| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                                               الأربعاء  4/1/ 2012

 

حرب البسوس

عبد المنعم الاعسم

أصل الواقعة القديمة التي تعرض لنا حكاية الخصومة التي طالت من الوقت ما تجاوز المعقول، واهدرت من الدماء والخسائر ما لا يرقى الى السبب الذي أشعل الحرب واذكى الخصومة، ما جعل منها مضرب الامثال حين تـُفتقد الحكمة، وينأى العقل، وتصعد حمية المكاره والانتقام، وتسود الضغائن والشكوك بين سكان فرضت الجغرافيا واحكام الحياة ان يكونوا متجاورين، متحدين، بقدر ما هم متنافرون:
لقد استعرت الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب، وسبب استعارها ان وائل بن ربيعة التغلبي ويسمونه (كليب) سيّد قومه تكفل بامر حماية حي وكلأ القبيلة، وكان إذا حمى ارضا لا يقربها احد، وخرج يوما يتفقد مراعي ابله، فابصر ناقة غريبة، فانكرها وغضب على اصحابها، فرمى ضرعها وقتلها، وكانت تتبع امرأة اسمها (البسوس) وهي خالة (جساس) بن مرة البكري ويمت للقاتل بصلة المصاهرة، فلما رأت البسوس ناقتها، وقد نفقتْ، صاحت طلبا للنجدة والثأر، فحمي ابن الاخت جسّاس وامتشق سيفه فقتل كليبا، فاستعرت الحرب بين القبيلتين، بكر وتغلب، وامتدت لاربعين سنة تحت شعار “دم كليب”.
وتشاء الحكاية ان تتسع بالطول والعرض، ويمسك الخطباء والدعاة وهواة المعارك امر التجييش، ولم يوقف مسلسل المهزلة الدامية نداءات جليلة بنت مرة، زوجة القتيل كليب، واخت القاتل جساس، بوجوب التهدئة وتذكير المتحاربين بفجيعتها.
ثم يأتي دور الملفقين والابطال المزيفين والمهووسين بطبول الحرب ويتفنن الرواة في تجهيز المسرح بالاحداث وقلب المدونات والسرد والتأويلات، ونقرأ الحادث في مرويات تجدد نفسها في كل حين،فحينما مرت إبل جساس بكليب وفيها ناقة البسوس(كما تفيد احدى المرويات) عرجت الناقة لترعى في أرض كليب، فقال: ما هذه الناقة ؟ قالوا: هي لخالة جساس، فقال: أو بلغ بـ جساس - أن يجير عليّ بغير إذني ؟ فامر برمي ضرعها بالسهام، فاختلط دم الناقة بلبنها.
ولـّت الناقة حتى بركت أمام البسوس، فلما رأتها صاحت: وا ذلاه ! فقال لها جساس، ابن الاخت: لك بناقتك ناقة أعظم منها، فأبت حتى زادها إلى عشر.
ولدينا غير هذه وتلك حمية اخرى نشأت بجوار حكاية حرب البسوس، فقد استطردت الذكورية العدوانية في لعبة التجييش لتحول الحرب هذه المرة ضد النساء بشخص البسوس بوصفها هي (وليس كليب وجساس)المسبب بالحرب.. الرجال رمز الشهامة والنساء شرارة الفتنة، وتفيد رواية حديثة قرأتها على موقع اسلامي مصري انه”عندما علمت البسوس بمقتل كليب على يد ابن اختها جساس ذهبت، هي والعبد، وقامت بفتح بطن كليب، واخذت كبده ، واكلتها احتفالا بمقتله.
حرب البسوس نتابعها، الآن، محظوظين، بين بكر وتغلب، على الشاشات الملونة.
 

“ما خسرته اليوم تكسبه غدا”.
                                       سرفانتس


جريدة (الاتحاد) بغداد
 

 

free web counter