| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              السبت  3 / 5 / 2014


 

بين الجد والهزل

عبد المنعم الاعسم 

يبدأ الجد حين ينتهي الهزل، هكذا كان يقول شارلي شابلن، الذي كان يعلن انه لا يحب الجد، لكن الجد، مثل الدم، يجري في عروقه، فلا يمكن للحياة ان تمضي في طريق الهزل واللعب والمقالب الى ما لا نهاية، ولا يمكن لها ان تكون جادة، متجهمة، مُستنفرة على الدوام.

لقد انشغلنا، واستغرقنا، بالهزل زمنا طويلا، واطول مما هومُحتمل، وشاهدنا فنونا من المضاحك والتسليات السياسية فيما بعض الهزل كان كوارث طاحت على رؤوسنا مصحوبة بالعويل والخراب والدماء، وبالمقابل ظهر لهذا الهزل ابطال ومخرجون وجمهور، وتجار خردة عكفوا على ترويج وعي عام مهزوز، وقد حذر على الوردي من اغواءات الجمهور حين يستسلم الى ثقافة مهزوزة.

ولأسباب معروفة، فان لاعبين كثيرين في ساحة السياسية عملوا، ويعملون، على إطالة شوط الهزل، ومنّوا النفس ان لا يخرج العراق الى فضاء الجد والبناء والسلام، ومن زاوية يبدو اننا انتجنا سياسيين للهزل اكثر مما انتجنا سياسيين للجد، وهذا يفسر لماذا اطلقت مبادرات التسوية السياسية او التهدئة، كانت اقرب للهزل منها الى الجد.. لنتذكر "ميثاق الشرف" مثلا.

عمليا، ومن الناحية المنطقية، ينبغي ان تتوقف، الان، سيناريوهات الهزل السياسي والمسرحيات التهريجية وتمارين التسقيط ولي الايدي ولغة استعراض القوة ذات الصلة بالحملة الانتخابية، فقد أغلقت الصناديق بعد ان امتلأت بالاصوات، وصار ثمة مرجع معترف به ، هو النتائج، ليقرر مصائر السياسة والسياسيين، ويُفترض (اقول يُفترض) ان يتعامل المتنافسون مع تلك النتائج باعتبارها حكما، او تمثيلا لأرادة الناخبين، او تجربة تخضع للمعاينة والتقييم والاصلاح والاعتراض، وكل ما عدا ذلك يدخل في عداد العناد السياسي.

وبما ان الديمقراطية ليست انتخابات فقط، لكن حصيلة تجاربنا في ممارسة الانتخابات تكشف، عن جملة التشوهات، واغتراب الرؤى بين من يعتبرها خيارا لبناء دولة العدالة والخبز والحريات والمساواة ومن يتعامل معها كجسر الى السلطة والامتيازات.

بين من يخشى الخروج من الهزل هاربا من استحقاق النقاط والحروف.. وبين مَن يتطلع الى مرحلة الجَدْ، ليضع النقاط على الحروف.


"من يجلس فوق مقعدين يسقط بينهما".
                                               حكمة ايرانية


جريدة (الاتحاد) بغداد




 

free web counter