| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

الأثنين 4/10/ 2010

 

البعث.. وإحياء "الحزب القائد"

عبد المنعم الاعسم 

يعد المشروع السياسي لمستقبل العراق “بعد الاحتلال” الذي اطلقه نهاية ايلول فريق من حزب البعث يسمي نفسه ”تيار المراجعة” اول محاولة تتقدم بها فلول الحزب الذي حكم بالحديد والنار والحروب واحتكار السلطة منذ ان اطيح به، تنطوي على الاعتراف المدوّن الخجول للهزيمة التي مني بها الحزب، واول اعلان مكتوب يتحدث عن انتخابات (وإن في فترة لاحقة) برعاية الامم المتحدة، لكن النظرة الرعوية وفق الثقافة الصحراوية (لا المسيحية التقليدية) بقيت في اساس هذا المشروع، وحتى في ملازم الاشارة الى خيار الانتخابات بعد ان تستتب الاوضاع للرعاة الجدد.يقوم جوهر الفكر الرعوي على ان السلطة هي القوة، وهي حق لصاحب السيف، وان ابطال الصحراء يعرفون فروض السلطة افضل من سكان المدن، وبحسب منيف الرزاز (المفكر البعثي الذي قتله صدام حسين) فان الصحراء فرضت سيطرتها على المنطق السياسي العربي في العصر الحديث، باعتبارها مصدر القوة (البدنية طبعا) ومن هذا المنطق فان مشروع تيار المراجعة البعثي يعطي “فصائل المقاومة والقوى المناهضة للاحتلال” حق “تشكيل نظام وحكومة وطنية عراقية، بعد تحرير العراق” والخلاصة تتمثل في تشريع حكم القوة، السلاح، في نهاية الامر.
في اطار الجدل السياسي، وحق إبداء الرأي، لا يمكن حرمان احد (عراقي وغير عراقي) من التفكير في مستقبل العراق ومن اقتراح صيغة لذلك المستقبل، طالما ان المستقبل العراقي لا يهم العراقيين وحدهم بل وجميع شـركائهم في الاقليم والامن، ومن هذه الزاوية يجب تاشير الحقيقة التي لا ينبغي ان تغيب عن مجادل بان “الجيل المحسن” من فلول حزب البعث لم يتخلص من الرعوية السياسية التي تلفق مرحعية اعتباطية لتتحكم في مصائر البلاد، وقد يقول اصحاب المشروع، ماذا يمنع من هذا الحل اذا كانت القوات الاجنبية الغازية جاءت بمجلس الحكم وسلطات الحاضر، اليست هي القوة ايضا؟ وسيكون الرد من ثلاثة فروع، او ثلاثة استفسارات:
الاول، من هو الذي تسبب في الحروب ووقوع البلاد تحت الاحتلال؟ اليس هو حكمكم السابق وسياسات قيادتكم وحزبكم المغامرة التي قامت على المنطق الرعوي نفسه بتسويق وهم القوة والاقتدار والسيف وتحول هذا الوهم الى ثقافة كارثية لا تزال تتحكم في الكثير من العقول؟.
والثاني، اذا كان الوضع القائم غير شرعي، لانه استخدم القوة، فهل ثمة شرعية لاستخدام نفس الوسيلة، واذا كان تغيير الحكم تم بارتكاب اعمال منافية وجرائم، فهل انتم مستعدون لفتح ملف جرائم المقاومة بحق مئات الالوف من المدنيين العراقيين ومسؤوليتها عن نسف الجسور والابنية وشبكات الماء والكهرباء وتفجير الاسواق والمزدحمات واستيراد قتلة ومجرمين وانتحاريين مهووسين بالعنف والانتقام من الخارج؟.
والثالث، إذا كانت هذه المقاومة قد ارتكبت كل ذلك وهي خارج السلطة، فماذا ستعمل اذا كانت السلطة بيدها؟.
لقد اعاد المشروع البعثي قيد المناقشة، المنشورة مقتطفات منه، انتاج نزعة “الحزب القاعد” بصياغة اخرى حين اعطى “قوى المقاومة” سلطة تقرير مصير البلاد وحقها المطلق في “تشكيل مجلس شورى يتكون من 100 إلى 150 شخصية يتم اختيارهم من تلك القوى ومن ثم يتولى مجلس الشورى مهمة تشكيل حكومة وطنية انتقالية من شخصيات عراقية تمارس عملها لمدة سنتين، بعدها تجرى انتخابات ديمقراطية لبرلمان عراقي يشرف عليها مجلس الشورى بعد سنة من قيام الحكومة الانتقالية”.
وطبعا لا نعرف من “قوى المقاومة” غير مجاهدي القاعدة المتفننين بتنظيم المذابح الانتحارية وفلول المؤسسات القمعية للنظام السابق وبعض ابناء عشائر انضم غالبيتهم الى خيار الصحوات، كما لا نعرف كثيرا عن دور هذه القوى حقا في فرض الانسحاب على القوات الاجنبية من العراق، لكننا نعرف انها ساهمت بمجازرها واعمالها التخريبية في اطالة امد الاحتلال.
على ان المقتطفات المعلنة لم تحدد بوضوح هوية القيادة التي تقترحها “لعراق ما بعد الاحتلال” في محاولة لدس لغم الحزب القائد طي العبارات الغامضة، لكن المشروع السالف الذكر لا يقرر ايضا الموقف من الهياكل التي اقيمت بعد سقوط النظام وطوال سبع سنين، وبخاصة التشكيلات الامنية والعسكرية التي تضم ما يزيد على مليون من الافراد، ولا يشير علنا الى الموقف من شرائح وانصار العملية السياسية والملايين الاثني عشر التي شاركت بالانتخابات، ولا الموقف من الكيان الكردي الفيدرالي.
طبعا، ايضا، لا احد يجهل وصفة اصحاب المشروع وحلفائهم للتخلص من هذه المكونات عبر مقابر جماعية جديدة وانفالات ومقاصل في الشوارع ومحاكم شرعية على عجل، الامر الذي تروج له وتهدد به ونفذته وتنفذه فعلا “قوى المقاومة” كلما امكن لها ان تفرض سيطرتها على شبر من ارض العراق، او اتيحت لها ثغرة في المنظومات الامنية.
لكن الرعوية السياسية للمشروع تفيض وتفضح نفسها اكثر من خلال التوعد بالخصوم (او ما تسميهم اعوان الاحتلال) وشطب حقهم في الاجتهاد والعمل السياسي لانهم بحسب الحزب القائد الجديد سيزاحون بالقوة، فانهم بذلك مهزومون، والمهزوم “مهدور دمه دائما” بحسب الفكر الصحراوي البالي ومنطق القوة، وعلينا ان نتذكر كيف ادار حزب صدام مشيئة السلطة غداة انقلاب 1968 حين صادر ارادة وحقوق الملايين وجميع القوى السياسية، كردية، يسارية، قومية، اسلامية (وحتى شرائح من الحزب الحاكم نفسه) تحت بند “نحن الذين قلبنا السلطة بالقوة، فنحن اصحاب الشأن، وعلى الرقاب ان تنبسط تحت ساطورنا”.
وقد نقلل من المسؤولية المباشرة للفريق البعثي صاحب المشروع عن انتاج واعادة انتاج الفكر الرعوي، اذا اخذنا بالاعتبار بان هذا الفكر لا يزال يمسك بالجملة القومية والشمولية وتتخذ منه القوى الحاكمة في العالمين العربي والاسلامي منطلقا للهيمنة على السلطة ومصادرة حقوق الشعوب في العدالة والديمقراطية، بل ان شرائح نافذة في المشهد السياسي للعراق الجديد تجد في الفكر الرعوي الاقصائي خلفية لحق الاستفراد بالسلطة، واجتثاث الاخرين.
اقول، انه فكر متأصل في شعاب الجملة المتوارثة عن ثقافة وجعجعة الصحراء، وهو وحده الذي يعطي اصحابه حدائق من اوهام الاقتدار.. حدائق نبتت كوارث نتابعها بالصوت والصورة.

وكلام مفيد

***
ان شراذم حزب صدام حسين، بكل عناوينها، لا تزال تدور في وهم العودة الى السلطة بطريق القوة الانقلابية، بالجيش مرة، وبـ "المقاومة المسلحة" مرة اخرى، ثم، بالرطانات التجييشية والحربية في الكثير من المرات، ويبدو ان حبل قانون الاجتثاث الذي جرى التلويح به لافراد حزب صدام، والاسلوب الزجري واللاعادل، واحيانا الطائفي، في تطبيق القانون قد تحول الى هاجس يمنع جمهرة المرتبطين بتنظيمات البعث من ان ينظروا الى الهوامش السياسية الايجابية الكثيرة في عهد التغيير لكي ينفذوا منها الى فضاء العمل السياسي، بما فيه العمل المعارض المدني، الذي تتزايد فرصه باضطراد.
والحق، ان الكثير من المحللين الموضوعيين راهنوا على فريق المراجعة (يونس الاحمد) بان يبادر الى انهاء شعارات وخيارات القوة الرعوية الرثة لتحقيق الاهداف السياسية، ويشرع بالانتقال الى البرنامج المدني في العمل السياسي، المعارض، وحتى المقاوم، وكانوا يتابعون انخراط الفريق الثاني (عزة الدوري) في مشروع الردة للاسلام السياسي واصبح اداة بيد قوى التطرف الديني الاجرامية.
غير ان اصحاب الاحمد بقوا يدورون في الديباجات اللفظية للمراجعة، ولم يترجموا هذا الخيار الى ممارسات او افكار جدية، فيما عكفوا على اعادة انتاج شعارات الحزب القائد البغيضة والتمسك بوهم السلطة الضائعة، بل ونفذوا اعمالا وهجمات ارهابية عقابية ضد المدنيين ومؤسسات الدولة ولم يتركوا للمحللين الفرصة لرصد نقاط الخلاف والافتراق الجوهرية مع فريق الدوري المتماهي علنا في المشروع الجهادي الارهابي.
ومن زاوية، قد تبدو ناصحة، فان على ورثة حزب صدام حسين ان ينهوا الارث العضوي في تاريخهم القائم على جعجعة السلاح والقوة وطبول الحرب والنزعة الانقلابية، وان يتحولوا الى العمل السلمي المدني عبر مراجعة حقيقية لفترة حكمهم التي اتسمت بالبطش والاسترقاق والحروب الكارثية ونكران حق الاخر بالاجتهاد والحياة، والاعتراف بالخطايا الوفيرة التي التصقت بسجلهم، والنظر ، ايضا، الى حقيقة ان "مقاومة المحتل" يمكن ان تتم باشكال عديدة، وان استخدام السلاح في الحالة العراقية تحت شعارات المقاومة ادى الى، اولا، جر البلاد الى كوارث مروعة، وثانيا، فتح العراق امام جماعات الارهاب الدولي المهووسة باشاعة الخراب والمذابح والانتقام في كل مكان، كما انه، ثالثا، حوّل الفلول البعثية الى معسكر ردة مطلوب للعدالة الابدية، وبرر سياسة الاستئصال والانتقام الطائفي التي تنفذها بعض الشرائح النافذة في عهد التغيير.
احسب، من جانب ثان، بان القطيعة مع الثقافة الرعوية العمياء، وبخاصة بالنسبة لاصحاب الجملة القومية، لم تبدأ بعد، خصوصا بعد ان انضمت الى هذه الثقافة شرائح صحراوية جديدو قذف بها التخلف والعصبية والواحدية الى قلب معادلات السياسة والصراع.. وهي علة مرت من فوق وعي الكثيرين.

ـــــــــــــــ
كلام مفيد
ـــــــــــــــ
"
اللذة تزول والاثام تبقى"
                         فلاطون


 

free web counter