| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                                         الثلاثاء 4/10/ 2011

 

في مفترق طرق.. قبل الكارثة

عبد المنعم الاعسم 

ليس هناك من يشكّ في ان العراق يمرّ في مفترق طرق. من الذي اوصله الى ذلك؟ السؤال مهم وإشكالي، لكن، لايستهدف محاسبة احد الآن قدر ما يذكـّره بالنتائج، وبضرورة تدارك الموقف، وقبل ذلك، الاعتراف بالخطايا والاخطاء الكثيرة التي ارتكبت ودفعت الملايين العراقية ثمنها الباهض من مواكب القتلى والنزوح والاحتراب والمجاعة والخوف. عندما وقف موسوليني في شرفته ورأى روما في مفترق طرق، وعلى شفير الهزيمة التفت الى الكاردينال شوستر يسترشد فيه الى الخطوة القادمة، قال له الرجل الحكيم: “حان الوقت للاعتراف بخطاياك” ومما له مغزى ان طلب الاعتراف هذا جاء متأخرا، فقد كانت روما تعبر مفترق الطرق الى الهزيمة فالخراب.
ومن غير مبالغة فقد ادخل المتصارعون على السلطة العراق في ما يشبه سلسلة من افلام الرعب، الفساد مرعب. التفجيرات مرعبة. الاغتيالات بكواتم الصوت مرعبة. الاحتقان الطائفي مرعب. الشخصانية السياسية مرعبة. اعتداءات الجيران مرعبة. مظاهر التجييش المليشوي مرعبة. تدني الخدمات مرعب. البطالة مرعبة. اسعار المواد المعيشية مرعبة. الثراء الفاحش مرعب. الفقر الجماعي مرعب. حتى بدا للمراقب بان هناك صناعة رائجة للرعب يجري استعارة فنونها من هيتشكوك باكثر قدر من الاناقة الفنية والتشويق والدم البارد، وباكثر قدر من الانانية والوحشية وعدم المبالاة.
عندما نضع الملفات، المخاصم فيها، على الطاولة نستطيع ان نتعرف بسهولة، ومن الناحية النظرية، الى الحلول المطلوبة لتجنيب البلد المزيد من الانشقاق، لكن المشكلة ليست في تلك الملفات بل انها في النيات المبيتة، وقل في اجواء الثقة الملبدة بالغيوم والريب، وفي التخندق البغيض للاعبين الذين يديرون هذه الملفات، إذ تأخذ الاهواء والامتيازات الفئوية شكل مصالح الشعب، والمساومة فيها مساومة على سيادة الوطن، فيما هم، في الواقع، يغامرون بمصلحة وسيادة الشعب والوطن ويضعونهما على كف عفريت، لا احد يعرف الى اين ستؤول.
مفترق الطرق، منطقة توازن حساسة وخطيرة لا تتحمل الخطا أو العناد او المراهنة على الحظ. كل الاحتمالات واردة. في الاحوال العسكرية يناقش المخططون الاستراتيجيون خيار لا غالب ولا مغلوب، جنبا الى جنب مع اليات استيعاب النصر والهزيمة، وفي الصراع السياسي هوامش اكثر للتسويات، والحلول الوسط وحتى التراجع من طرف واحد إذا كان ذلك ينزع فتيل الانفجار.
العراق في مفترق طرق بين استئناف عملية التغيير وبناء دولة المواطنة والرخاء والامن وبين الارتداد الى غابة يتقدم فيها الطبل طوابير ابدية من النعوش.
 

"ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت"
                                                   الحلاج


جريدة (الاتحاد) بغداد
 

free web counter