقنية ، وفيها اموال وسماسرة ، وعنها كوارث وضياع وإزهاق ارواح وفتن ، كما انه ليس ثمة حرب او دورة صراع وعنف في التاريخ لم تكن لتخلف جيشا من النساء اللواتي يتاجرن بأجسادهن لسد لقمة العيش، ولا يمكن لبلد ينتشر فيه الفساد وتعمّه البطالة ويقف على مشارف مستقبل مجهول، مثل العراق، ان لا ينتج ظروفا تضطر فيه نساء (تتفاوت اعدادها وثقافاتها واسبابها) الى الانخراط في مهنة حرمتها القوانين وعالجتها المجتمعات الجديدة بوسائل علمية وتربوية واجتماعية.
في طي الوثائق التي اطلعتُ عليها ثمة فتيات عراقيات يتسكعن في شوارع حلب في منتصف الليل بحثا عن زبائن، واخريات تنقلهن سيارات خليجية فارهة من منعطفات فنادق كبيرة في دبي، وغيرهن ينتظرن في حانة من حانات مدينة عمان مَن يدعوهن الى وجبة عشاء وسهرة، وثلاثة من الفتيات العراقيات بملابس خالعة يتطوطحن في احد شوارع القاهرة سيئة السمعة ، وإثنتان من العراقيات يُدرن مبغى في عاصمة خليجية على واجهته يافطة تقول "استراحة عراقية" وطابور من الفتيات العراقيات الصغيرات امام السفارة اليمنية بدمشق يقودهن سمسار لبناني كان قد تعاقد معهن على الخدمة في "مقابل" جنسية تابعة لمشايخ يمنيين ، هذا فضلا عن رسائل لفتيات غَرّر بهن رجال من ابناء جلدتهن للتجارة بالجسد ويعشن ضائعات في بلاد الغربة، ورسائل اخرى لفتيات قادتهن مهنة البغاء الى سجون ومواقف شرطة في البحرين والكويت وبيروت وتونس، لم تسمع بهن سفارات بلادهن (واغلب الظن لا تريد ان تسمع) لا يجدن من يتكفلهن لدى سجانيهن من اهل الخير والاحسان والغيرة ليعدن الى بلادهن، وغير هذه وتلك، بين يديَّ روايات مفزعة ومخيفة عن اسر طحنها الجوع وهرستها الحاجة فلم تجد اقصر طريق لتأمين رغيف الخبز والعيش الآمن من دفع بناتها الى طريق البغاء، ونشرت الصحافة الغربية تقارير مصورة عن طائفة من الفتيات العراقيات يقدمن الخدمة الجسدية في مضافة معسكرات الجنود الامريكان، وثمة هنا وهناك مصائب واقدار لا احد يعرف على من يلقي بمسؤوليتها.
اقول ايضا: في ما بين السطور ثمة اسماء فتيات يزاولن المهنة في شوارع العواصم المجاورة يتحدرن من عائلات ومقامات، وبينهن من كل القوميات والاديان والطوائف والقبائل والمناطق، وليس ثمة جبين قبلي انصع من غيره، واقول ايضا: قد يرى البعض ان الغيرة والشهامة وموجبات الشرف تقتضي تحريم الحديث العلني عن لجوء نساء عراقيات الى بيع اجسادهن في سوق النخاسة، وتجريم الاشارة الصريحة الى هذا الواقع المؤسف، وقد يعدّ هذا البعض الكشف عما وصلت اليه الاحوال الاجتماعية من انحطاط بمثابة مهانة للوطنية العراقية، بوصفها قضية شرف، ووصفة للشعور بالعار، غير اني لا ارى ما يرون، ولا اسجل هذه الظاهرة في مسؤولية هذا العهد لابرئ ما سبقه من مسؤولية.. القضية بحاجة الى العلاج الجدي، استرشادا بالوسائل التي اعتمدتها الشعوب الاخرى، وبحاجة، قبل ذلك، الى تحديث النظرة الى معنى العار.. فالعار ان تبقى المخازي تحت الشرشف.
ــــــــــــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــــــــــ
" الاقلال من الضار خير من الأكثار من النافع ".
                                                            ابقراط