| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm13mm@live.com

 

 

 

الخميس 5/2/ 2009

 

ما بعد انتخابات المجالس..
ثلاث زوايا نظر

عبدالمنعم الاعسم

1-
قال لي مراسل اجنبي(تونسي) بعد ان شاهد طوابير العراقيين في المراكز الانتخابية(شاهد اربعة مراكز) وقرأ وتابع تقارير من بغداد والانبار والبصرة: تبدون لي شعبا آخر غير الذي عرفته قبل اربع سنوات وحتى قبل سنتين.. قل لي، بحق السماء، كيف تولدون، او تتجددون، هكذا، برمشة عين؟ مازحته بالقول: انه سر المهنة.
في فندق الشيراتون، حيث اخترت كمستشار اعلامي لمنظمة محلية مستقلة لمراقبة انتخابات مجالس المحافظات، كان هاجس الاعلاميين، عراقيين واجانب، ان يهبّوا صوب اي حريق يشب بين انصار القوائم، او اي تفجير انتحاري يستهدف مركزا من مراكز الانتخابات او طابورا من الطوابير المتراصة على صناديق الاقتراع، او اية مخاشنة او مشادة في حي من الاحياء، وكنت اتملى السطور التي تنهال علينا من الآف من مراقبي المنظمة في بغداد والمحافظات، فاتوقف عند الانتهاكات والمخالفات والتعديات، لكنها جميعا لم تكن لتتضمن مذابح بين السكان ولاحادثا دمويا (ب
أستثناء حادثين متفرقين سجلا كخطأ على رجال امن) او حوادث اصطدامات، ولم تكن لتحول دون زحف الملايين العراقية الى مراكز التصويت.
قال لي المراسل، بعد ان قرأت عليه مختصرات التقارير الميدانية: بالله عليك، اين ذهبت طوائفكم؟ اين الشيعة؟ اين السنة؟ كيف اختفى كل ذلك؟ واضاف: انتم تثيرون حيرتي.. بل تحيرون العالم الذي يتابع بذهول كيف تدخلون نادي الديمقراطية التعددية وكأنكم من رواده القدماء. اجبته في محاولة توضيح ومنعا للاستطراد: مهلا ياصديقي، من السابق للاوان ان تقول ان العراقيين انتقلوا أو تجاوزوا، الى الابد، اخطار الاحتقانات الطائفية والفئوية، او القوا باصحابها الى خارج المشهد، فان الذين جنوا ويجنون من الطائفية والفئوية، وتاجروا ويتاجرون بهما كثيرون، وهم لا يزالون في قلب المعادلة، وينتظرون الفرصة ليعاقبوا الشعب على خروجه عن الطاعة، والقضية ببساطة ان الشعب العراقي، بسواده الاعظم، دفع الكثير من الارواح البريئة والثروات والاموال والاستقرار والعويل جراء تلك الدوامة، وصار اصعب من ان يغويه المشروع الطائفي الدموي، ولا يزال الطريق طويلا امامه لكي يسد تلك الثغرات التي تتسلل منها عواصف التراب، الطائفية والارهابية والجاهلية.
واحسب ان مثل هذا النقاش دار ويدور في محافل كثيرة بعنوان: العوامل التي جعلت من انتخابات مجالس المحافظات التي جرت يوم امس الاول حدثا ذي دلالة انقلابية في مجرى الصراع السياسي في العراق، إذ اظهرت العراقي، كوحدة سياسية واجتماعية، بانضباط عال في استخدام حقه الدستوري لاختيار ممثليه في الحكومات المحلية ، الامر الذي سيثري علم السياسة.. ويضرم النار في مواقد التوقعات.

2-
لاينبغي ان نقلل من شأن الرقم 51 بالمائة كنسبة للذين استخدموا حقهم الدستوري في انتخاب ممثليهم الى الحكومات المحلية، وهو يمثل سبعة ملايين ونصف المليون من اصل 15 مليون عراقي يحق لهم التصويت، فان مثل هذه النسبة تضع العراق، حديث التجربة الانتخابية التعددية، في مصاف الدول الاكثر تجربة في التنافس الانتخابي، بل انه تجاوز جيرانه وشركاءه في اقليم الشرق الاوسط في هذه النسبة التي لم تزد في مصر عن 23 بالمائة وفي تركيا عن 21 بالمائة وفي المغرب عن 31 بالمائة وفي سوريا عن 37 بالمائة(دمشق 15 بالمائة) وحين صوّت في فرنسا 31 بالمائة ممن يحق لهم التصويت اعتبرت قياسات الرأي العام ذلك بمثابة “طفرة” في الاقبال بالمقارنة مع 21 بالمائة هم الذين صوتوا في الانتخابات السابقة.
اقول: لا ينبغي ان نقلل من شأن هذا الرقم، وإن تراجع عن نسبة الاقبال في الانتخابات السابقة باكثر من خمسة عشرة نقطة، والمطلوب من حلقات البحث والجهات الآكاديمية والاعلامية والسياسية ان تتوقف عند تلك العوامل والاسباب التي كانت تدفع الجمهور الى الاقتراع، اخذا بالاعتبار بان “ارباكات” تنظيمية عديدة حالت دون مشاركة ما يزيد على نصف مليون عراقي كانوا قد توجهوا فعلا، في مدن كثيرة الى صناديق الاقتراع صباح يوم الانتخابات فلم يجدوا اسماءهم على قيد المسموح لهم بالتصويت، هذا بالاضافة الى بضعة عشرات الالاف من النازحين الذين تعذر عليهم تأمين بيانات التصويت، وعشرات الالاف الاخرى ممن تعذر عليه الحصول على البطاقة التموينية، من العائدين من المنافي والمهاجر، وكاتب السطور واحد منهم.
الدلالة الاكثر اهمية من سواها تتمثل في تراجع (اقول: تراجع)المحمولات الدينية او الطائفية او القبلية التي تحث على التصويت، وتختزل الحق الدستوري للمواطن الى انتخاب هويات او اشباح او مخاوف أو توجسات، وجميعها جرّت، في السابق، الى سلسلة من الاخفاقات والعجز والشلل والخذلان، واثثت المشهد البرلماني ومجالس المحافظات بالاستقطابات المريرة، فضلا عن انها فتحت الباب على مصراعيه امام انصاف كفاءات ومتدربين على الادارة والقيادة والتعامل مع الشأن العام، على الرغم من ان حجم التصويت كان مرتفعا، وان المشاركة كانت تتسم بالجدية والحماسة و”المخاشنة”.
على انه لم يكن بعيدا عن الصواب القول الشائع بان انتخابات مجالس المحافظات في الحادي والثلاثين من يناير 2009 تُعد تمرينا عميق الاثر في تجربة الانتخابات التعددية، لا يصح اختصاره الى وسام يعلق على صدر سياسي او مسؤول او حزب، ومَن يعتقد انه قطار يوصل احد المسافرين الى محطة الحكم الابدي فانه لم يقرأ نتائج الانتخابات كفاية.

3-
بعد انتهاء الانتخابات، وتشكيل مجالس محافظات جديدة، سيأتي، ربما من اول يوم، وقت السؤال اللجوج عما ستقدمه هذه المجالس من خدمات واجراءات عاجلة وعدت بتحقيقها للمواطن الذي لم يبخل بصوته العزيز وآماله النبيلة وصبره الطويل ليضعها جميعا في صندوق الاقتراع، لكن ليس من غير ان يقول: حسنا، انتخبناكم، فما عساكم فاعلين لنا؟
في سجل المجالس السابقة، تحت اي هوية وتابعية كانت، ملفات زاخرة من المخالفات والتخبطات والتعديات على القوانين وإهدار المال العام، ومن الطبيعي ان تفتح المجالس الجديدة تلك الملفات، بل ومن واجبها ان تقوم بذلك كشرط لتصحيح مسارات الخدمة والايفاء بالتعهدات التي قطعتها للمواطن، هذا عدا عن مشكلة الصلاحيات والتشريعات التي خلقت سلسلة من الاضطرابات في العلاقة بين الحكومات المحلية والحكومة المركزية، واظهرت هذه السنوات شكاوى يومية من تخطي الحدود القانونية على يد المركز او المجالس، الامر الذي كان يكشف على الدوام عن جهل بالانظمة والقوانين، إن لم تكن مصالح و”اجندات”من وراء تلك التداخلات والشكاوى.
ولن تتوفر للمجالس الجديدة فسحة كبيرة من الوقت لكي تتدرب على تقديم الخدمة العاجلة للمواطن، فان احدا لن يصدق ان الفائزين يحتاجون الى اربعة اعوام اخرى لكي يتعرفوا الى احتياجات محافظاتهم وبلداتهم ويمسكوا بمفاتيح الحلول للمشكلات التي يعانيها السكان، كما لن يكون اكثر استفزازا واحباطا للمواطن العراقي من التعلل بالعنف او بالفساد او قلة الخبرة او ندرة الاموال للهروب من مسؤولية تنفيذ الوعود فورا، واحياء الخدمات الضرورية العاجلة، تلك الذرائع التي مرّتّ من تحتها ابشع مفرات العنف والفساد والجهالة والتبديد.
بل ان العديد من المجالس السابقة كانت عبئا مكلفا على المواطن وحياته إذ انصرفت عن التزامها بتأمين الخدمات والظروف الامنية ومشاركة المتضررين واليتامى والارامل والنازحين والعاطلين عن العمل معاناتهم الى الاستعراضات وحملات التجهيل وتقاسم النفوذ والامتيازات، وقد لجأت في الاشهر الاخيرة الى التواطؤ مع المتجاوزين على اراضي الدولة والمال العام بتسهيل مخالفاتهم وتغطية تجاوزاتهم كوسائل لشراء اصوات المخالفين والمتجاوزين وتكوين البطانات من بينهم، بدلا من إنصاف المحتاجين والمتضررين منهم.
لقد وجهت الملايين العراقية يوم الحادي والثلاثين من كانون الثاني رسائل فصيحة الى الساسة العراقيين، بوجوب احترام ارادتها على نحو جديد، ورسائل اخرى اكثر فصاحة الى الاعضاء المنتخبين للمجالس الجديدة بوجوب قراءة صبرها جيدا.. فللصبر حدود.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
اذا كنت لا تستطيع ان تبتسم، فلا تفتح دكانا".
                                          مثل صيني
 


 

free web counter