| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

malasam2@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 5/11/ 2007



نزيهة الدليمي..
صوفية في زمن آخر

عبدالمنعم الاعسم

يبدو الان صحيحا الى حد ما بان الكتابة عن امرأة من الشرق هي مرثية بذاتها، كما كان يقول طه حسين، لكن الامر صحيح قطعا في حال الكتابة عن امرأة من العراق، وبخاصة حين تكون هذه المرأة، مثل نزيهة الدليمي التي سبقت الكثير من بنات جلدتها، من هذه الخاصرة الشرق اوسطية، الى منصب وزيرة، وسبقتهن، ايضا، الى الانخراط في العمل السياسي السري ثم المسلح، وكانت قد سبقتهن الى الجمع بين انبل مهنتين، واقول خدمتين: الطب والشأن الوطني.
الآن، بعد شهر، سكن الموت في جسد نزيهة الدليمي التي قدمت لنا موتا جليلا يضاهي مأثرة حياتها الجليلة، واخشى ما اخشاه ان تكون هذه الانسانة والطبيبة والمناضلة والقائدة النسائية العراقية، ضحية لتلك اللعبة التي اخترعناها من خضم مآزقنا والتباساتنا.. لعبة النسيان.. إذ نأسف، عادة، على موت اسم كبير، ثم سرعان ما ندسه تحت مشغولياتنا اليومية العجيبة ليصبح ذكرى، ليس إلا.
في المرات القليلة، المتباعدة في السنين والعواصف والامكنة، التي التقيت فيها بنزيهة الدليمي، لم تكن إلا متحدة مع نفسها، مثل اتحاد قبيلة افريقية، ومنسجمة مع عقلها انسجام صوفي مع قيم المحبة والعطاء والافتداء.
في جلسات استراحة، هنا وهناك، كنت اشعر، في حضورها، باننا محروسين بعينين رحيمتين وذهن متوقد، وبملاحظات عن الحياة والعمر، وحين اتذكر تلك المرات التي كانت تتحدث فيها عن مشاوير النضال ومفارقات الاقدار واوراق منسية من دفاتر رفاقها، ازداد اقتناعا بان العمر لا يعدو عن جلسة عابرة، وان نزيهة الدليمي قد تركت، غير هذه الحكمة الثمينة، وصايا نبيلة عن جدوى التضحية في سبيل قضية الوطن، وخواطر عميقة الاثر عن حب الناس العاديين العابرين الى المجهول. كانت تدرب رفاقها ورفيقاتها على اختزال العطاءات والتفاعل مع العالم الى خدمات مجدية.
مرة تحدثنا كثيرا بحضور نزيهة الدليمي، وكنا نخبة نتبادل الخشونة والاراء، والتحليلات وسوء الظن، فاكتفت “الدكتورة” بالصمت، وعندما الححنا عليها بطلب التعليق، قالت: بدل ان نحصر النقاش في غرفة وحلقة من الاصدقاء لنخرج الى الناس نسألهم ثم نحلل اجاباتهم.. هناك سنجد بعض الحقيقة وربما الحقيقة كلها.
وعندما نطالع حياة نزيهة الدليمي التي كان اسمها يوما على كل لسان، في العراق وفي المحافل العالمية، لا نجد الكثير من السطور عن “بطولات الانا” لامرأة كانت بطلة حقا، ولديها الكثير مما تفخر به وما يمكن ان تصنع منه “انا” متزاحمة مع غيرها. كانت “اناها” وبطولتها الحقيقة تظهر في انها لا تتحدث عن نفسها ، وفي امتياز التواضع الجم، ونكران الذات الطيفي، ويمكن القول ان مشوار حياتها وفصوله اللصيقة بتلك الصبوات والاحلام النقية يرسم لنا شخصية صوفية بامتياز.. صوفية في زمن آخر، تجسدت في عودتها، جسدا، الى تراب الوطن الذي احبته وبذلت من اجله كل ما تملك، تكتفي بالقليل من منشآت الحياة، وبالكثير من ذلك الحب الطيفي.
لم تكن نزيهة الدليمي لتنخذل امام الاسئلة، او لتخون عمرها.. لكن المفارقة الحزينة شاءت ان تخذلها الاسئلة في اخر المشوار، ويخونها العمر في شائك الظروف.
ــــــــــــــــــ
كلام مفيد:
ـــــــــــــــــــ

لو لم تستطع أن تطعم مائه شخص، فأطعم واحدا على الاقل
                                                     
  الأم تيريزا

جريدة (الاتحاد) بغداد
 


 

Counters