موقع الناس     http://al-nnas.com/

الازمة ومفاتيحها.. اولا : المراجعة


عبدالمنعم الاعسم
aalassam@hotmail.com

الثلاثاء 3/10/ 2006 

ماحدث منذ التاسع من نيسان 2003 حتى الان بحاجة الى مراجعة، مراجعة نقدية في المقام الاول، ولعل افضل وانفع مراجعة، هي تلك التي يبادر اليها اصحاب التجربة انفسهم، واعني حصرا، الفئات والشخصيات ( العراقية ) التي رحبت بالتغيير وشاركت فيه واوصلته الى الحال الذي نحن فيه، وتسببت كل جهة من موقعها في ما حصل، اخذا بالاعتبار الواقعة الموازية التالية: ان الولايات المتحدة، بكل عناوين ومستويات ادارتها، وبجميع عقولها تخوض، منذ حين، عملية مراجعة نقدية، ساخنة وجدية، للحدث العراقي ولكفاءة السياسة الامريكية التي صنعته وتعاملت معه، وليس كتاب(دولة الانكار) المثير للجدل الذي اصدره (بوب وودورد) مؤخرا سوى فاصلة واحدة من المراجعة التي تنقذف فيها كل منظومات التفكير الامريكي، الرسمية وغير الرسمية، حيال مجريات ومبررات الحرب ونتائجها على الارض، ما اضطر الرئيس بوش وادارته الى التخلي عن موقف المتفرج والمدافع والمنافح ليدخل حلبة المراجعة هو الاخر، وإن في محاولة الدفاع عن قرار الحرب ودواعيه.

ويُعد السؤال حول سبب مشغولية الامريكان بجدوى المراجعة اكثر من مشغولية العراقيين ساذجا طبعا، فثمة، عدا عن الهم الاستراتيجي الدولي للامريكان، استحقاق انتخابات مصيرية نهاية هذا العام يتوقف عليها مستقبل الحزب الجمهوري الحاكم، فيما خرج العراقيون من انتخابات طمأنت فرقاء العملية السياسية بادارة السلطة لاربع سنوات مقبلة ما دام العراق الاتحادي على الخارطة. في هذا تكمن سلسلة من الاستدراكات، لم يأت اوان الخوض فيها، لكن من بين جميع الاستدراكات يشار الى عُقم الافتراض بان كل شيء كان صحيحا ومبررا ومحسوبا، وان الردة مردها خارجي ولم تتسلل من ثقوب في منظومتنا السياسية والفكرية.

المراجعة، احد فروع علم السياسة الحديث، بل انها وثيقة الصلة بعلم المستقبليات وقد اتفق كل من كانت والغزالي على الانطلاق من الشك نحو اليقين عبر بوابة المراجعة النقدية للراهن والظاهرات، فيما وضع العالم الالماني هايزنبرغ مبدأ الارتياب عام 1925 في اساس منظومات تحليل الظاهرات، وقد وظفته معاهد سياسية عديدة في مناهجها لبناء التصورات إزاء النظم السياسية في عالم ما بعد الحرب الاولى، واحسب اننا، في العراق، بحاجة الى شحذ بطاريات التفكير الجمعية من اجل الاجابة عن الاسئلة العلمية والمنهجية الملحة التي طرحتها وتطرحها مسيرة السنوات الثلاث الماضية، وهي اخطر مرحلة موصولة بحاضر ومستقبل هذا الكيان، وللاسف فان المعنيين بهذه المراجعة استخدموا محذور الراهن المتمثل بالتهديد الامني كذريعة للهروب من المراجعة، فيما الواقع يؤكد امرا آخر: ان المراجعة النقدية الجريئة من شأنها ان تصبح مضادا حيويا للراهن المعتل والمهدد.

على انه لا فائدة من المراجعة إنْ لم تبدأ بمرحلة التحضير لعملية التغيير في العراق، والاجابة عن السؤال اللجوج عما اذا كانت المراهنة على العامل الخارجي في كسر توازن القوى مع الدكتاتورية الحاكمة ومن ثم اسقاطها سليمة ام انها كارثية بالمعيار التاريخي؟ ام ان ثمة خيارا بديلا كان ينبغي استخدامه للوصول الى نفس الهدف..اسقاط الدكتاتورية.. باقل كلفة من الارواح والثروات؟.

صحيح ان المراجعة النقدية للمسيرة، ولاية ظاهرة، تبدأ باطلاق الاسئلة نحو عمق المشكلات التي واجهتها، لكن الاهم من طرح الاسئلة هو الاستعداد للاجابة عن تلك الاسئلة بشجاعة ومسؤولية، لان الاجابات نفسها تصبح برنامج المرحلة المقبلة..واخشى، ان يكون التمسك بالراهن، غير المقبول، هو السبب الحقيقي للهروب من المراجعة النقدية لما حدث..قلت: اخشى، وللخشية ما يبررها كما سنرى.

ــــــــــــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــــــــــ

لاخير في كل فتى نؤومِ
                           لا يعتريه طارق الهمومِ


شعر مدرسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة(الاتحاد) بغداد