| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                               الأحد 6/11/ 2011

 

الانسحاب والذين يحدون سكاكينهم

عبد المنعم الاعسم 

الذين ينتظرون انسحاب القوات الامريكية من العراق، وقد صار هذا الانسحاب واقعا وقيد التنفيذ، كثيرون، قد لا يجمعهم هدف، ولا توحدهم وسيلة، وقد يكونوا خصوما في ما بينهم بحيث لا يأكلون على مائدة واحدة، او اصدقاء حد النوم في فراش واحد، او يكونوا اصحاب مشاريع خاصة يتصرفون بالامر وفق اقتصاد السوق السياسي، والبضاعة الرائجة، وخذ وهات، او انهم وكلاء مشاريع عملاقة، عابرة الحدود والقارات والاستراتيجيات، وربما، في صراع اللامعقول سيلجأون الى عقد صفقات تحتية يتقاسمون فيها الادوار والغنائم، او سيتعاركون على اللقمة الاكبر، او على الفضلات من الدبابات والاليات المنسحبة.

انهم، في السر والعلن، يحدّون سكاكينهم باعتبار انهم سيتعاملون مع لـُقطة قد لا يتاح العثور عليها في وقت آخر، او مع فريسة قد لا يكرر الحظ فرصة ايقاعها مرتين في حبائلهم، او كنز قد لا يمنّ الزمان به كثيرا، او بلاد شاردة من حدودها بأمل العثور على من يأويها ويضمها اليه، او انهم حيال ساحة نموذجية لتصفيات الحساب او لملء الفراغ او لقضم ما يتاح من الكعكة والارض.

ومن الفرضيات البلاغية الى الواقع، فان موضوع انسحاب القوات الامريكية من العراق وضع نفسه فجأة على طاولات البحث الاستثنائي والعاجل في الكثير مما يسمى بـ"غرف الطوارئ" لدى الكثير من الدول، التي تقع على مرمى الحدود، او التي تقع على مرمى الجغرافيا الاقليمية، وتفيد التقارير الاعلامية المحدودة ومعلومات ما بين السطور وكثافة عمل الخطوط الساخنة بين عواصم المنطقة، وبخاصة بين المحاور الاقليمية ان التعامل مع العراق بعد خلوه من القوات الامريكية اُخضع الى عملية اعادة تركيب بحيث لا يترك منطقة نفوذ لخصوم في المنطقة قد يثبون منه الى هدف تغيير المعادلات الامنية في المنطقة، او استخدامه في كسر شوكة بعضهم البعض.

وبموازاة ذلك تستعدّ وكالات تدَخّل وخلايا تحريض وتآمر وعصابات تهريب ومافيات اقليمية ومنافذ اعلام ودعاية وتلفيق لترمي بنفسها على خط الحالة العراقية ما بعد الانسحاب في سباق مع الدول نحو الكعكة الشهية، او في استعراض سوقي لتقديم الخدمة، مدفوعة الثمن، لمن يحتاجها، وهي تقوم الآن.. اؤكد الان.. بتمارين، او مناورات تعبوية وتسريبات مثيرة لترفع من شان الوظيفة التي تضطلع بها، وعندما سيقترب موعد الانسحاب، سنتفرّج على شاشات ملونة مزدحمة بالروايات والفضائح والشبهات، وستحل حفلات التهريج محل افلام السهرة.

الى ذلك ليس ثمة سر في القول بان جميع الفئات السياسية العراقية، الحاكمة والمشاركة في الحكم والعملية السياسية، او المعارضة لها، وبمن فيها التي عارضت و”قاومت” الاحتلال وحكومات المرحلة، تعدّ نفسها لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الامريكية، وتبحث الاحتمالات الناجمة عن الفراغ الامني في البلاد، وتسعى، كل جهة على وفق مصالحها ومكانتها واهدافها السياسية، الى وضع منطلقات وسقوف وآليات التعامل مع الوضع الجديد، واستثمار “فضائل” هذا الانسحاب او لإتقاء هزّاته واستحقاقاته السلبية، وبخاصة ما يتعلق بالتعامل مع الضغوط الاقليمية وتمدد دول الجوار في الخواصر العراقية.

من داخل هذه الحقيقة لا بد من اهمال المناقشة في سلبيات وايجابيات الانسحاب، فان قرار الانسحاب ليس عراقيا في جوهره، وهو ويدخل في صلب الاستراتيجيات الامريكية، ولا بد (ايضا) العبور من فوق الصح والخطأ في هذا القرار، فهو شأن امريكي بالمقام الاول، كما ينبغي إرجاء البحث في قضية الالتزامات الامريكية حيال العراق، وامنه، وما يقال عن التدخل الخارجي والايراني على وجه الخصوص، فان الاجراءات تجد طريقها الى التطبيق على ضوء التهديدات التي تطال مصالح الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، وبحسب الهامش الذي تتيحه القرارات الدولية.

وبصرف النظر عن تقييم الدور الذي لعبه الوجود العسكري الامريكي في العراق، فان التصريحات، مفرطة التفاؤل، عن متانة الوضع الامني في العراق، وسلامة جبهته الداخلية، ونفي وجود تهديدات اقليمية، واخطار الفتنة الطائفية، ونشاط قوى الارهاب وفلول النظام السابق، لا تعكس استيعابا واقعيا للاحتمالات، ولا تنفع في تهدئة المخاوف او في تطمين المواطنين، هذا إذا ما استبعدنا سوء النية لدى بعض الاطراف التي تكرر الاعلان عن متانة الاهلية الامنية المحلية لتمرير خطة ملء الفراغ الامني بعد الانسحاب استقواء بالقوى الخارجية.

كل ذلك لا يقلل من شأن الفرصة الحقيقية، المتاحة، امام قوى العملية السياسية لبناء مواقف وسياسة وتفاهمات جديدة تسد الباب على قوى الارهاب والجريمة التي تخطط لاغراق العراق بالفوضى والاضطرابات والدماء، وتتخذ من الطاقات الشعبية وارادة الملايين سبيلا الى مواجهة تحديات ما بعد الانسحاب، عبر الاستجابة لمطاليبها في الخدمات والحريات واحترام حقوقها في ثروة البلاد، وإشراكها في معركة البناء وحماية الامن، وقبل كل شيء، التخلي عن السياسات الفئوية الانانية، ونهج التستر على الفساد والفاسدين.

المعركة المقبلة اخطر من معركة اسقاط نظام صدام حسين، بكل المعايير، وَمن يراها فرصة لرفع مناسيب الامتيازات والنفوذ والسطوة سيجد انه اختصر الطريق الى الملامة.. وعض الاصابع.


جريدة (الاتحاد)
 

 

 

free web counter